السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التنقيب عن الآثار.. «وهم» الثراء السريع على جثث الفقراء

التنقيب عن الآثار.. «وهم» الثراء السريع على جثث الفقراء
التنقيب عن الآثار.. «وهم» الثراء السريع على جثث الفقراء




 الدقهلية - أسامة فؤاد

نسمع ونشاهد أنباء وأخبارًا ليل نهار عن وجود تصدعات وانهيارات ووفاة أشخاص نتيجة غرقهم فى المياه الجوفية تحت المنازل، علاوة على حرق المنازل فى ظروف غامضة، وتتردد أنباء حينها أن وراء الحادث «جان»، لكن من المؤكد أن السبب الرئيسى وراء تلك الكوارث هو البحث عن الآثار، والسعى وراء تحقيق الأموال الطائلة، والثراء السريع.
وانتشرت تلك الكارثة فى الآونة الأخيرة خاصة - تزامنا - مع إحدى الفتاوى التى أصدرها أحد كبار شيوخ السلفية، والتى تضمنت أن كل ما يجده الشخص فى منزله وأرضه فهو ملك له وحلال له التصرف فيه بأى شيء كان سواء بالبيع أو بالاحتفاظ أو التبرع به.
بداية يقول محمد زايد، عامل بأحد محلات المجوهرات، إننى لجأت إلى أحد الأشخاص المتخصصين فى التنقيب عن الآثار وأحضرتهم إلى المنزل، وبدأوا فى قراءة طلاسم وكلام غير مفهوم، وأخبرونى فورها بأن منزلى تحته كنز، وأمرونى بالحفر نحو 25 مترًا.
وتابع: بالفعل استعنت بمقاول وبدأ العمل لمدة شهرين وقاموا بالاستعانة بألواح خشب كبيرة لمنع سقوط التراب عليهم فيودى بحياتهم، وكذلك موتور لرفع المياه الجوفية، لكننى توقفت عن الحفر بعدما حدث تشقق فى حوائط المنزل والمنازل المجاورة دون علمهم بسبب التشقق، وتكبدت فى تلك العملية الباهظة 50 ألف جنيه.
ويشير حاتم البهى، طبيب صيدلى، إلى أن منزله و6 آخرين معرضة للانهيار بسبب قيام أحد الجيران بالحفر للتنقيب عن الآثار أسفل منزله، من خلال عمل شبكة «سراديب» أسفل المنازل، تسببت فى وجود تصدعات وتشققات بالحوائط والجدران بفعل هبوط التربة.
ويضيف: الأمر الذى أشعل غضبنا ونشبت بشأنه مشادات ومشاجرات بين جموع الجيران، منوها إلى أنه حينما فشلوا فى إنهاء المشكلة وديا لجأوا إلى مركز الشرطة وحرروا محضرا، لكن لم يتم إلقاء القبض على المنقبين، ورغم أن النيابة العامة أمرت الوحدة المحلية بمعاينة المنازل المتضررة والتى أثبتت وجود تشققات لم يحدث، حتى إن لجنة الآثار التى طلبنا حضورها لمعاينة المنطقة لم تلتفت إلينا.
ويلفت المواطن عصام وفيق، إلى أن التنقيب عن الآثار اشتهر بصورة كبيرة فى قريتى «أويش الحجر» و«كفر الشنهاب»، حيث تتمركز الحفر والتنقيب فى المنازل التى تقع فى المناطق العلوية مثل: «الشقرية ـ المطاوعة ـ الكفر البحرى ـ النجارين ـ وسط البلد»، خاصة أن تلك المنازل كان يتم بناؤها لتجنب فيضانات مياه نهر النيل قبل بناء السد العالى.
