الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الضوى: حاضر قصيدة النثر قليل من الشعر كثير من الاستسهال

الضوى: حاضر قصيدة النثر قليل  من الشعر كثير من الاستسهال
الضوى: حاضر قصيدة النثر قليل من الشعر كثير من الاستسهال




حوار – رانيا هلال


للشعراء سيماهم التى تميزهم عن غيرهم من المبدعين والأكثر شعرا منهم من هم ينحدرون من بيئات شديدة الخصوصية والتفرد تلك البيئات التى تفرز لنا الشاعر الأكثر حساسية للغة والمفردة وحتى الجرس الموسيقى للحرف الواحد ونختص بالذكر هنا الشاعر الصعيدى صاحب اللغة الأكثر رهافة وحساسية وصدق الشاعر الضوى محمد الضوى فعن سلسلة ديوان الشعر العربى بالهيئة المصرية العامة للكتاب صدر ديوان «على باب غرفتك المستعارة» محل النقاش والذى سوف نسلط عليه الضوء من خلال تجربة الشاعر ككل، وكُتِبَتْ قصائدُ الديوان بين عامى 2011 و 2013. ويعد الديوان هو الإصدار الثالث للشاعر، حيث صدر له من قبل ديوان «وربما أكثر» عن دار المحروسة بالتعاون مع مركز عماد قطرى 2012، كما صدرت له «فى حضرة الحيرة» مسرحية شعرية، عن دائرة الثقافة والإعلام بإمارة الشارقة- دولة الإمارات، وله تحت الطبع الطبع ديوانان هما «إثْرَ بلطةٍ فى القلب» و«من براحِ سقف الغرفة».
■ ما سبب اختيارك للأرقام بدلا من العناوين للقصائد؟
- كثيرًا ما أواجه مشكلة عنونة القصيدة، العلاقة بين العنوان والنص علاقة منهكة بالنسبة لى، أختلف كثيرًا مع فكرة أن «الجواب يبان من عنوانه» أو أن العنوان عتبة نصيّة، خاصةً وأننا ننتمى لثقافة شفاهية ترى أن «الأعمال بالخواتيم» وأن ختام القول أَدَلُّهُ، لا مطلعه ولا عنوانه، لذلك لم تُعرف عنونة القصائد الشعرية إلا فى فترة متأخرة من تاريخنا الشعرى العربى، وعُرِفَتْ المعلقات والقصائد الجاهلية مثلا، بأسماء أصحابها، أو بمطالعها، وفيما يخصنى فالنص إمّا أن يولد بعنوانه أو لا، وغالب ما أكتب من نصوص لا يُولد بعنوانه، لذلك آثرت أن أكتفى بترقيم النصوص، مما لا يضع العناوين أمام مساءلة القارئ لها، ولمدى دلالتها على محتوى النص أو مراميه فيما بعد، وكانت الأرقام بديلا مناسبا، باستثناء النص الأول، وهو نص «النافذة»، لأن عنوان النص دال على محتواه ومرتبط به منذ ولادته.
■ هل يجب أن يكون دخول الحب إلى الإنسان مؤلما كألم فتح نافذة فى جدار؟
- الألم من لوازم المحبة، المحبة الحقيقية، مولانا جلال الدين الرومى يقول «الجرح هو الثقب الذى يدخل إليك النور من خلاله» الألم حتمى لدخول النور إلى القلوب حتى لو حاولنا تجنبه، والمتصوفة يقولون إن الطريق الذى يقطعه غير الحزين فى سنة، يقطعه الحزين فى شهر، قبول الألم من هذه الزاوية سيجعلنا نتجاوزه للأمل، وللمحبة والوعى والبصيرة، الألم ينتج البصيرة، والبصيرة ابنة الحب، المحب الحقيقى بصير، وليس أعمىً كما يُشاع، المحبّ الحقيقى الذى ملأت المحبة قلبه، ستريه ما لا يراه سواه، حتى لو اقترن هذا بالألم.
■ الملامح القصصية تظهر بقوة فى بعض القصائد خاصة قصيدة النافذة حيث تطغى المشهدية والتصاعد الدرامى والإسهاب فى السرد..هل هذا يشير إلى قاص خفى بداخلك؟
- أنا أمارس السرد بمستوى ما، خاصةً فى النصوص المفتوحة التى لا أستطيع تحديد شكلها الأدبى، وقد نبهنى عدد من المتابعين والأصدقاء إلى محبتهم لهذا، مبررين تلك المحبة بقدرتى الجيدة من وجهة نظرهم على الحكى والسبك، لكنى أؤمن بالشعر وبمشروعى الشعرى بما لا يسمح بشريك آخر لهذا المشروع، إلى الآن على الأقل، مما يجعلنى أستحى من ممارسة السرد علنًا، لكنى أحاول استثمار القدرة على السرد داخل النص الشعرى، وشعر النثر خاصةً، لأنه يمثل مساحة واسعة لتماهى السردى مع الشعرى، حتى لو كان للشعر ثِقَلُ البطولة.
