الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

ذاكرة الشعوب

ذاكرة الشعوب
ذاكرة الشعوب




أحمد عبده طرابيك  يكتب  


يمر الإنسان خلال سنوات حياته بالعديد من الأحداث التى يظل بعض منها محفوراً فى ذاكرته حتى آخر أيام عمره، وبشكل خاص الأحداث المؤلمة التى تترك آثاراً تظل ملازمة له فى حياته، ولا تختلف كثيراً حياة الدول والشعوب عن الأفراد، فالشعوب ما هى إلا مجموع الأفراد الذين يعيشون فى نطاق الدولة، حيث تشهد الدول فترات ازدهار يعقبها أو يتخللها فترات انكسار، تظل أحداثها محفورة فى سجلات التاريخ، تتذكرها الأجيال عبر التاريخ، خاصة إذا كانت تلك الأحداث مؤلمة وحزينة، ومازالت جراحها لم تندمل، فتظل الشعوب فى تعايش مع تلك الآلام طالما لم تنجل تلك المظالم، ولم يقدم فاعلوها للعدالة.
 شهدت الكثير من الدول العربية والإسلامية العديد من الأحداث الأليمة التى تركت جراحاً غائرة فى ذاكرة الأمم والشعوب، ورغم أن تلك الصفحات الأليمة قد طُويت بانتهاء عصور الاستعمار والاحتلال الذى كان سبباً فى معظم إن لم يكن كل تلك الأحداث، وحلول عهد جديد من الحرية والاستقلال، إلا أن الأحداث والجرائم التى لحقت بالشعوب مازالت حاضرة فى الذاكرة التى تستدعيها فى العديد من المناسبات، إما لتكون دروساً تتعلم منه الأمة معنى وقيمة العدالة والحرية، أو تكون شاهداً على قسوة وظلم المستعمر الذى أهلك العباد ونهب الثروات، ومن ثم حث الشعوب على بذل الجهود من أجل بناء المجتمع على أسس قائمة على العدالة وعدم إتاحة الفرصة للضعف والاستكانة أن تتسلل إلى همم ومقدرات الأمة والخضوع مرة أخرى لظلم وجور المعتدين.
 كثيرة هى حقاً الجرائم المؤلمة التى شهدتها الشعوب العربية والإسلامية فى العصر الحديث، الذى مازالت أحداثه ماثلة فى ذاكرة الأجيال الحالية، فما ارتكبته إسرائيل بحق العرب خلال احتلالها للأراضى العربية، سواء فى مدرسة بحر البقر، ودير ياسين، وصبرا وشاتيلا، وقانا، وغيرها الكثير من الجرائم، وما اقترفه الاتحاد السوفيتى السابق فى أفغانستان خلال احتلاله لها، ثم تركها جرحاً نازفاً يعانى التمزق والإرهاب، وما شهدته دول البلقان من جرائم يندى لها الجبين ليس ببعيد عن الذاكرة، وخاصة مذبحة سربرينيتشا التى تمثل قمة المأساة وسط القارة الأوروبية - المتحضرة التى تحمل لواء الدفاع عن حقوق الإنسان - وغيرها الكثير من المآسى والآلام.
 جمهورية أذربيجان جزء من العالم الإسلامى، تقع فى منطقة جنوب القوقاز، وكانت إحدى الدول الخمسة المكونة للاتحاد السوفيتى السابق، تعرض جزء من أراضيه - إقليم قره باغ - للاحتلال من قبل أرمينيا المجاورة، ومازال هذا الإقليم خاضعاً للاحتلال حتى الآن، وخلال الصراع بين الدولتين السوفيتيتين السابقتين فى أواخر عهد الاتحاد السوفيتي، شهدت مدينة خوجالى ليلة 26 فبراير 1992 أحداث دامية من قبل القوات الأرمينية بحق السكان الأذربيجانيين، راح ضحيتها 613 مواطناً، الأمر الذى وصف آنذاك بأنه جريمة، حيث كانت أرمينيا تسعى إلى إخلاء إقليم قره باغ من سكانه الأصليين الأذربيجانيين بهدف تغيير الواقع الديموجرافى، وطمس المعالم التاريخية والحضارية والبشرية على الأرض.
 ما يزيد من مرارة وقسوة الألم أن ذلك الجرح مازال مفتوحاً إلى يومنا هذا، فحتى الآن لم يتم تسوية الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، ولم يتم تقديم المعتدين للعدالة، ولم تنهى أرمينيا احتلالها للإقليم، رغم وجود ما يقرب من مليون لاجئ أذربيجانى هُجروا من ديارهم منذ بدء الصراع، ومازالوا يعيشون فى ظروف اجتماعية سيئة، رغم صدور أربعة قرارات من مجلس الأمن الدولى تطالب أرمينيا بالانسحاب من الأراضى التى تحتلها، وعودة اللاجئين إلى بيوتهم، ولكن تلك القرارات شأنها فى ذلك شأن القرارات الصادرة بشأن الصراع العربى الإسرائيلى، لم تجد من يضغط لتطبيقها على أرض الواقع.
 ما كان لتلك الجرائم أن تحدث، وما كان للاحتلال أن يطأ أرض الأوطان، لولا ضعف ووهن الأمة، وضعف واختلاف الشعوب فيما بينهم، فذلك الضعف أوجد فرصة سانحة لقوى الهيمنة والعدوان أن تنكل بأبناء الأمة التى أصابها من الوهن ما تقوى به على الدفاع عن كرامة أبنائها، فالحقوق لابد لها من قوة تحميها، والقوة لا تتوفر إلا بتكاتف أبناء الوطن أولاً، ثم وحدة الصفوف بين أبناء الأمة، فما كانت الأمة العربية ولا الإسلامية فى يوم من الأيام أمة بغى وعدوان، لذا فمن حقها أن تنعم بالأمن والسلام والاستقرار، ومن حق أبنائها العيش فى حرية وحرامة وازدهار.