السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كوميديا عبثية

كوميديا عبثية
كوميديا عبثية




عاطف بشاى  يكتب

نعم، هناك أزمة فى الكوميديا.
حينما نقرر هذه الحقيقة فنحن بالطبع لا نقصد كوميديا الزغزغة وتريقة الجالسين فى المقاهى الذين يحتوى حوارهم على قفشات فجة أو إفيهات غليظة، تمثل نوعاً من التلاسن والتناجز بالألفاظ ومواقف التهريج السطحى التافه التى لا تعالج موضوعاً اجتماعياً، أو تطرح قيمة مهمة تستحق التأمل أو النقاش وتهدف إلى معالجة قضية تهم الناس، ولكن نقصد ذلك الفن الراقى الذى يخاطب العقل ويتصدى لمشكلة اجتماعية أو سياسية أو فلسفية ويتناول أبعادها المختلفة ويلقى الضوء على شخصياتها بتكوينهم النفسى المختلف، ويحدث من خلال أدوات الكوميديا المختلفة من مفارقة وتناقض مواقف تبرز عيوب الشخصيات ومثالب المجتمع نوعاً من الصدام الذى يؤدى إلى هز وعى المتلقى وهدم ثوابته ورفض المسلمات التى يعيش عليها، تمهيداً وتحفيزاً لتغيير هذا الواقع الذى يفجر الضحكات التى تصل فى أرقى أنواع الكوميديا إلى اختلاطها بالدموع ورثاء الذات والتعبير عن قهر الأيام، وسوء التفاهم بين البشر، وعبث الوجود، وهى ما اصطلح على تسميتها بالكوميديا السوداء.
لكن أزمة الكوميديا الآن تتبدى فى أن المفارقة الكوميدية التى هى ركيزة الضحك وأهم شروطه أصبحت فى واقع ما يدور حولنا أقوى وأغرب مئات المرات من خيال كتاب الكوميديا، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة وتتصل بكل مظاهر حياتنا، نحصدها من خلال الأحداث الجارية وقراءة الصحف ومتابعة الفضائيات و«الفيس بوك» أبطالها أحياناً أفراد من العامة، وأحياناً أخرى من المسئولين.
فمثلاً يمكنك أن تضحك ضحكاً مراً حينما تقرأ أن مواطنا بائسا يعيش فى منزل متهالك فى زقاق بأحد الأحياء الشعبية، يقرر أن يرسل عدة برقيات لرئيس الوزراء، ووزير الإسكان، ووزير التنمية المحلية، والمحافظ ووزير الداخلية، يدعوهم إلى الحضور إلى حيث يسكن بعد يوم أو يومين ليشاهدوا منظر المنزل وهو ينهار – عليه وعلى أسرته والأسر الأخرى من جيرانه وكأنه يدعوهم إلى الاحتفال بهذه المناسبة وذلك بعد أن يئس تماماً فى إيجاد صدى لإستغاثاته والآخرون بالمسئولين لإنقاذهم من الموت تحت الأنقاض والبرقيات تمثل نهاية فيلم كابوسى تراجيكوميدى عبثى.
ثم إن هناك مفارقة ساخرة أخرى لو ألفها سيناريست لرفضها المتفرجون باعتبار عدم معقوليتها ولكنها حدثت مؤخراً حينما تم التفكير فى إطلاق حملة «أخلاقنا»، وفوجئنا أنه تم اختيار إخوانى عتيد ليكون الأمين العام لها، والحملة تدعو إلى الأخلاق الحميدة والفضائل الكريمة من تسامح وحب وتكاتف ونبذ التطرف والإعلاء من شأن المواطنة والتعاطف مع الآخر، دون طائفية أو عنصرية أو ازدراء، ونبذ فرض الوصاية والتكفير، فما رأيكم دام فضلكم؟!
وتبلغ الكوميديا ذروتها حينما يصرح رئيس هيئة الطرق والكبارى أن الطرق السيئة التى تزخر بالحفر والمطبات لها فوائد رائعة – لا ندركها بالطبع لأننا شعب نكدى لا يرى سوى القبح والرداءة فى الأشياء – ومن أهم الفوائد بالطبع أنها تقلل كثيراً من الحوادث لأنها تجبر السائق على تخفيض سرعته.
أما محافظ «سوهاج» فقد سخر من انهيار كوبرى الجامعة – الذى تكلف ما يقارب الثمانية عشر مليوناً من الجنيهات – قائلاً إنه اعجاز هندسى يفوق أفلام الأكشن الأمريكانى ذلك أن الجديد فى الأمر أنه انهار قبل تشغيله.
وأما وزير الصحة فقد أعلن بزهو وباحساس بالغ بالمسئولية أن رئيس الوزراء سوف يعوض الطبيبين المعتدى عليهما خيراً بمنحهما عمرة مجانية لكل منهما، ثم انصرف إلى حجرة العمليات بمستشفى للقيام بنفسه بإجراء جراحة عاجلة لمواطن فى أذنه، دون أن يرتدى الكمامة الطبية، وخلفه حارسه مرتدياً بدلة وسيدة وبعض المتفرجين.
ومساخر كوميدية عبثية أخرى سوف تجىء.