السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عونى يحيى تماثيل مختار بالرقص الحديث فى «حلم نحات» على المسرح الكبير

عونى يحيى تماثيل مختار بالرقص الحديث فى «حلم نحات» على المسرح الكبير
عونى يحيى تماثيل مختار بالرقص الحديث فى «حلم نحات» على المسرح الكبير




ليس كل مبدع صادق وليس كل من أراد، أن يتناول حياة فنان كان حقيقيا، وعاشقا فى تناوله، لكن عندما تذهب لمشاهدة «حلم نحات»، للمخرج ومصمم الرقص الحديث وليد عونى، والذى قرر أن يقدمه، عن النحات الراحل محمود مختار، سترى حالة من الصدق والعمق الفنى، فى  تناول حياة مختار بالتعبير الحركى وبلا كلمة واحدة، حيث وصل عونى فى تشبعه بهذا الرجل فنيا، إلى قدر كبير من الإحساس والعشق النادر، غير المتكرر كثيرا، خاصة فى الأعمال، التى تتناول حياة هؤلاء الراحلين، فأغلبها قد يشوبها، بعض النفاق والإدعاء والمبالغة، فى نقل رسالة تعليمية جافة مجردة من العمق والإحساس، بينما يكسر عونى هذه القاعدة التقليدية المعتادة، ويرسم فى عرض «حلم نحات» بريشته لوحة تشكيلية، بالسينوغرافيا والملابس والإضاءة والديكور، والحركة الراقصة، عن محمود مختار، وكأنك ترى لوحة معلقة على الحائط، دبت فيها الحياة لتبعث تماثيلها، فى ليلة ساحرة، هكذا بدا عونى فى عرضه الأخير، عاشقا لمختار، خاشعا فى محراب فنه الخالد والأصيل.
ففى لوحات فنية راقصة، وعلى انغام موسيقية متنوعة، أحيا عونى تماثيل الراحل محمود مختار، بين أحضان جبل صخرى، وبدقات يد أحد الفراعنة القدماء، الذين اشتهروا بفن النحت، يخرج لنا الفرعون «عمرو البطريق» ليعلن عن ميلاد، نحات مصرى أصيل، ثم يستعرض عونى بأجساد الراقصين، بعض تماثيل مختار، وكان أبرزها تمثال «نهضة مصر»، الذى أبدعه مختار عام 1928، و«الفلاحة»، و«الخماسين» وغيرها، ثم مراحل صناعة ونحت التمثال، والعلاقة الحميمية، التى تربطه، بتماثيله بعد أن وهبها الحياة و الخلود، ففى هذا العرض، تحولت التماثيل إلى أجساد بشر متحركة، استخدم المخرج أقمشة «الليكرا» ككساء لأجساد الراقصين، كى تبدو هذه الأجساد، وكأنها تماثيل حقيقية، بثت فيها الروح، وبعثت على خشبة المسرح، لنرى إبداع صانعها بها، ومدى عشقه وتوحده معها.
قدم وليد عونى نفس العرض عام 2003، بالمتحف المفتوح فى أسوان، ولقى أيضا نجاحا كبيرا، لكن هذه المرة يقدم العرض على مسرح دار الأوبرا، ويستعيض عن جبل أسوان، بتصميم جبل صخرى فى عمق المسرح، صممه مهندس الديكور محمد الغرباوى، والذى بدا بالفعل وكأنه جبلا حقيقيا، وهو يقول عن هذا العمل دائما، أنه من أحب أعماله إليه، لأن محمود مختار بالنسبة له ليس شخصا عاديا، ويواصل عونى كلامه عن مختار قائلا.. «هو من أهم فنانى عصر النهضة، وتناولت حياته فى المرة الأولى فى عرض ليالى أبوالهول الثلاث، ثم قدمت النسخة الأولى، من «حلم نحات» عام 2003، وكان العرض عن علاقة محمود مختار برواد عصر النهضة، وهم سعد زغلول، وهدى شعراوي، وقاسم أمين، وأم كلثوم، ثم قدمته بمئوية الفنون، لكن بعد إعادة العرض من جديد، بالطبع لابد أن أقدمه فى قالب فنى مختلف ومتغير، وبالتالى حذفت كل شخصيات رواد عصر النهضة، وركزت بشكل أساسى على أعمال مختار وحده، وبالطبع كنت متأثرا بأعماله للغاية، مثلما كنت متأثرا دائما، برسومات جبران، والتى أرى أنها قريبة جدا من روح مختار، وكذلك كنت متأثرا بقاسم أمين وأفكاره، عن تحرير المرأة فى «نساء قاسم أمين»، وتعمدت فى هذه النسخة، أن أصنع البرواز الشفاف لأنه بالنسبة لى رمزا للتابوت الفرعوني، فكأننى فتحت معبدا وأغلقته».