■ المقاطع البيضاء هل هى هدنة لالتقاط الأنفاس فى جدالك مع الحب.. أم هى فرصة للحب كى يقوم بالرد؟
تأويلك لتلك المساحات البيضاء أجمل من داعى وجودها، لا أعرف على وجه يقينى لماذا تركتها، لكنها كانت أقرب لفكرة الهدنة، الهدنة من كل شيء، الشعر فى بعضه مساحة من الهدنة، والبياض أحيانًا أشعر من كل كتابة تعكّر صفوه.
■ الشخصية الشاعرة فى الديوان غارقة فى العزلة تستخدم أدوات النداء كثيرا لا تمثل له الشخصيات المحيطة بها إلا جدرانا ومساحات من الصمت والقسوة.. رغم كل ما تحمله لها من المحبة هل هذه برأيك هى ضريبة المحبة أم ضريبة الدخول إلى «منتصف الشمعة»؟
- لا تستطيع الذات الشاعرة الحفاظ على مستوى واحد فى تلقى العالم، والوحدة قرينة الشعور بالجمال، قرينة الأرواح الشغوفة، الذى يرى الجمال أسير فكرة نشره، لأن نشره غالبًا ما يكون جزءًا منه، الشغوف بالجمال يرى فى إطلاع الآخر عليه تنمية لهذا الجمال وتوسيع لدائرته، ويصيح دائما: انظروا.. ها هنا جمال! لعل الأمر له علاقة بمفهوم النبوّة، والاستشراف، المرتبط بروح الشعر، إليا أبوماضى يقول:
عندما أبدعَ هذا الكونَ ربُّ العالمينا
ورأى كلَّ الذى فيه جميلًا وثمينا
خلق الشاعرَ كى يخلق للناس عيونَا
تبصر الحسنَ وتهواه حراكًا وسكونا
وزمانًا ومكانًا وشخوصًا وشئونَا
من هنا تتابع النداءات، نداء الذى رأى للذى لم يرَ بعد، وحيال هذا فإن الذات الشاعرة تستشعر الوحدة، إذا لم يكن لتلك النداءات جدوىً، تدوم هذه الوحدة للحظة التى يتحقق فيها قول أحد المتصوفة: إن الذى يشرب عند حافة البئر يحاول سقيا من لم يشرب، أما الذى يسقط بأكمله فى البئر، فإنه ميت، لا يعنيه من شرب أو من لم يشرب.
■ قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة.. أيهما أقرب إليك.. وأقرب إلى المشروع الشعرى الخاص بك؟
- طوال الوقت أنا أمام هذا السؤال، أحب قصيدة التفعيلة أكثر، لأنها أقرب لذائقة الإطراب من واقع الوزن الخليلى الذى أحبُّ تنغيمه خاصةً وأنا إزاء إلقاء النصوص على جمهور، أما قصيدة النثر فهى أقرب فى رأيى إلى جوهر الكتابة ذاته، لا إلى ذائقتى الخاصة المرهونة بنشأتى الشعرية ومشاربى التراثية، قررت أن يكون مشروعى امتدادًا للقصيدة الموزونة إما تفعيليا أو عموديا، لكنى لا أستطيع أن أقاوم لذة الولوج إلى جوهر الشعرية متحررًا من كل شكل عبر قصيدة النثر.
■ ماذا أضاف الجانب الأكاديمى إلى الشاعر بداخلك؟
أضاف شيئا من النظام، إذا أردت أن أنجز مشروعًا أدبيًّا، أو أن أعمّق جانبًا معرفيا لديّ، لكن الفوضى تنتصر فى الأخير، وأنا لست حزينًا إزاء الفوضى، لأنها تترك لى مساحة أكبر من التأمل، التأمل فى الفوضى ذاتها أحيانًا.
■ كيف ترى حاضر قصيدة النثر فى مصر ومستقبلها؟
- القليل من الشعر الكثير من الاستسهال، ولعل بعض الناس ينظرون إلى ما أكتب النظرة ذاتها، لكنها فروق الذائقة، أنا أحاول تبرير بعض الاستسهال بأنه كتابة، كتابة لا تنتمى بالضرورة إلى الشعر، إنما إلى فعل الكتابة الجمالية مطلقةً دون تقنين، لكن الشعر نادر ندرة الجمال الفذّ، وتلهّف الجمهور لما يكتبه بعض الشعراء أو الكتاب يجعل هؤلاء فى حاجة دائما إلى تقديم المزيد-أؤكد: ربما كنت فى نظر البعض أحد هؤلاء-  وهذا ما يوقعهم فى الاستسهال، أنا شخصيا أحاول تقنين هذا، وأزهد فيما ليس شعرًا فأُوُثِر ألا أضمّنه فى الدواوين الشعرية التى أعدّها للنشر، أنشر على الفيس بوك الكثير، وأعتبر الفيس بوك مساحة واسعة للتجريب، لكن الذى أضمّنه فى الكتب، وأعنونه بأنه شعر، فإنه بالضرورة يوافق تصورى عن الشعر لا عن الكتابة فى مطلقها، بالنسبة لمستقبل قصيدة النثر، فهو مستقبل الفن فى العموم: مفتوح وطَمُوح وواعد، حتى لو قلّ الجمال فيما هو مطروح الآن.
