الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أخلاقنا

أخلاقنا
أخلاقنا




يكتب: عاطف بشاي
تقول النكتة إن رجلاً يجالس آخرين بمقهى فى شارع بحى شعبى ينهالون عليه بوابل من الشتائم وينعتونه بأقذر الصفات ومنها أنه «ديوث»، حيث إنه يتغافل متعمداً عن سلوك زوجته التى تخونه علناً، بل وفى شرفة منزله المجاور للمقهى على مرأى ومسمع من الجميع مع «إبراهيم الكهربائي» بالحي، فإذا به يفاجئهم مردداً:
إبراهيم الكهربائي؟!، طيب إيه رأيكم بقى، الواد «إبراهيم الكهربائى ده لا كهربائي، ولا بيفهم حاجة فى الكهربا.
النكتة تحمل عدة دلالات ومعانى لعل أهمها صرف الأنظار عن مضمون وجوهر القضية بالحديث فى شأن آخر لا قيمة له، ولا علاقة حقيقية أو لصيقة بالموضوع المثار، بنوع من الإستغفال، أو المناورة أو الفهلوة التى نشتهر بها كمصريين، يمكنك بالتأكيد أن تتذكر تلك النكتة وأنت تتابع إنطلاق الحملة القومية أخلاقنا» التى تدعو إلى عودة القيم والمبادئ الأخلاقية والمثل والفضائل فى المجتمع، وذلك بدعم ورعاية وزير الشباب والرياضة ورئاسة المهندس خالد عبد العزيز والدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، والدكتور التابع لمؤسسة الرئاسة، وعدد من رموز الدين المسيحى والإسلامي، وبمبادرة من الداعية عمرو خالد، الأمين العام للحملة، كما تم توقيع بروتوكول تعاون بين الجهات المشاركة فى الحملة لبدء تنفيذها على أرض الواقع.
 والحملة تعنى كما هو مفهوم من تصريح الدكتور على جمعة توسيع دائرة الإعتزاز بالأخلاق وقيم التراحم بين الأفراد ومواجهة الإنحراف السلوكي، وهى مشروع قومى وطنى تتفق عليه كل الأديان، كما صرح الدكتور أحمد عكاشه أن الحملة تسعى لنشر الفضيلة التى هى الوسطية والكرم والتواضع واحترام الذات ومعاونة الآخر لافتاً إلى أن كل إنسان يريد أن يغير العالم لكنه لا يريد أن يغير نفسه وأشار إلى أنه لا يمكن أن تنهض أى أمة دون التركيز على الأخلاق وأن التقدم لا يكون اقتصادياً أو عسكرياً فقط وإنما بالأخلاق، ولابد أن يساهم الإعلام فى تكريس القيم والمبادئ فمن الأقوال المنسوبة إلى «هتلر» أعطنى أعلاماً بدون ضمير أعطيك شعباً بلا وعي.
لكنى أرى أن تلك التصريحات الطيبة والتى تحمل نوايا حسنة وصادقة لا يمكنها بطبيعة الحال أن تتحول إلى نتائج ملموسة إذا ما ظلت محصورة أنشطتها – كما أُعلن – على أعلانات تلفزيونية قصيرة تركز على أهمية تفعيل قيم الأخلاق داخل المجتمع المصرى، والإعلانات على الطرق الرئيسية وفى وسائل المواصلات العامة وتنظيم ندوات ومباريات كرة فى المدارس بحضور رموز الحملة والقيام بأنشطة أخلاقية بمراكز الشباب، واختيار مقررى الأخلاق بمعرفة وزارة الشباب وتدريبهم، وانتاج كليبات صغيرة عن الأخلاق، وعرضها على شبكة الإنترنت و»أنفوجرافيك» على شاشات عرض فى الشوارع ومشاهد صامته فى الأندية، لن تقضى تلك المبادرات على الظواهر السلبية المتراكمة والتى صارت جبالاً من الفساد بكافة أشكاله وظواهره، والعنف بمختلف آلياته وتوجهاته وأنواعه، من تحرش بالمرأة وجرائم أخلاقية وصولاً إلى العنف الذى يرتدى قناعاً دينياً، والإهمال فى العمل والتراخى والأنانية والرشوة والمحسوبية والانتهازية والكذب والخداع والطائفية التى طغت على المواطنة، وهكذا.
ولكن الأهتمام بترسيخ لرؤية فكرية تعنى أولاً بمعالجة أسباب ذلك التدهور الأخلاقى من خلال دراسة مستفيضة متأنية لحصاد السنوات الثلاثين الماضية بكل ما أسفرت عنه من افرازات لظواهر صبغت الحياة السياسية والاقتصادية والإجتماعية والدينية، وغيرت من التركيبة النفسية والسلوكية والشخصية للمصريين وحولت إيجابياتها التى كنا نفخر بها إلى سلبيات وأدت إلى اختفاء القدوة الحسنة التى تعتبر أهم أسباب انتشار وترسخ الأخلاق فى المجتمع.
لن تسمو الأخلاق بالحملات والإلحاح بشعارات ما تلبث أن يتبخر تأثيرها ويتبدد،  ولكن بخطة دقيقة وشاملة تستند إلى العلم وتفصل بين الخطاب الدينى الوعظى والإرشادى وبين الخطاب السياسى والإجتماعى والاقتصادى، وتضع يدها على الأسباب الرئيسية للتحولات التى تمت فى الشخصية المصرية وطرق علاج سلبياتها على كافة المستويات فإحلال القيم الإيجابية بدلاً من القيم السلبية ليس بالأمر الهين الذى تعالجه وصايا أو نصائح إعلامية، وللأسف فإن نكتة «إبراهيم الكهربائى» بدت واضحة وجلية ومعبرة عن الموقف مع بداية إطلاق الحملة نفسها.
فقد تفرغ الجميع لإثارة علاقة «عمرو خالد» بالحملة فقد اتهمت السوشيال ميديا على جمعة أنه يدعم جماعات الإخوان وأن «عمرو خالد» بوابة خلفية للجماعة، ثم أعلن وزير الشباب أنه فصل من أمانة الحملة، بينما أعلن «عمرو» نفسه أنه متطوع ولا يستطيع أحد أن يفصله، وقال فى تصريحات للصحافة أنا شخص من مجموعة أشخاص لماذا كل هذا الجدل حول شخص فى عمل خيرى كبير، لن أدخل فى خناقات جانبية يريد البعض أن يقحمنى فيها، أنا حزين على محاولة تشويه عمل وطنى أشارك فيه ومحاولة عرقلته من البعض.
لقد ترك الجميع مناقشة فاعليات الحملة ومسار تحقيق أهدافها، وخطوات التعاون لإنجاحها، وجنى ثمارها، وتركزت نقاشاتهم حول «عمرو خالد» هل هو إخوانى أم لا، وهل يبقى أم يقال؟!
 برافو، حملة أخلاقنا