الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بالعقل نتدبر.. لا لحد الردة

بالعقل نتدبر.. لا لحد الردة
بالعقل نتدبر.. لا لحد الردة




يكتب: خالد كامل

كنا قد توقفنا فى الجزء الأول من مقالنا بعنوان «بالعقل نتدبر» فى حد الردة وخُلُو الإسلام منه عند من يحتج بأية سورة الفتح رقم 16
«قل للمخلَفين من الأعراب ستُدعَوْنَ إلى قومٍ أولى بأسٍ شديدٍ تقاتلونهم أو يسلمون..» .. وعليه نقول له، بأن الله تعالى لم يقل تقتلونهم، وشتان بين القتل والقتال، ولو كان كذلك لما صحت آيات عدم الإكراه، ولحدث تناقض فى فهم آى القرآن الكريم، بل فى توجيهاته وأوامره التى غلافها الرحمة والرأفة، إلا فى موضع جهاد من اعتدى على الأمة ومقدساتها وأرضها ومقدراتها ودينها، فالقتال نزال رجل لرجل وهو مشروع وفق قواعد شرعية محكمة وله حالاته، أما القتل لمجرد ترك الإسلام فهو محض افتراء على هذا الدين فيما أرى.
إن الرسول (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) لم يطبق حد الردة فى حياته، كما أجمع على ذلك علماء الأمة من أهل السلف والخَلَف وبخاصة علماء السيرة والمحدثين، ومنهم الإمام الشافعى كما ذكره فى كتابه «الأم»، والقائل بتطبيق الصديق له، فنرد عليه بأن الأرجح هو «أن الصديق الحاكم طبق هذه الأمور ليس بدعوى تنفيذ حد لم يطبقه الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقد كان على طريقه شبراً بشبر وذراعاً بذراع، وإنما من باب الحفاظ على تماسك المجتمع من التفرق والبلبلة والقلاقل التى يمكن أن تعتريه حال ترك المرتد الذى لم يقتنع بالدين بعد دخوله، فربما يدعو غيره ليتركه وبذلك تتنافى السلامة المجتمعية فى وحدة الأمة المسلمة وتحصيل الإيمان ونشر الدعوة الإسلامية لتوحيد رب العالمين، أى أن الأمر مرتبط بسياسة الحكم فى الدولة فحسب «لا بحكم حد الردة المزعوم»
  ألا تتفق معى أيها القارئ على أن الإله الذى يكره عبيده على الدخول فى دينه ليس إلهاً قوى الحجة؟ لكن الله تبارك تعالى له الحجة البالغة لقوله فى سورة الشورى»فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين» الربع الثانى من السورة.
أما عكرمة، راوى الحديث العمدة والمعتمد عليه عند من يقولون بحد الردة وهو: عن عكرمة مولى بن عباس قال: قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) «من بدَل دينه فاقتلوه» انتهى الحديث.
فعكرمة هذا «مولى» أى خادم وغلام ابن عباس رضى الله عنهما، وكان ممن يكذبون فى الرواية، وقد كذبه كثير من المحدثين، ولم ينحصر تكذيبه فى عالم أو عالمين، بل لقد كّذبه (على بن عبد الله بن عباس و سعيد بن المسيّب وعطاء بن رباح وابن سيرين...) وغيرهم.
واتفق عليه الذهبى وابن حنبل وبكير أنه من الخوارج الذين يجرون أحكام التكفير على عامة المسلمين إلا من تبعه من وهو من ساق رواية حرق الخوارج ونسبها كذباً وتدليساً إلى أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه.
ونلحظ أن مدار الرواية لهذا الحديث يقع على أنس بن مالك وأبى هريرة وقتادة وكلهم عن ابن عباس وواسطتهم فى ذلك عكرمة خادم ابن عباس ومولاه، وعكرمة كذوب. أما قتادة واسطة بن مالك فى رواية الحديث فقد جاء فى ترجمته: (قال شعبة: لا يُعرَف لقتادة سماع من أبى رافع، وقال يحى بن معين: لم يسمع قتادة من سعيد بن جبير، ولا من مجاهد، قال يحى بن سعيد القطّان: لم يسمع قتادة من سلمان بن يسار، وقال احمد بن حنبل: لم يسمع من معاذة العدوية) وقال الذهبى صاحب الترجمة: «قد عدّوا رواية قتادة،عن جماعة هكذا من غير سماع، وكان مدلِّسا». أفبعد كل هذه التراجم عنهما يمكننا الفصل بين هذه الأخلاقيات والتوثيق فى شخص الراوية؟!
وتعال معى إلى لغة الحديث، كلنا يعلم أن النبى الكريم (صلى الله عليه وسلم) فى غاية الدقة والبيان فى نشر العلم الشرعي، ولغة الحديث مبهمة وواهنة وغامضة، هذا الغموض فى صيغة الرواية المزعومة تسبب فى اختلافات هائلة فى شروط تنفيذ حكم الرّدة، كما أنه خلق حالة من الفوضى على صعيد ميادين التطبيق لما هناك من ملابسات فى فهم مدلول (مَنْ) ومشاكلها اللغوية والدلالية.
وأجزم هنا أنه بات من المستبعد أن يرسل النبى مثل هذ الحكم الخطير ليبيح إراقة دم لرجل أبرم عقداً مع الإسلام ثم تبين له كرهه لبنود هذا العقد وفطن إلى إنكاره جملة واحدة، وأراد أن يتراجع عنه إلى ما كان عليه قبل العقد، ففسخه ومزق شروطه، فأرهبه هذا الدين الذى كرهه بالتخيير بين أمرين، أحلاهما مر وهما، إما البقاء فيه منافقاً كارهاً مدبراً عليه ليحافظ على سلامته وحياته أو مرتداً بحريته فيُقتَل بسبب وضوحه مع نفسه وصاحب العقد، من دون بيان واضح، ولا أظن أن الرسول الكريم البليغ تخيب رميته عن هذه القوس مطلقاً.