شارك فى بطولة العرض أعضاء فريق الرقص المسرحى الحديث محمد مصطفى، كريم عزت، محمود مصطفى، محمد عبد العزيز، عمرو البطريق، أحمد محمد، نور حمدى، باهر أحمد، رشا الوكيل، منت محمود، سماح مبارك، دينا ترازكي، ومن الخارج، مى إبراهيم، رضوى صبرى، جاسمين أحمد، بسنت أحمد تصميم الإضاءة ياسر شعلان، وديكور وملابس محمد الغرباوى.
يعتبر محمود مختار أحد الفنانين الرواد القلائل، فى فن النحت الحديث، نشأ فى نواحى مدينة المحلة الكبرى بقرية طنبارة، وقدم إلى القاهرة عام 1902، عاش فى أحيائها القديمة، ووضع هذا الرجل موهبته فى خدمة الحركة الوطنية، معبرا بتماثيله عن المرحلة الإجتماعية والسياسية التى عاشها، وهى مرحلة النهضة والبحث عن الشخصية المصرية فى أعقاب 1919، بدأ محمود مختار خطواته نحو العالمية عام 1913، حين عرض تمثال «عايدة» فى صالون باريس الذى كان يعتبر الاشتراك فى عروضه شهادة امتياز، وبعد سبع سنوات عرض نموذجاً مصغراً لتمثال «نهضة مصر»، فاستنفر اقلام كبار نقاد فرنسا واعلنوا ميلاد فنان جديد, يضيف ابعاداً مبتكرة لفن التمثال الحديث، على اسس من التراث المصرى القديم, ثم عرض تمثالى «الطاقية» و«كاتمة الأسرار»، الذين علق عليهما ناقد فرنسى كبير قائلاً «أنها ظاهرة روحية فذة»، وفى عام 1930، بعد اقامة نهضة مصر بعامين عرض أربعين تمثالاً فى قاعة «برنهايم» بباريس ممثلاً وجه الفن المصرى المعاصر.
درس مختار فى مصر على يد النحات الفرنسى «لابلانتى» وفى باريس باشراف المثال «مرسييه»، لكنه لم ينس النحت الفرعوني، وتأثر بالمجسمات الشعبية المصرية، التى كانت شائعة فى مشاغل الازبكية، وشارع محمد على، وانعكس على التماثيل الكاريكاتورية، التى أبدعها أثناء سنوات الدراسة، قبل أن يرحل إلى باريس عام 1911 مثل تمثال «ابن البلد»، المحفوظ بمتحف مختار بالجزيرة، وان كانت أعمال محمود مختار كلها ذات روعة خاصة مثل تمثال «الخماسين» إلا أن تمثال «نهضة مصر» استحوذ على انتباه النقاد الأوروبيين، وكذلك من اعماله النحتية العظيمة لوحتان من الرخام الأبيض منحوتتان، على جانبى تمثال ايزيس, يعتبران من معجزات النمنمة النحتية البارزة إذا قورنت بمثيلاتها فى الماضى عند الفراعنة أو الاغريق أو حتى فى عصر النهضة, من أعماله أيضا تماثيل، «الحزن»، «بنت الشلال»، «زوجة شيخ البلد»، «سعد زغلول»، «حارس الحقول»، «حاملات الجرار»، «الفلاحة»، «نحو نهر النيل»، «رياح الخماسين «، «كاتمة الأسرار»، «الأمومة»، «المتسول»، «مناجاة»، «العدالة»، «نحو الحبيب»، وتمثل أعماله نقطة البداية لنهضة حركة الفن الحديث بمصر والبلاد العربية، كما ساهم فى ت  إقامة تمثال «نهضة مصر»، فى ميادين القاهرة، ونظم اكتتاب شعبى لإقامة التمثال، والتى ساهمت فيه الحكومة، حتى انتهى منه عام 1928، وفى عام ‏1952‏ تم افتتاح متحف مختار، فى ملحق خاص بمتحف الفن الحديث ليعرض 59 تمثالاً، وقام على تأسيس وإعداد المتحف، كل من الفنان راغب عياد زميل محمود مختار وصديقه، وكمال الملاخ الصحفى والأثرى البارز، وقام المهندس رمسيس واصف، بتصميم متحف مختار الحديث، فى حديقة الحرية بوسط القاهرة ونقلت رفات م ختار إلى المقبرة الجديدة بالمتحف.