الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شهادات جنود إسرائيل عن طعم الهزيمة فى أكتوبر




«إنها أكبر المفاجآت الاستراتيجية المهمة فى تاريخ المعارك خلال القرن العشرين»، هكذا وصف موقع «والاه» الإخبارى الإسرائيلى حرب أكتوبر 1973، ومع اقترب هذا التاريخ سنويا، تفتح إسرائيل العديد من خزائن الذكريات لهزيمتها الموجعة، فى محاولة منها لإظهار شجاعة جنودها وبسالة قادتها وإصرار شعبها خلال تلك اللحظات الحرجة، لكنها دائمًا ما تفشل فى ذلك، وغالباً ما تكشف وزارة الدفاع عن فيلم وثائقى جديد أو وثائق سرية، أيضًا الصحف الإسرائيلية التى تجرى لقاءات مع جنود ممن شاركوا فى الحرب، لتكشف خلالها عن وقائع غائبة عن بال الكثيرين.

 
وفى هذا السياق أعدت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تقريرًا خاصاً عن حرب أكتوبر على موقعها الإلكترونى، عرضت خلاله ذكريات إسرائيليين شاركوا فى حرب يوم الغفران «أكتوبر» بثت خلال تقريرها مقاطع فيديو وثائقية لأيام الحرب، وصورا - سمح بنشرها الدفاع الإسرائيلى_عن تلك الفترة.
 
بدأت الصحيفة قصتها برواية الرقيب أول «سامى زانجى» - أمين مخازن فى الكتيبة 66 - ليروى قصة بأنه تلقى اتصالا هاتفيًا لاستدعائه يوم عيد الغفران، وعلى الفور ذهب لمعسكر تعبئة «سيركين» ومنه انطلق للحدود الجنوبية، لجبهة القتال مع مصر، آخذا معه كاميرته الخاصة، ليسرع لمعسكره فى ربع الساعة، مشيرًا إلى نجاح إسرائيل فى تعبئة الاحتياط ونقله بشكل سريع إلى أرض المعركة.

 
كشفت قصة أخرى، للعقيد احتياط «نيسيم مائيرا»، عدم عن عدم جهوزية الجيش الإسرائيلى لتلك الحرب، «مائيرا»، ضابط صيانة فى اللواء 401 مدرع، والذى قال إنه كان فى إجازة يوم السبت السادس من أكتوبر للاحتفال بعيد الكيبور «الغفران» وسط أبنائه، إلا أنه تلقى اتصالاً من قيادة اللواء للعودة للصفوف استعدادًا للتحرك الفورى لوقف هجوم المصريين، ليثبت بأن المزاعم الإسرائيلية بوجود علم مسبق بتوقيت المعركة كاذبة، وأن تل أبيب لم تكن قد استعدت لعملية إجهاض التحركات المصرية والسورية على الجبهتين.

 
وقالت الصحيفة الإسرائيلية: «كضابط صيانة فى لواء مدرع نظامى، عرفت أن اللواء مسلح وتم تزويده بالوقود والمعدات استعدادا للقتال» إلا أنه عندما ذهب للقاعدة أدرك أن ألوية الاحتياط التى تقدمت نحو مصر للقتال كانت عارية من التسليح والمعدات، وأدرك مدى صعوبة الوضع وخطورة الموقف.
 
