الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

سوق الرجال

سوق الرجال
سوق الرجال




أعد الملف - سمر حسن

وجوه شاحبة.. يبدو عليها الحزن والأسى.. أصحاب أجساد قوية وعضلات  مفتولة من الخارج، وقلوب هشة حزينة من الداخل بسبب الظروف الطاحنة التى يعيشونها.
يفترشون أرصفة  ميادين موجودة داخل القاهرة والمحافظات، معلقين قلوبهم وأبصارهم بالمارة فى الشارع، وراكبى السيارات أملا فى أن يكون أحدهم زبون يطلب منهم الخدمات مقابل المال، هم مواطنون درجة ثالثة، وفئة منسية، سقطت من حسابات الحكومة.. تأتى وزارة تلو الأخرى ولا أحد يحرك ساكنا بشأنهم، ولا شيء جديد بالنسبة لهم.. إنهم «عمال التراحيل» أو «الفواعلية».
رصدت «روز اليوسف» معاناتهم، حيث قمنا بجولة فى عدة ميادين داخل القاهرة حيث يتركز بها عمال التراحيل، وبمجرد وصولنا لتلك الميادين هرولوا نحونا متظاهرين بالفرح والابتسامة، مرحبين بنا على اعتبار أن هناك لقمة عيش هبطت من السماء لأحدهم أو لأكثر من شخص منهم، فعددهم كبير جدا والكل يتسابق من أجل الحصول على قوت يومه، وبعد أن علموا بهويتنا ظهرت عليهم علامات الحزن والأسى، وكادت الدموع أن تنهمر من أعينهم، ورووا لنا ما يتعرضون له من استغلال.
وقعوا فريسة لحاجة لقمة العيش لهم ولأسرهم.. تحضر إليهم بعض السيدات لانتقاء الأفضل فى البنية الجسمانية.. والأصغر سنا.. يتجولون بينهم لفرزهم واختيار الفريسة، بمجرد الوصول لمكان العمل يجدون أنفسهم أمام مفاجأة من العيار الثقيل.
روى لنا كل من - رزق عبد الكريم 29 عاماً، عيد مصطفى 33 عاما، فوزى معروف 37 عاما - موقفا حدث لهم مع إحدى القوادات، حيث أتت سيدة إلى الميدان تستقل سيارة فارهة، تبحث عن عامل عتالة، تنتقى وتدقق بشدة، واختارت أحدهم من بين العمال، وتكرر الموقف مع كل منهم، وبعدها يستقل العامل السيارة معها متجهين إلى مكان العمل، واستطرد رزق: عند الوصول فوجئت بالمبنى عبارة عن برج شاهق، وتوقعت أن يكون المطلوب هدم جدار داخل الشقة، ولكن المفاجأة أن ما تريده السيدة عكس ذلك تماما، حيث ذهبت إلى غرفة نومها، وخرجت منها مرتدية ملابس فاضحة، وتتمايل وتحاول إغرائي، ولكن كنت أتساءل لماذا أنا؟ فسيدة مثل هذه يتمناها الكثير، اقتربت منى وحاولت إغرائى بممارسة الجنس، انتابنى الخوف والقلق، وخطر ببالى أنها أحضرتنى لإغرائى بالجنس حتى تتمكن من تخديرى لسرقة عضو من أعضاء جسدي، ولكن بعد أن تحدثنا سويا علمت أنها تريد منى حماية شقة تدار بها أعمال مشبوهة فى مقابل ما أريده من أموال، وجنس، وتحقيق أحلام خيالية والإنفاق ببذخ على أسرتي، إلا أننى رفضت خوفا من الله، والأمراض، وقال «أموت أنا وعيالى من الجوع، ولا أنفق عليهم من حرام».
وواصل: عندما عدت رويت ما حدث لزملائى المذكور أسماؤهم علمت أن حدث معهم روايات شبيهة، وفى البداية فكرنا فى أن نذهب إلى قسم الشرطة ونحرر محضرا رسميا، ولكن نخشى من الفضيحة بين باقى العمال، كما أننا فئة ضعيفة تعتبر الحكومة أننا لسنا موجودين، ولم يهتم لأمرنا أى أحد، والأهم من ذلك نخشى أن كل سيدة من هؤلاء السيدات لها علاقات وحماية ويمكن أن تضرنا أو تضر أسرنا.
قال - عبد المعين عبد الله 51 عاماً - هذه مهنتى منذ صغري، وامتهن ابنى هذه المهنة ويدعى - محمد 28 عاما - وفى يوم أتت سيدة إلى الميدان فهرولت إليها أملا فى الحصول على لقمة العيش، ولكنها رفضت مؤكدة أنها تريد شابا قوى البنيان، فأحضرت ابنى فنظرت إليه ووافقت عليه، وذهب معها، وعندما عاد كان البكاء والحزن يغطى وجهه، عاود بلا أى مال، فى بداية الأمر جاء بذهنى أن هذه السيدة نصبت عليه، ولكن عندما روى لى ما حدث منها أصاب قلبى الحسرة، طلبت منه بعد إغرائه بجسدها ومالها أن يعمل لديها عامل توصيل الفتيات الذين يعملن معها فى الأعمال المنافية للآداب إلى الشقق المشبوهة، وانتظارهن ثم العودة بهن، وحمايتهن من كل من يتعرض لهن إلا أنه رفض وتعارك معها، وعاود هربا منها وخوفا من أن تتعرض له بأى أذى، وتساءل: ماذا نفعل؟ وإلى من نذهب لعرض شكوانا، وأننا رجال ومثل هذه المواقف مجرد روايتها يعتبر وصمة عار وسبة لنا.
قال جبالى المراغى - رئيس اتحاد عمال مصر عضو مجلس النواب - إنه بالفعل هناك فئة كبيرة من العمال مهمشة لا تحميها أى مظلة قانونية، وأن عمال التراحيل أو الفواعلية جزء من العمالة غير المنتظمة، والتى نص قانون العمل على صياغة مادة خاصة بهم لرعايتهم تأمينيا، وحمايتهم فى مجال عملهم.
أما العمال الزراعيون فلهم نقابة زراعية، وهناك نقابة للبناء للأخشاب بها بعض العمالة غير المنتظمة، وأضاف أنه بالفعل تم رصد حالات تم استغلالها سياسيا، وأخرى تم استغلالها فى حفر وتنقيب عن آثار بالصعيد، ويساعد الاتحاد تلك الحالات والاتجاه لقسم الشرطة على الفور لتحرير محضر بالواقعة.
محمد وهب الله - أمين عام اتحاد عمال مصر- أكد أن الدستور كفل حق هؤلاء العمال فى أن تكون لهم نقابة تحمى حقوقهم، وسيتم عمل نقابة لهم فى كل محافظة لضمان حقوقهم التأمينية والصحية، وتم رصد استغلال البعض لهؤلاء العمال، خاصة فى الانتخابات والعملية السياسية، والحشد للمظاهرات.