الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مرصد: تدفق اللاجئين أدى لتزايد فوبيا أسلمة أوروبا

مرصد: تدفق اللاجئين أدى لتزايد فوبيا أسلمة أوروبا
مرصد: تدفق اللاجئين أدى لتزايد فوبيا أسلمة أوروبا




أكد مرصد الأزهر الشريف فى تقرير جديد أنه رغم أن بعض المجتمعات الغربية لا ترى حرجا فى اندماج المسلمين بينهم، إلا أن هناك الكثير أيضا يرفض قبول الآخر، وانتشر أيضا التخوف من أسلمة الغرب بسبب زيادة عدد المسلمين بأوروبا حيث يرى المتخوفون أن ذلك هو المعيار لتغير البلاد حيث يصبح لهم تأثير كبير ويبدأون فى الضغط من أجل تحقيق مطالب خاصة بهم.
ولفت إلى أن من يعززون فوبيا أسلمة أوروبا يستندون إلى التوقعات بأن عدد المسلمين سيستمر فى الزيادة إلى أن يتساوى مع عدد المسيحيين بحلول عام 2050. كما يرون أن أوروبا التى تعتبر مركز انتشار المسيحية أصبحت اليوم علمانية لا تهتم بالهوية الدينية بينما يعتبرها المسلمون أمرا لا يُمَس؛ فهم يحافظون على هويتهم الإسلامية فى الوقت الذى تمحو فيه أوروبا هويتها المسيحية. كذلك يرى المتخوفون أن مبادئ الديمقراطية الغربية ذاتها ستكون هى المدخل لتحول أوروبا نحو الإسلام والحكم بشريعته.
وأكد التقرير أنه ترسخ الخوف من أسلمة أوروبا فى الآونة الأخيرة بسبب موجات تدفق المهاجرين من سوريا إلى القارة العجوز، وظهرت هذه التخوفات داخل البرلمان الأوروبى من خلال تصريحات بعض أعضائه الذين أعلنوا أن هناك تخوفا من النزوح الرهيب للاجئين إلى أوروبا ممزوجا بالتخوف من تسلل عناصر جهادية لتنظيم داعش بينهم، بل يذهب بعض المتخوفين إلى أبعد من ذلك، معتبرين أن هناك برنامجا ممنهجا لأسلمة أوروبا وإعادة غزوها، وأن موجات اللاجئين ما هى إلا عملية «غزو سلمى» لبلاد الغرب لقلب حضارته رأسا على عقب.
أضاف الأزهر أن هواجس الغرب من الأسلمة انعكست فى الرواية الفرنسية الشهيرة «الخضوع» للكاتب ميشيل ويليبك والتى نشرت مطلع عام 2015 لتعكس مدى التخوف من أسلمة فرنسا يوما ما. يتخيل فيها الكاتب فرنسا بعد انتخابات الرئاسة عام 2020 التى يفوز بها مسلم يفرض على البلاد نظاما إسلاميا، لتصبح السوربون جامعة إسلامية، عميدها متزوج من ثلاث نساء إحداهن مراهقة، ويعمل بها أساتذة مسلمون فقط، بينما يحال غير المسلمين وكذلك النساء إلى التقاعد، مع معاشات خيالية يوفرها الأمراء المسلمون أرباب الثراء. تنشر الرواية صورة خاطئة عن الإسلام تظهر تحريم عمل المرأة التى لا دور لها إلا أن تكون ملكا للرجل. ولا شك أن لرواية كهذه تأثيرا كبيرا فى تعزيز التخوف من المسلمين الذين - بلا شك - يحفل الغرب بالعديد من النماذج المشرفة منهم والتى تسهم بدور فعال فى نموه وتقدمه.
وأوضح انه مع تزايد التخوفات من أسلمة الغرب وربط ذلك بالمهاجرين أعلنت بعض الدول إغلاق حدودها فى وجه اللاجئين كافة، ولو على سبيل العبور من بلادهم دون الإقامة بها.