 
أشارت «يديعوت» إلى مصدر آخر يؤكد أن ما زعمه قادة الدولة العبرية، عن وجود معلومات عنه استعداد المصريين والسوريين لشن حرب واستعداد الجيش الإسرائيلى لردعهم، كان محض كذب وفى الخامس من أكتوبر الموافق «الجمعة» حصل العقيد «تسيون مسورى» - ضابط الصيانة فى شعبة الاحتياط 143 - على إجازة استعدادا لصوم العيد، وأوضح «مسورى» أن قادة الجيش أوضحوا له أن ما يحدث على الجبهة المصرية والسورية مجرد تدريبات، لذلك فلم يجب على اتصال تلقاه مساء الجمعة، لكنه عاود ليفكر فى خطورة الوضع قائلا فى نفسه «ربما يقولون لى، فلتعد بسرعة لدينا معلومات بأن الحرب غدًا»، فقاد سيارة بسرعة للمعسكر، وهناك عرف أنه لا شىء جاهز.
وبث التقرير على الموقع الإلكترونى مقاطع فيديو وثائقية من أيام الحرب، أحد الفيديوهات تظهر رجال الدعم اللوجيستى، ولكن بدون أجواء المعارك. حيث يظهرون أثناء قيادة شاحنة تنقل الامداد العسكرى من ذخائر وأسلحة للجنود الإسرائيليين على جبهة القتال، وقاموا بعملهم تحت وابل من نيران المدفعية المصرية، والكثير منهم لم يعودوا من المزرعة الصينية.

 
ذلك بعد مرور 39 عامًا على الحرب، تأتى الشهادة لتوضح نظام الدعم اللوجيستى وتمكنه من إمداد الجنود الإسرائيليين لفتح نقاط انطلاق ولوقف تقدم المصريين أو السوريين على الجبهات المختلفة، وذكرت أن سلاح الامداد الإسرائيلى هو الذى غزى آلة الحرب وأدار عجلاتها. والتى زودت بالوقود والسلاح الدبابات الإسرائيلية فى سباق تقدمها للخطوط الأمامية، وإعادة الآلات التالفة للعمل القتالى مرة أخرى. وإجلاء الجرحى والقتلى من العمق. الفيلم يستعرض ثلاث ذكريات للحرب فى أكتوبر 1973 على الجبهة المصرية.
 
 
وقال العقيد «ميسورى» إنه فى الساعة 14.00 تلقينا بيانًا بأن القيادة المصرية استعدت. وفى الصباح استعدينا فى تعبئة الاحتياط، والمشكلة كانت أن غالبية الدبابات لم تكن صالحة للقتال فى الحرب، قبل ذلك بشهر كنت قد كتبت لرئاسة الأركان التى كانت غير قلقة ممن وراء الكواليس، فإذا كنا نريد النجاح ليس لدى أسباب لقيادة تلك الدبابات.

 
«ميسورى» ضابط صيانة فى الفرقة 143، تلقى أوامر من قائده «آرئيل شارون» لبدء تسليح اللواء وتزويده بالوقود بأقصى سرعة ممكنة «الاحتياط بدأوا فى التوافد على معسكر بئر سبع ومنه على معسكر «اليمن» للتحرك لسيناء، وأمر «شارون» بالتحرك السريع، وإرسال أى سرية مستعدة للمقدمة وعدم انتظار أوامر قيادة الكتيبة التابعة لها أو اللواء، بل تتحرك وفقا لأوامره.

 
وأضاف «بدأنا فى تفريغ المعدات من المخازن والمستودعات وإرسالها فى الطريق، وبعد أكثر من 400كم، 12 ساعة تحرك على الطريق يعقبها بدء الحرب» وقال: «إذا كان الجنود بالغين لكانوا خافوا طوال الطريق، لكن لحظنا كانوا ممن أنهوا خدمتهم منذ فترة قريبة».
 
 
على الرغم من المسافة الكبيرة التى أخذتها الدبابات فى طريقها للجبهة، إلا أنها وصلت بحالة جيدة وبسرعة كبيرة للقتال. «كانت تلك هى المرة الأولى التى تقطع فيها الدبابات «جومئيم» هذه المسافة الكبيرة، إلا أن هناك دبابة واحدة التى حدث انقطاع فى جنزيرها، إلا أن باقى الدبابات وصلت سريعة. كان على إرسال ضباط للتأكيد على مستوى الوقود فى تلك الدبابات والاطمئنان على مستوى استعدادها لخوض الحرب.