ويؤكد وفيق أن هناك عشرات الحالات من أعمال الحفر للتنقيب عن الأثار وأصبح هناك مقاولو حفر معروفون بالاسم متخصصين فى التنقيب عن الآثار، مؤكدا أن هناك حالات وفاة كثيرة تنجم عن تلك الأعمال نتيجة انهيار البئر أو الغرق فى المياه الجوفية والاختناق.
ويكشف ناجح عبيد، ليسانس آداب، عن استعانة الأهالى بأشخاص من العاملين بقطاع الآثار وقيامهم بإحضار بعض الأجهزة لتحديد ما إذا كانت هناك آثار من عدمه، ويتم تحديد بعض المسافات للبدء فى الحفر، وبالفعل بعض الأشخاص توصلوا إلى آثار وتبدلت حياتهم من الفقر إلى الثراء دون أن تتحرك تجاههم الدولة.
ويتهم عبيد، الشيخ «محمد.ح»، أحد كبار شيوخ السلفية، بتحريض المواطنين على أعمال الحفر والتنقيب بالفتوى التى أصدرها بأن من يجد آثارًا فى منزله أو أرضه فهى ملك له، الأمر الذى دفع الكثير إلى البحث والبدء فى التنقيب، خاصة أن الأخذ بالفتوى يعتقد أنه لو مات تحت الأنقاض أو بالأختناق فهو «شهيد»، مستنكرا التزام صمت وزارة الأوقاف بالرد على الفتوى سواء بإقرارها أو نفيها.
ويطالب أمين محمد مخيمر، محام، بوضع تشريعات قانونية جديدة خاصة بأعمال الحفر والتنقيب وحيازة الآثار المصرية وتدوالها، وأن تكون هناك مواد صريحة تشمل جميع صور التعامل أو التنقيب عن الآثار، مشددا على أن تكون العقوبة الحكم بالمؤبد على المنقبين، إلى جانب مكافأة مالية تتجاوز مليون جنيه لمن يقوم بإبلاغ الجهات المختصة بأن هناك أماكن بها آثار ويتم فيها الحفر والتنقيب، وذلك تشجيعا للمواطنين.
ويقول محمد على الواعى، أحد المضارين، إن قرى جميزة بلجاى، والربع بالسنبلاوين، وميت غمر، وشربين، تشهد منذ فترة وحتى الآن حالة من الرعب والفزع بعد احتراق عدد من المنازل فى ظروف غامضة، رغم تأمينهم الغرف ومحتوياتها جيدا، واستخراج أى مواد قابلة للاشتعال من المنزل، الأمر الذى دفع الكثير من الأهالى إلى ترك منازلهم خوفا على أرواحهم وأرواح ابنائهم.
وينوه أشرف الغريب، من ميت غمر، إلى أن إحدى قرى مركز «ديرب نجم»، اشتعلت النار بأكثر من 20 منزلًا بها، وبعد إطفاء الحريق تشتعل النار بصورة ذاتية، وذلك بسبب أعمال السحر والشعوذة وتحضير الجان بحثا عن الآثار، حيث إن تلك القرية معروفة لدى الأجهزة الأمنية بأن بها أعمال تنقيب عن الآثار لا تعد ولا تحصي.
ويتابع: وحينما لجأنا إلى الأزهر الشريف، كلفنا بالبحث فى الأسباب المادية للحرائق، وعندما عجز الأهالى فى اكتشاف الأسباب المادية استعانوا بعدد من شيوخ السعودية والمغرب، لكن لا تزال الحرائق مستمرة، والفاعل مجهول.
ويقول ناجى علي، من المطرية بالدقهلية، إن أعمال الحفر والتنقيب بالقرية والمنزلة تتم من خلال الحفارات والآلات الثقيلة، معترفا أنه شارك فى بعض محاولات التنقيب بعد أن فشل فى إيجاد قوت يومه وتوفير عمل، وبالفعل عثر على آثار منها تماثيل كبيرة وأخرى صغيرة، لافتا إلى أن أعمال الحفر والتنقيب تتم لحساب الكبار فقط مثل: «أعضاء مجلسى شعب وشورى سابقين ـ قيادات شرطية»، وتتم أعمال التهريب عن طريق بحيرة المنزلة ومنها إلى بورسعيد ثم دمياط.
