الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

على خشبة مسرح مركز الهناجر: عندما تفقد الوعى عن عمد ووعى.. فى «الزومبى والخطايا العشر»!!

على خشبة مسرح مركز الهناجر:  عندما تفقد الوعى عن عمد ووعى.. فى «الزومبى والخطايا العشر»!!
على خشبة مسرح مركز الهناجر: عندما تفقد الوعى عن عمد ووعى.. فى «الزومبى والخطايا العشر»!!




إشراف : هند سلامة

من النادر أن يضعك مخرج، فى حالة من الحيرة والعصف الذهنى، بعد مشاهدتك لعرضه المسرحى، تبدأ حيرتك، من انتقاء الألفاظ الأنسب، لوصف ما سمعت وما رأيت، ثم فى كيفية التعبير عن مدى استيعابك، لرسالته المسرحية، هكذا فعل طارق الدويرى بمشاهدى، عرضه الأخير «الزومبى والخطايا العشر»، على خشبة مسرح مركز الهناجر للفنون، وهكذا يفعل دائما بأعماله، فبدء من «الجراد» ثم «حفلات التوقف عن الغناء»، وانتهاء بـ«المحاكمة»، التى حصدت جوائز المهرجان القومى عام 2014، إذا تأملت هذه العروض، ستجد الدويرى مهموما بقضايا، حرية الفكر والتعبير، والتى كانت ولا تزال، شغله الشاغل دائما، لكن رغم أن همه، غالبا ما يكون واحدا، إلا أنه فى كل مرة يقدم هذا الهم، فى قالب فنى جديد، فكل عمل مختلف، عن الآخر جملة وتفصيلا، واليوم يعالج الدويرى، قضية حرية الفكر، برؤية مختلفة، وتناول معاصر، أقرب لأفلام الخيال العلمى الأمريكية، من العروض المسرحية التقليدية، وعبر عن المعانى والأفكار الأساسية، لرواية جورج أورويل الثورية «1984».. «الجهل هو القوة»، و«الحرب هى السلام»، و«الحرية هى العبودية»، فى عمل فنى بليغ، اهتم فيه بإبراز هذه المعانى، بشكل مستتر، وبدهاء مخرج محترف، فهنا يعلمك الدويرى، كيفية التعبير بالكلمة دون أن تذكر، وبالصورة والحركة المسرحية المدروسة، فهو يجعلك.. «تفقد الوعى عن عمد ووعى، ثم تصبح ثانية، غير واع بعملية التنويم الذاتى التى مارستها على نفسك».. هكذا وصف  أورويل حال بطل روايته، وكذلك تلخص هذه الجملة، بدقة شديدة حال «الزومبى والخطايا العشر»، وكأن أورويل كتبها من أجله، فنجح المخرج فى الوصول، إلى هدفه، من خلال اتحاد كل عناصر عرضه بشكل متكامل، ولابد أن تتساءل، لحظة خروجك من قاعة العرض، ما الذى فعله بنا هذا الرجل؟! وهل نمتلك فى مصر هذا المستوى، من العمق الفنى والفكرى بمسارح الدولة؟!!، الذى قد نراه فقط، فى إبداعات المستقلين، بينما غالبا ما يستسهل فنانى الدولة فى تقديم أعمالهم.
لكن فى ثورة عارمة على الاستهسال، وفى تجلى واضح لخرق كل ما هو مألوف ومعتاد، على خشبات مسارح الدولة، قدم طارق الدويرى، عرضا مبهرا بصريا وفنيا، وبنفس الشعور الذى قد تخرج مفعما به، من الأفلام الأمريكية، التى تنتمى للخيال العلمى، ستنتابك نفس حالة الإبهار، عندما تذهب لمشاهدة «الزومبى والخطايا العشر»، على خشبة الهناجر، ولم ولن تكتفى بمشاهدته مرة واحدة، بل ستجد نفسك تلقائيا، تدعو أصدقائك، لمشاهدة هذه التجربة الفريدة، على المستوى التقنى والصناعة المسرحية.