■ صف لنا المشهد الأدبى فى محافظة الأقصر؟
- مشهد حقيقى وزَخِم، حريص على المتابعة والتنامي، خاصةً فى مركز أرمنت، لم أرَ حرصًا مثل حرص أهل أرمنت على الأدب والثقافة مكابدين فى ذلك ومُتَحَدِّينَ كلَّ الصعوبات التى يمكن أن يواجهها مكانٌ ناءٍ عن الأضواء فى سبيل التحقق، هناك أماكن ومؤسسات مختلفة تقوم على تغذية الواقع الأدبى فى الأقصر أهمها نوادى الأدب، ما بين نادى أدب الأقصر، ونادى أدب أرمنت ونادى أدب الطود، كل هذه النوادى هى ورش حقيقة لإنتاج المبدعين وصقل مواهبهم، مجالس إداراتها مجالس نشطة جدا، وبالإضافة إلى نوادى الأدب، نجد نادى القصة، الذى استطاع لفت انتباه الواقع الثقافى المصرى فى فترة وجيزة منذ إنشائه، وأمدّ الساحة الأدبية فى الأقصر وفى الإقليم كله بأسماء نابهة ونيّرة مثل ابتهال الشايب التى حازت جائزة الدولة التشجيعية عن مجموعتها القصصية «نصف حالة» كذلك أسماء دءوبة وصاحبة أقلام حقيقية مثل الأصدقاء ناصر خليل وبستانى الندّاف وغيرهم، يقود قافلتهم الصديق الروائى النابه أدهم العبودى، ومؤخرًا تأسس بيت الشعر بالأقصر، ضمن عدد من بيوت الشعر التى تقوم على إدارتها وتمويلها إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية، وهو مكان فى طريقه إلى أن يصير منارةً من منارات الشعر العربى فى مصر، بجهود القائمين عليه، وبمحبة المخلصين للشعر وللفن، وحرصهم على متابعة المشهد الشعرى المصرى، وتقديم المتميزين فيه، خاصةً الشباب منهم، إلى الساحة الثقافية بشكل يليق بهم، وخلق حالة من التواصل بين الآباء الشعريين والأجيال التى تبعتهم..
■ كيف ترى الجوائز الأدبية كمحرك للمشهد الثقافى المصرى والعربى؟
- الجوائز مؤثرة بالطبع، وتدفع الكثيرين للعمل على مشاريع شعرية وأدبية تمكنهم من الفوز بها، لكن القول بكونها محرك قول ينحو إلى المبالغة، ثمة عوامل كثيرة تدفع الحراك الثقافى وتؤدى إليه، الجوائز واحدة منها، لكنها لا تشغل حيزًا كبيرا بهذا الصدد.
■ بصفتك مشارك فى معرض الكتاب هذا العام ما رأيك به وهل لديك ملاحظات عليه؟
- هذه هى المرة الأولى التى أشارك فيها بمعرض الكتاب، لذلك لا يمكننى المقارنة بين هذه الدورة ودورات سابقة، لكنى سمعت ممن أثق فى عدالتهم أن المقارنة بين هذه الدورة والدورات السابقة ستكون بالضرورة لصالح هذه الدورة، كما أنى لاحظت أننى كنت أُدْعَى لدوراتٍ سابقة، ومنذ 2010، ولم يحدث أن اتصل بى أحد ليؤكد على موعد ندوة أُدْرِجَ اسمى ضمنَ ضيوفها، أو أمسية شعرية أو ما شابه - باستثناء مرة واحدة-  فى حين أننى هذه المرة كلمنى أكثر من مسئول فى فعاليات مختلفة للتأكيد على حضوري، كما أن حضور أسماء مثل د.هيثم الحاج على ود.محمود الضبع وغيرهم من القائمين على المعرض، حضورهم بين الجمهور ومتابعتهم لسير الفعاليات، وابتساماتهم الودودة، وحفاوتهم البالغة تؤكد أن وجود أمثالهم قادر على التغيير، تغيير وجه الثقافة برمته، الود والتقدير المتبادل بين المثقف والقيادات الثقافية أمر بالغ الأهمية وعظيم الأثر، أرجو فى المرات القادمة أن تستطيع الجهات المنظمة للمعرض توفير بدلات إقامة وبدلات انتقال للضيوف القادمين من الأماكن البعيدة؛ لأن هذا غالبا ما يحول دون حضور كثير من المدعوين من مختلف محافظات مصر، خاصةً النائية منها، لكن فى المجمل أنا سعدت بمشاركتى فى المعرض هذا العام.