ويطالب الحاج رضا البرعى، هيئة الآثار بتشديد الإجراءات الأمنية على المناطق الأثرية، مشددا على ضرورة منح العاملين بالهيئة «الضبطية القضائية»، وكذلك إجراء التحريات اللازمة على العاملين بالآثار، وحظر حيازة الآلات والمعدات والأجهزة التى تستخدم عن الكشف عن الآثار والمعادن للحد من عمليات التنقيب.
من جانبه شدد الشيخ أيمن جلال، أحد علماء الأزهر الشريف، على أنه لابد علينا  من تعريف «الركاز»، حيث إنه الشىء الذى يجده الشخص فى ملكه بباطن الأرض، وهذا حق وملك لصاحب الأرض سواء تم اكتشافه عن عمد أو وجده بمحض الصدفة، ويشمل «الدهب ـ الفضة ـ الآثار»، لكن عليه إخراج «الخمس» لمصارف الزكاة الثمانية.
ولفت جلال إلى أنه إذا كان «الركاز» فى ملك غيره أو فى منزله ويتمتد إلى منزل جاره، فلا يجوز إلا باتفاقهما سواء على الحفر واستخراج ما يوجد بباطن الأرض، أما إذا كان الحفر داخل منزله وتصدع منازل الجيران أو كان هناك احتمالية فى تعرض حياة الآخرين للخطر فلا يجوز وحرام شرعا.
فى المقابل إذا كان قانون الدولة يجرم التنقيب عن الآثار وتدوالها فيحرم التنقيب ولا يجوز للأفراد والأشخاص ذلك، كما لا يجوز استخدام أعمال الجان بالطرق السفلية وأعمال السحر لأن فك السحر بالسحر حرام، لكن إذا لم يكن هناك قانون يجرم التنقيب فيجوز الاستعانة بالجن المسلم كى يدله على مكان به مال أو ركاز فلا شىء فيه وفقا لما قضى به «ابن تيمية» عليه رحمة الله.
وأشار إلى أن سبب انتشار ظاهرة الحرائق فى المنازل التى يتم الحفر بها، هو قيام أصحابها بالاستعانة بشيوخ وكتب تحضير الجان والقيام بأعمال السحر والشعوذة بالطرق السفلية، فى الوقت الذى لا يملكون فيه الأشخاص والشيوخ من الخبرة شيئا، سواء فى التعامل معه أو فى صرفه بعد تحضيره، منوها إلى أن فتوى الشيخ محمد حسان عن «الركاز» صحيحة فى صورته العامة ويكون الحكم الشرعى مختلفًا لكل صورة على حدة كما بينا، مطالبا الدولة بوضع قوانين صارمة لمواجهة مافيا الآثار والتنقيب عنها.
جدير بالذكر أن هناك خسائر تسببها أعمال الحفر والتنقيب حيث إنه لقى 2 مصرعهما  وإصابة آخر بقرية الطعايمة، مركز المنزلة بالدقهلية، أثناء قيامهم بالتنقيب عن آثار.
كان قد تلقى اللواء عاصم حمزة، مدير أمن الدقهلية، إخطارا من اللواء السعيد عمارة، مدير مباحث المديرية، بوفاة سامح رفعت الصياد، 35 سنة، فلاح، ومحمد محمد عبدالسلام سعدة، داخل بئر، وإصابة نعيم عبده جمعة، بإصابات خطيرة، تم نقله للعناية المركزة بمستشفى المنزلة.
وأشارت التحريات إلى أن المجنى عليهم كانوا يبحثون عن آثار تحت الأرض من خلال استخدامهم أدوات بدائية فى عملية الحفر والتنقيب، وسحب المياه الجوفية.