الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عدونا الأول.. عدونا الوحيد

عدونا الأول.. عدونا الوحيد
عدونا الأول.. عدونا الوحيد




د.على الشامى يكتب:

فى مطلع العام 1882 فى روسيا قام رجل يدعى ليوبنسكر بنشر كتاب «التحرر الذاتى» فكرة الكتاب هى البذرة الأولى فى العصر الحديث لتكوين الدولة اليهودية أو ما يعرف بدولة إسرائيل، وقد أصدر اليهودى بنسكر ذلك الكتاب بعد عمليات تعذيب واعتقال وإهانة متتالية من قبل الروس تجاه اليهود، انتقاما من اغتيال قيصر روسيا والتى أشارت أصابع الاتهام فيها إلى بعض اليهود، ثارت حمية ذلك الرجل وغيره ودعوا للتخلص من الذل والمهانة والانطلاق لتكوين الدولة اليهودية عند جبل صهيون المقدس عند اليهود فى مدينة القدس، وعلى هذا الأساس قام الرجل بتأسيس جمعية أطلق عليها أحباء صهيون كان غرض الجمعية هو تسهيل رحلات الحج إلى القدس وكان بعض اليهود يبقى فى فلسطين والبعض يعود إلى روسيا وهكذا، حتى ازدادت أعداد اليهود فى فلسطين بطريقة ملفته، وبدأ بعض اليهود فى شراء الأراضى والاستيطان فى غفلة من العالم عبر تخطيط مسبق خبيث.
وفى العام 1890 استطاع بنسكر انشاء جمعية «دعم المزارعين والحرفيين اليهود فى سوريا وأرض إسرائيل» إلا أن معارضة السلطان عبدالحميد الثانى لاقامة الدولة جمدت هذه الإجراءات إلى حين، وفى عام 1896 أصدر تيودور هرتزل كتابه الأشهر «الدولة اليهودية» وبعدها بعام واحد وبالتحديد فى 29 أغسطس عام 1897 كان الاجتماع فى بازل بسويسرا وعرف بالمؤتمر الصهيونى الأول بمشاركة 197 وفدا من كل أنحاء العالم، بعد سقوط الدولة العثمانية عقب هزيمتها فى الحرب العالمية الأولى وتقسيم أراضى الدولة بين المنتصرين، كانت فلسطين من نصيب الانتداب البريطانى، وفى منتصف ليل 14 مايو 1948 أو فى الساعات الأولى ليوم 15 مايو وقبل ساعات من إعلان الانتداب البريطانى أعلن الصهاينة قيام دولة إسرائيل تحقق حلم بنسكر الذى حملت بعدها شوارع كثيرة فى دولة الكيان الصهيونى اسمه تمجيدا له.
هل تعلمون ماذا فعلت دولة الاحتلال للابقاء على التفوق؟ الأمر بسيط جدا ومعقد فى نفس الوقت، بناء الإنسان الأطفال، تكوين النشئ والأجيال القادمة يستوقفنا هنا أمران فى غاية الخطورة، الأول، كيف ينشأ الصغار فى دولة الاحتلال الآن فعلى شاكلة المؤسسين الأول ينشأ الأطفال الصغار فى الكيبوتس على أفكار من عينة تاريخية الدولة والكراهية للعرب والاحتقار لهم وتبدأ تربية الأطفال الصغار فى الكيبوتس - وهى تجمعات سكانية تشبه القرى التعاونية – أو فى المدن فى سن عامين فى مدارس تمهيدية من عامين إلى أربعة أعوام يدخل بعدها الطفل إلى مدارس تزرع فيه تنمية المواهب والقدرات العلمية والإبداعية جنبا إلى جنب مع العصبية والعنصرية تجاه العرب وتدريجيا يتم زرع تلك الأفكار حتى يصل الشاب إلى 18 عاما فتتوقف أنشطة حياته بالكامل ويصير مجندا فى جيش الاحتلال لثلاث سنوات للذكور واثنين للاناث، هذه الحالة الجمعية على الرغم من عدم طبيعيتها وكونها مجرد تجييش للمجتمع المدنى إلا أن المجتمع حريص على أن تكون حالة العداء والتأهب ضد العرب فى أقصى درجاته رغم كل الجمعيات والمؤسسات الزائفة أو الشكلية التى تدعو للسلام المزعوم.
الأمر الثانى والخطير هو كيف ينشأ الطفل فى المجتمعات العربية، وأخص بالذكر المصرية، الطفل لا يجد بيئة معدة للتربية الصحيحة طعام ملوث آباء يلهثون وراء لقمة العيش، تلوث بصرى وسمعى، تلوث على كل المستويات مدارس متهالكة ونظام تعليمى ينافس على المركز الأخير من ناحية الجودة أفكار مسمومة عبر إعلام غير مسئول، وواقع أخلاقى مهترئ، أما الأطفال الأوفر حظا والمتعلمون فى مدارس أرقى فإن تلك المدارس توفر لهم جرعة من عدم الانتماء والانفصال عن الواقع المصرى والتاريخ للأمة المصرية وعن قضاياها الوطنية وأخلاقها العامة فتصنع لنا تدريجيا جيلا من المعادين للمجتمع إما لبخسهم حقوقهم أو لعدم الانتماء إليه والإحساس بالدونية لصالح مجتمعات أخرى أكثر إبهارا.
هل ندرك الآن لماذا ستبقى إسرائيل شوكة فى ظهر العرب لأنها ببساطة لن ترحل بالشعارات والتعليم بإصلاح التعليم يمكننا مواجهة عدونا الأول وأن توارى خلف ستائر مصطنعة عدونا الوحيد وإن تكاثرت أعداء من صنيعته حينا ومن صنيعة خيبتنا أحيانا.