ووفقا لتقرير الأزهر أعلنت دول أخرى استقبالها للاجئين المسيحيين فحسب. تتصدر هذه الدول المجر وسلوفاكيا والتشيك بموقفها المتشدد من اللاجئين بدعوى تسلل عناصر جهادية متطرفة بين اللاجئين المسلمين خاصة، وبدعوى أن الثقافة الغربية والقيم المسيحية فى أوروبا باتت مهددة بسبب اللاجئين الذين ألزم الاتحاد الأوروبى دوله باستقبال عائلات مسلمة منهم بأكملها. بل حذر الرئيس المجرى من التعددية الثقافية التى من الممكن أن تتسبب فى إنشاء مجتمعات منقسمة على حد قوله.
واضاف أن البلاد المرحبة باللاجئين وعلى رأسها ألمانيا، تشهد مدنها مظاهرات ضد اللاجئين وضد «الأسلمة»، تقوم بها حركة بيجيدا (PEGIDA اختصار ألمانى لحركة «وطنيون غربيون ضد أسلمة الغرب»). وقد استغل الرافضون للاجئين ما حدث ليلة رأس السنة من أحداث التحرش التى وقعت بمدينة كولونيا ، حيث ألصقوا التهم باللاجئين دون أى دليل سوى أن هذا الأمر لم تشهد مثله البلاد إلا بعد دخول اللاجئين، مستبقين بذلك نتائج التحقيقات ومتجاهلين الأصوات التى ترجح أن تكون هذه الأحداث مدبرة خصيصا لتبرير التخوفات من أسلمة البلاد.
وطالب الأزهر الشريف فى تقريره الدول الإسلامية أن تتحمل مسئولياتها فى وقف الدماء المراقة فيها وفى استيعاب اللاجئين والضحايا قدر المستطاع.
كما طالب الغرب أن يعى أن معظم هذه البلاد فى العصر الحاضر غارقة فى شئونها الداخلية ولا تسعى لأسلمة أوروبا، إلا أن أوروبا تستطيع أن تستفيد من بعض أحكام الإسلام وشريعته فى وضع القوانين التى يشيد بها الباحثون والمتخصصون الغربيون أنفسهم. أوروبا التى تحيط بها مخاطر التفكك الأسرى والإدمان وزيادة معدلات الانتحار وغيرها من المعضلات التى -لو أرادوا البحث - لوجدوا لها فى الإسلام الحلول.
وشدد على أن المسلمين على مر التاريخ قدرتهم على الاندماج والتعايش مع الجميع. وخير دليل على ذلك فى الوقت الحاضر ما وصلت إليه منى شندى، أول مسلمة فى أستراليا تعمل كقبطان للأسطول البحرى الملكى الاسترالى ولم يعُقْها الإسلام عن الاندماج فى المجتمع، بل حصلت على لقب «المرأة المثالية» لعام 2015، تكريما لها على مسيرة عملها المشرفة فى البحرية الاسترالية. وإذا أردنا تعداد هذه النماذج التى لا تقف عند الاندماج فى الغرب فقط بل تتجاوزها إلى النهوض بهذه المجتمعات من خلال عملها واجتهادها من أمثال الدكتور أحمد زويل والدكتور فاروق الباز وغيرهما لن تسعنا هذه السطور.
أضاف أن الغرب دائما يتذكر ما يُنسب لبعض المسلمين من الهمجية والعنف، متناسيا فى الوقت ذاته كل إسهام للمسلمين فى بناء الحضارات على مدار التاريخ. ويغفل عن عمد ما يُنسب لغير المسلمين من أفعال شائنة يطلقون عليها ساعتها «أفعال فردية» ولا ينسبونها لدين أو طائفة بعينها كما هو الحال مع المسلمين. كما يغمض العالم عينيه عما يتعرض له المسلمون من مجاعات وجرائم عنف وإبادة جماعية كما يحدث فى بورما وكشمير وميانمار وإفريقيا الوسطى وغيرها، ولا يتحدث سوى عن تخوفاته ومصالحه.
واختتم الأزهر الشريف تقريره قائلا: لقد آن الأوان أن يُعلى الغرب المبادئ والقيم الإنسانية التى تكفل حق الحياة لكل البشر على السواء وأن يتخلى عن نظرة التعميم وإطلاق الأحكام المسبقة وخلط الأوراق بما يجنبه الوصول إلى منحدرات الظلم والاضطهاد وليتعامل المتخوفون مع المسلمين كشريك فى الحياة كغيرهم من ذوى الديانات الأخرى التى لا تؤخذ بجريرة بعض أفرادها.