الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى وداع «نبيل» محترم

فى وداع «نبيل» محترم
فى وداع «نبيل» محترم




يكتب: رشاد كامل

فى هدوء شديد ودون ضجة رحل عن عالمنا الدكتور «نبيل علي» العالم والمفكر المصرى الكبير صاحب أهم وأخطر مؤلفات عن عصر المعلومات!
كل من هب ودب تستضيفه البرامج التافهة على الفضائيات وكل من هب ودب يملأ الدنيا ضجيجًا ودوشة بإنجازاته  أو إنجازاتها الفذة سواء كانت إنجازات فى اختراع شبشب أو تحويل عصير الليمون إلى بهارات وكمون.
طبيعى ألا تعلم الملايين بهذا المفكر النبيل د.نبيل على الذى تشرفت بقراءة أكثر من كتاب مهم وممتع له صدرت فى سلسلة عالم المعرفة الكويتية ومنها «العرب وعصر المعلومات» و«الثقافة العربية وعصر المعلومات» و«العقل العربى مجتمع المعرفة» من جزءين، كما صدر له فى مكتبة الأسرة عام 2003 كتاب تحديات عصر المعلومات.
منذ حوالى ربع قرن ود.نبيل يكتب عن «سلاح المعرفة وسلاح المعلومات» ويحذرنا وينبهنا نحن أمة العرب ويقول لنا عن عنف عصر المعلومات محذرًا ومنهًا:
أليس من شك أن لتكنولوجيا المعلومات مثلها فى ذلك مثل جميع التكنولوجيات الأخرى ــ وجهها القبيح الذى أخذت ملامحه تزداد وضوحًا يومًا بعد يوم، وبتنا نسمع عن عنف عصر المعلومات وإرهابه، وقد اتخذ صورًا مختلفة أشد الاختلاف عما سبقهما سواء من حيث الأساليب أو وسائل التصدى، والأهم من هذا وذاك من حيث آثارهما المباشرة وغير المباشرة سواء على الفرد أو المجتمع الإنسانى بصفة عامة!!
ويضيف: على اختلاف مظاهره ومستوياته فالعنف سلوك يمارسه من بيده القوة على من لا حول له منها! والمعلومات بلا شك بصفتها مصدرًا للقوة من أمضى أسلحة العصر، والمعرفة قوة كما تلخصها لنا مقولة «فرنسيس بيكون» الشهيرة، التى ربما سبقه إليها بآلاف السنين إمبراطور الصين «صان تسو» فهو القائل: «المعرفة هى القوة التى تمكن العاقل من أن يسود، والقائد من أن يهاجم بلا مخاطر وأن ينتصر بلا إراقة دماء، وأن ينجز ما يعجز عنه الآخرون».
وجاءت تكنولوجيا المعلومات لتضيف كل يوم شاهدًا جديدًا على صحة هذه المقولة بعد أن أصبحت المعلومات والمعرفة أهم ركائز القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية!! ويزداد ثقلها يومًا بعد يوم فى موازين القوة العالمية.
إن خطورة عنف عصر المعلومات يكمن فى استخدام القوى الرمزية اللينة (القوة الناعمة) التى تختلف جوهريًا عن القوى التقليدية الصلدة، فهى تعمل بالجذب لا بالضغط وبالترغيب لا بالترهيب وتستخدم لغة تخاطب العقول والقلوب من أجل اكتساب الآراء لا كسب الأرض ومن أجل انتزاع الإرادة الجماعية لانزع السلاح والملكية ومن أجل فرض المواقف وزرع الآراء بدلاً من فرض الحصاد وزراعة الألغام!
لقد أصبح توسيع نطاق الإعلام فى مقام نشر القوات، وأصبحت الأجندة فى مقام التكتيك والهوائيات والفضائيات فى مقام ترسانات الأسلحة ومنصات الصواريخ، وهكذا أصبح التليفزيون وغيره من وسائل الإعلام آلة حرب كأسلحة لابد أن نتصدى لها بالدروع والمتاريس.
وعلى العكس من القوى الصلدة التقليدية التى تستخدمها الجيوش والأجهزة البوليسية تزداد ضراوة القوى اللينة ــ الناعمة ــ كلما ــ رهفت واستترت وخفتت فيها نبرة القوة وفجاجتها، إن هذه الخاصية الفريدة للقوى الرمزية اللينة هى التى تزيد من قدرتها وتغلغل مفعولها لينفذ إلى طبقات اللاوعى الفردى والجمعي، حيث يفعل فعلته خفية بصورة لا إرادية أو شبه ذلك، وهو الأمر الذى يزيد من صعوبة ملاحقتها والتصدى لها.
ومن أهم وأخطر ما يقوله د.نبيل على: إن الوفرة الزائدة للمعلومات قد وضعت العقل فى مأزق غاية فى الحرج، فقد حرمته من حجة طالما تزرع بها تبريرًا لعجزه أو تقاعسه ألا وهى نقص المعلومات، فها هى المعلومات قد توفرت فهل يمكن أيها العقل البشرى أن تحيل هذه المعلومات إلى معرفة حقيقية، وأن تقطر هذه المعرفة لتسمو بها إلى مستوى الحكمة ذات البصيرة النافذة.
ويطول الكلام عن المفكر العبقرى المهندس د.نبيل على الذى حصل على بكالوريوس ثم ماجستير ثم دكتوراة فى هندسة الطيران، وأثناء عمله فى القوات الجوية ينجح فى إدخال تعديلات على الطائرة الروسية «سوخوى».. د.نبيل على قامة وقيمة مصرية عظيمة رحمه الله.