 
وقال العقيد احتياط «نسيم ميئراه»: «كلواء نظامى موسع، كنا أغنياء للغاية فى بداية الحرب، كان لدينا تسليح كامل ومعدات ووقود وتذخير للدبابات، كان يتم تزويد الدبابات كل 24 ساعة. قمنا باخفاء شاحنات الامداد التى وصلت إلينا بين الجبال، حتى لا تصاب جراء النيران المصرية، ولكن الوضع كان مختلفا فى ألوية الاحتياط التى بدأت فى الوصول جنوبا، فكل من دخل للحرب مر علينا.

 
وفى اليوم الأول للحرب، مر علينا «إفراهام برعام» قائد اللواء 164 سألت من هذا أجابونى أنه «برعام»، وسألنى من أنت أجبته «ميئراه»، وقال لى: إننى فارغ بدون وقود وبدون تسليح وبدون معدات، فلتعطنى كل الإمدادات التى تستطيع». فى الثالثة فجرا قمنا بتسليح اللواء تسليحاً كاملاً وزودناه بالوقود. هكذا تحركت الدبابات من معسكر اليمن بدون تسليح وبدون وقود، ولكن قمنا بتزويدهم.

 
طوال أيام المعركة لم يعرف «ميئراه» من نقص الإمداد، وبدأ تدفق على الجنوب. اللواء 401 بدأ الحرب مع 110 دبابة ودبابة أخرى للورشة، والتى انضمت منذ اليوم الأول، وقبل نهاية الحرب استطعنا عبور القناة بحوالى 29 أو 28 دبابات فقط التى بقيت، هذا ما تبقى من اللواء. كانت تلك هى مشكلة كبيرة فى نظرى، فقد كان لدى العديد من الإمدادات، فى حين أنه لم تكن هناك ألوية كثيرة يمكننا تزويدها».

 
وأضاف الرقيب «سامى زانجى»: كانت هناك حالة كبيرة من الهيستريا فى البداية، عندما سمعنا أننا قد تعرضنا للهجوم وأن الوضع بات عصيبا للغاية، لم نمهل نفسنا وقتا للبحث عن مفاتيح المخازن، فقد كسرنا الأبواب بسرعة والأقفال، فمن كان لديه وقت للبحث عن تلك المفاتيح، فقد بدأ الجنود بالتوافد وكان يجب إرسالهم فى أسرع وقت للمعركة، كان واضح أن شيئًا سيئًا للغاية يحدث ولا نملك وقتًا، يجب أن نسرع.

 
ووصف الأمر كأنه الوقوف تحت الجحيم وأن ترى الموت بعينيك خلال شق الطريق للجسر الذى سنعبر من خلاله القناة، فقد انهالت علينا أمطار من قذائف المدفعية المصرية المركزة علينا، والتى كانت تعتبر أصعب جزء فى الحرب. بجوار المحاربين على الدبابات، قام رجال الصيانة بشق طريقهم للقيام بمهامهم على الجانب الآخر من القناة. كان الطريق ضيقًا ويعانى من تكدس.

 
وقالت «مائيرا»: كانت تلك اللحظات الأصعب فى الحرب، والسفر من الشمال للجنوب، فقد دخل اللواء لهذا الطريق الضيق، وبدت الدبابات والشاحنات متضررة ومستنفذة للغاية، وأيضًا الجنود كذلك. أمطرنا الجيش المصرى بمدفعية ثقيلة وأدارت القوات الجوية الإسرائيلية معاركها فوق رءوسنا مع المصريين، ورأيناها تغرق فى القناة واحدة تلو الأخرى.

 
وأضافت «التحرك كان بطيئًا للغاية خلال هذا الممر الضيق، فقد خضنا أراضى لا تسمح بالسير، بدون توقف المدفعية. لم يكن من الممكن التحرك يمينا أو يسارا لأنك ستغرق وتغرس فى الرمال، فقد علقنا فى هذا الطريق، فكان يجب علينا الالتزام بالسير على المحور، وعندما ظهرت فوقنا الطائرات قفزنا فى الوحل للاختباء، انبطحنا من كثرة القذائف التى تمطرنا والتى سقطت على بعد عدة مترات مننا».

