الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

وسام جنيدى: الأدب جنون يدفع إلى التغيير

وسام جنيدى: الأدب جنون يدفع إلى التغيير
وسام جنيدى: الأدب جنون يدفع إلى التغيير




حوار ■  إسلام أنور


وسام جنيدى كاتب مصرى شاب بدأ مسيرته مع الكتابة بمجموعة قصصية بعنوان «منزل مليء بالقطط» صدرت عن دار روافد عام 2014 تميزت بواقعيتها ولغتها البسيطة القريبة من لغة الشباب وعوالمهم وأحلامهم وانكساراتهم، ويستعد وسام خلال الأيام القادمة لصدور روايته الأولى «نانسى وأصدقاؤها» التى تدور أحداثها فى أجواء بوليسية..عن روايته المقبلة ومجموعته القصصية كان لنا معه هذا الحوار.
■ قدمت نفسك للقارئ فى عملك الأول ككاتب قصة ثم الآن تنتقل لعالم الرواية هل كانت المجموعة القصصية نوعاً من التدريب من أجل الرواية وما الذى وجدته فى الرواية ولم تجده فى القصة والعكس؟
أنا حتى الآن لا اعتبر نفسى كاتبا محترفا ولا أحمل مسمى لنوع واحد من الأدب، ولكن إن تجاوزنا هذا، فأنا اعتبر نفسى قاصاً، حبى للقصة القصيرة مستمر، وأتمنى الاستمرار فى كتابتها، لكن الرواية تتيح للكاتب الوصول لشريحة أكبر من القرّاء، ومعرفة أسلوب كتابته، القصة القصيرة حتى الآن فى  مصر والوطن العربي، شديدة الخصوصية، الرواية لها جمهورها على الرغم من وجهة نظرى  أن القصة فى كتابتها أصعب من الرواية، التكثيف فى بضع سطور  وكلمات هو أصعب بالتأكيد من عرض فكرة للكاتب  فى عدد كبير من الصفحات كما يحدث فى الرواية، ولكن الرواية تحمل سحرا حقيقيا لا يمكن إنكاره حتى من قبل من يقوم بكتابتها.
■ الرواية تدور أحداثها فى أجواء بوليسية وترصد عالم الجريمة كيف جاءت وتطورت فكرة الرواية وإلى أى مدى اعتمدت على مراجع وأبحاث تحلل هذه العوالم؟
أصعب أنواع الكتابة وهو ما اكتشفته أثناء كتابة الرواية، هو كتابة الرواية البوليسية، وخاصة تلك المعتمدة على علم النفس فى تحليلها وكتابتها، لا مجال للصدفة فى تداعى الرواية وإلا تحولت تلك الرواية إلى «رواية كوميدية» كأفلام نجيب الريحانى المعتمدة على الصدفة فى حل مشاكل البطل المالية والاجتماعية، أو الاعتماد على الظواهر الخارجية، فكرة التعرض للقتل خاصة لمجموعة من الشباب هى «تيمة» طرحت فى العديد من الروايات والأفلام العالمية، ولكن أصعب شكل هو توظيف الأمراض النفسية التى يصاب بها فرد ليرتكب الجريمة، تلك الأمراض التى يصاب بها مجتمع ما دونا عن آخر وهو ما استغرق منى  وقتا كبيرا فى التفكير بها، وهو ما حاولته من خلال كتابة تلك الرواية، وأيضا البعد الأدبى والسياسى خاصة بعد الثورة  الذى حاولت توظيفه والإسقاطات التى جاءت على لسان «توباك شاكور» المغنى الأفرو أمريكي، الذى جاء ليكمل بعض الحلقات المفقودة فى الرواية كراو عليم، والمفاجآت المتتالية خاصة فى نصف الرواية الأخير، الرواية تعد تجربة جديدة لي، تحمل العديد من الأفكار المتضافرة، والعديد من أساليب الكتابة، كنت متشوقا للغاية أثناء كتابتها، أرجو أن يصل هذا الشغف للقارئ أثناء قراءتها.
■ فى مجموعتك القصصية «منزل مليء بالقطط» استخدمت العديد من المصطلحات الإنجليزية بالإضافة للمزج بين العامية والفصحى بمستوياتها المختلفة كيف تتعامل مع سؤال اللغة ؟
الهاجس الذى ينتابنى دائماً أثناء الكتابة هو الوقوع فى فخ اللغة، سلبا أو إيجابا، فاللغة ركن أساسى فى الكتابة، لا يجب إهماله، ولكن أى لغة!؟  اللغة العربية فياضة المعانى والمحسنات على عكس أى لغة أخري، بطرق كتابتها  «الصحفية، والفصحى، العامية.. الخ»، ولكن، فى النهاية بالنسبة لي، هى وسيط للتبادل، بينى وبين القارئ لعرض أفكاري، فالغرب آمن بعبقرية كتابات نجيب محفوظ وجبران وآخرين،ليس للغتهم العربية ذات الطابع الخاص، وإنما بأفكارهم وطريقة طرحها التى لم تفقد رونقها حتى بعد ترجمتها إلى لغات أخري، لذلك أى كاتب له الحق بالكتابة كيفما يتراءى له، طالما يزيد ولا ينقص، الكاتبة البلجيكية «إميلى نوتومب» والكاتب الأمريكى «هنرى ميلر» قاموا بمزج اللغة الانجليزية بالفرنسية لاستخلاص جمل أدبية جديدة، وهو المرجو دائماً من الأدب، الجنون الذى يدفع إلى التغيير، وإلا لتشابهت  كل الأعمال والكتابات فى النهاية.
■ البحر والمدن الساحلية لها حضور بارز فى قصصك كيف تتعامل مع فكرة المكان فى كتاباتك؟
البحر خاصة كالأغنية المحببة إليك، إن لم تستطع سماعها فى أى وقت، تستطيع غناءها بنفسك أو الهمس بلحنها، كالقهوة الصباحية، كصديق غائب فى بلد بعيد، لا تراه ولكن لا تستطيع نسيانه، يؤثر دائماً فى كتابات محبيه ومريديه، الأماكن دائماً مؤثرة فى وبالتالى فى أعمالى، ولكن الأماكن البكر هى الأكثر تأثيرا، طبيعة الله غير المتدخل فيها من قبل البشر مثل البحر، الصحراء، الواحات، الجبال والغابات، تلتصق دائماً بروحى وهو ما ينعكس بالطبع فى كتاباتى.
 ■ كتاباتك شديدة الالتصاق بالواقع المعاش واللحظة الآنية بالإضافة لتجاربك الشخصية كيف ترى العلاقة بين حياة الكاتب وأعماله؟
حتى الآن لا اعتبر نفسى كاتبا، ولكن ملاحظا، أو للدقة مراقبا للنفس البشرية، وتفاصيلها الصغيرة، وكما أراقب الناس أراقب نفسى فى العديد من المواقف الحياتية، ونتيجة عملى كمسوق لفترة طويلة، أَجِد نفسى دائماً استخدم أسلوب «العصف الذهنى»، أراقب شخصا ما فى موقف معين،رجلا، امرأة، طفلا وأتساءل، ماذا كنت سأفعل لو كنت مكانه، وتنطلق الأفكار فى ذهنى ويجمح بى الخيال يميناً ويسارا، حياة الكاتب هى كل تجاربه التى يراها وعاشها والتى استخدم «العصف الذهنى» بها ليعيش حيوات الآخرين، هى حياته وحياته المتخيلة، فى بعض الأحيان يستخدم الكاتب أسلوب السرد الذاتى فى رواية ما، أو حتى ينشئ سردا موازيا لرواية له عن حياته، وهو ما يدعوه البعض «اليحمور»، ولكن فى النهاية على ما اعتقد، يضع الكاتب جزءا من خياله الشخصى حتى لو كانت روايته من أدب الاعترافات.