 
الفرقة 143 التى أدارت العملية عانت من ارتفاع كبير فى أعداد ضحاياها وخسائرها، وحقق أحد المخاوف عندما نجح المصريون فى قطع جسر العبور، وبهذا ظلت القوات الإسرائيلية التى عبرت للضفة الغربية عالقة غير قادرة على العودة، وبدون أسلحة أو معدات أو وقود.

 
وقال ميسورى: شارون استدعانى وطلب منى أن أقوم بتزويد الدبابات بالوقود والسلاح لأنه يشعر أن كل الطرق مغلقة من حوله، لكن الإمداد كان قليلا، الممر كان كعنق الزجاجة، اتساع الممر كان حوالى 200 متر، إذا كان المصريون سينجحون فى وقفه، فإن القوات ستصبح منقطعة، ومهمتى كانت نقل حوالى 300 شاحنة وقود وذخائر.

 
ولكن كيف سيتم العبور فى الوقت الذى تستمر فيه القذائف عليك، فقد أعطيت أوامر بالدورية للعبور، وتلقيت اتصالا من أحد الضباط فى الدورية بأن المصريين يستهدفونهم، حيث هاجمتهم الطائرات المصرية وانفجرت خمسة شاحنات ولديهم العديد من القتلى، وقال إنه بدأ يهمهم فى نفسه وبدأ فى صلاة يدعو ربه لانقاذ تلك الدورية ولتستمر فى وجهتها. كانت الأوامر التى صدرت لـ«ميسورى» بنقل الامدادات للإسرائيليين فى منطقة بالقرب من مطار أبو سورى المصرى، ويحكى أنه بالرغم من اعتراض الطائرات المصرية لهم إلا أنهم تقدموا للأمام، فلم يعد أمامهم خيار آخر مؤكدا على شعورهم بالاضطراب والصدمة فى أوقات أخرى، حتى وصل بما تبقى مع قوات شارون التى بدأت بالتوغل داخل العمق المصرى.
 
 
النيران المصرية استمرت فى الانهمار، حتى بعد أن استولت القوات الإسرائيلية على مناطق فى الجانب الغربى للقناة، على الرغم من عدم صلاحية معظم تلك الدبابات للقتال. زانجى أكد أنه خلال الطريق بعد أن عبروا القناة، رأى العديد من المصابين الإسرائيليين والكثير من القتلى أثناء استلقائه على الأرض خلال قذف عليهم مؤكدا على الإصابات الفادحة التى لحقت بهم.
 
 
قال ميسورى إنه خلال تلك الأوقات أمر قواته بالتقدم وترك خلفه القتلى والمصابين، موضحا أنه لم يمتلك أى خيار ولم يكن يمكنه التعامل بالعاطفة، خوفا من ترصد المصريين لهم فى حالة انشغالهم بلم الجرحى والقتلى. وقال أن أصعب شىء عندما كان بعض المتطوعين يقومون بجمع المصابين والقتلى عندما تلتقى بوجه تعرفه جيدًا.

 
ومع تقدمه نحو ممر «متلا» زادت خسائرهم أكثر فأكثر. كانت معركة عصيبة، لكننا خرجنا باليد العليا. كانت لحظات صعبة من اليأس، خاصة عندما سمعنا عن الدبابات السورية التى وصلت إلى طبرية، عندها ظننا أنها النهاية، ولكن منذ أن بدأ اليأس عدنا لنحارب بشجاعة.
أوضح ميسورى: أن جنود النظام اللوجيستى فى الحرب لم ينلوا قدرهم بعد الحرب، وأنتقد ما لاقوه من إهمال لهم بعد الحرب.