■ عملت لفترة طويلة بالعديد من المجالات المختلفة المرتبطة بالتجارة وإدارة الأعمال كيف بدأت علاقتك بالكتابة ومتى قررت أن تتخذ قرار الانتقال من عالم التجارة لعالم الأدب؟
 طوال عمرى منذ أيام المراهقة لم أنفصل عن الكتابة، حتى وأنا أمارس العديد من الأعمال التجارية وغيرها، ولكن لم يخطر ببالى ذات يوم أن احترف الكتابة، أو للدقة أن انشر كتاباتى فى كتاب مجمع، وللوفاء بالعهد، صاحب تلك الفكرة هو الكاتب الشاب أحمد مجدى همام الذى كان صديقًا لى قبل الكتابة، أصر على ودفعنى نحو ناشر مغامر هو إسلام عبد المعطى صاحب دار روافد للنشر والتوزيع، ولكنى أبدا لم أكن لا أتوقف عن الكتابة، حتى لو لم تواتينى فرصة النشر .
■ لأى مدى يكون الجيل دافعا للحماس أو للإحباط ولأى مدى كان جيلك رافعا لك وهل شعرت بالإحباط بسببهم يوماً؟
الجيل الذى انتسب إليه، جيل الثمانينيات، مثله مثل «العدودة الصعيدية»، ذلك العديد الذى تستمع إليه فى المآتم،مؤلم ومحزن، ولكن تتذكره يشعرك بالسعادة لبعض الوقت، محبب لأذنك، جيل مع الأسف محبط للغاية، ولكن له نكهة خاصة، الجيل الملهم عن حق هو جيل التسعينيات، بأمله بالتغيير، وحسه العالى تجاه الظلم، وأفكاره الجديدة، هذا هو الجيل الذى يجب علينا الالتصاق به، ودفعه للأمام، لأنه يملك عن حق ما يفتقده أبناء جيلى.
■ فى ظل هذا الكم الكبير من الروايات التى تنشر ما الذى تراهن عليه فى روايتك الجديدة وتشعر أنه يميز روايتك ويمنحها التفرد وهل ترى ان هذا الكم الكبير من الروايات التى تنشر ظاهرة إيجابية أم ترى أنها تؤثر سلباً فى ظلان معظم هذا تفقد للحد الأدنى من الجودة على مستوى اللغة والبناء والدراما والوعى؟
فى المطاعم بمدينة إيطاليا، هناك جملة دارجة لأصحاب المطاعم، عندما يعترض زبون ما على جودة الباستا «المعكرونة» فى مطعمه، تلك الجملة هى «الباستا ليست باستا طالما لم تقم والدتك بإعدادها»، ليس المقصود هنا من صاحب المطعم أن أكله سيئا، ولكن تلك العبارة هى للسخرية من ذوق الزبون المعتاد على نوع معين ولم تحتمل ذائقته التغيير، فى رايى الشخصى لا توجد رواية أو قصة قصيرة أو أى نوع من أنواع السرد بنائه سيئا وإنما هناك بناء مختلف عن ذائقتي، ووعى مختلف عن عما أنا معتاد عليه، لذا، إن لم تعجبنى كتابة ما كل ما على فعله هو تغيير المطعم، أما اللغة والأخطاء فللأسف هى مشكلة يواجهها حتى كبار الكتاب فى الوطن العربى وهى مسئولية مشتركة بين الكاتب ودار النشر وبعض الشىء ضعف المراجعين لأن عين الكاتب دائماً لا تلتقط أخطاءه الشخصية لذا وجب وجود مراجعين لغويين على مستوى عال من الكفاءة، أما رهانى الشخصى على روايتى، لا يوجد رهان، هى طرحى وأفكارى وجنونى الشخصى، قد يعجب البعض ولا يعجب الآخر ولكنى استطيع بكل أريحية أن أقول مثل الكاتب مارك توين «هلموا إلى فأنا أحمل إليكم بعض القصص، مسلية للغاية».