بالطبع لن ندعى بأن ما تم استخدامه، من تقنيات جديدة تماما، على المسرح المصرى، خاصة فيما يتعلق بكاميرات التصوير الأربعة المركبة، فى عمق خشبة المسرح، من الداخل ومن الخلف، والتى تقوم بتصوير الجمهور تصويرا حيا، بما يتوافق مع اللحظة المسرحية، إلى جانب تصوير، بعض المشاهد المسرحية الحية، لأن نفس تقنية التصوير «اللايف»، سبق وأن استخدمه المخرج عمر المعتز بالله، فى تجربته المستقلة الأخيرة «الجلسة مغلقة»، على خشبة مسرح الفلكى، وأثناء جولاته بأكثر من مسرح، وزاد عمر فى عمله، باستخدام كاميرا تصوير معلقة، بعين حارس الجحيم تصور الجمهور «لايف»، أثناء العرض، فيرى الجمهور صورته منعكسة، فى عين الحارس، وبالتالى عندما نتحدث، عن تجربة الهناجر، لن نعممها على المسرح المصرى، لكن قد تضيق، وتقتصر المقارنة، هنا على مسرح الدولة، وعلى الهناجر ذاته، الذى قرر لأول مرة، أن يسمح للمبدعين باستغلال تقنياته، وبعد أن كانت تعانى كاميراتان، من عطل دائم، تم إصلاحهما مؤخرا، حتى يستخدمهما المخرج بسينوغرافيا العرض، ويؤكد الدويرى أن مدير المسرح، محمد دسوقى، والمخرج خالد جلال رئيس قطاع الإنتاج الثقافى، ساعداه فى تذليل الكثير من العواقب، كى يخرج العمل، بهذه الصورة، فلم يعانى الدويرى، من تعسف إدارى وبيروقراطية كالعادة، كما استخدم شاشة عرض تليفزيونية معلقة، بأعلى يسار المسرح، وشاشة أخرى لعرض الفيديو بروجيكتور، بأعلى يمين المسرح، وبين هذه الثورة الإلكترونية، يضعك الدويرى، خلال ساعة ونصف الساعة، فى عالمه الافتراضى الخاص،  كى تتحول إلى «زومبيا»!!
عندما تدخل إلى قاعة المسرح ستجد صورتك منعكسة، على ستائر العرض المتحركة، التى صممها المخرج محمد أبو السعود، لترى نفسك وقد أصبحت، جزءا من هذا العالم، فأنت الآن تدخله بكامل إيرادتك، وتحولت إلى كائن مسلوب الإرادة، فقدت فيه السيطرة على نفسك، وعلى عقلك، وعلى من حولك واستسلمت إلى القوانين، التى تحكم هذا العالم، كى تجعل منك «مواطنا طبيعيا»، وهى الجملة التى ترددت كثيرا، على لسان أصحاب الكوكب الجديد، الذى أصبحت تحيا تحت سيطرتهم، ويتحكمون فيك من خلال، عروسة ضخمة، تحركك وفق إيرادتها، كيفما تشاء، ومتى تشاء!
لم يكتب العرض فى هيئة نص مسرحى متكامل، يعتمد على الحوار، بين أبطاله كما هو معتاد، بل تعمد المخرج فى إعداده، أن يجعل الحوار مقتصرا، على جمل قصيرة، متقطعة، وغير مترابطة، وأحيانا غير منطقية، فى تكوينها معا، حتى لا تخرج بجملة مفيدة، أو بوحدة كلام مترابطة، وبالتالى كان أبلغ فى تعبيره، عن مدى التشويش الفكرى، والخلل الذهنى، الذى يعانى منه، سكان هذا العالم الافتراضى، إلى جانب اعتماده، بشكل أساسى، ورئيسى على التعبير الحركى، الذى كان أقوى وأدق، فى توصيل المعنى من التمثيل، وربما كان يحتاج الممثلون، إلى تدريب حركى أشد، لكن فيما يتعلق بالحوارات الثنائية البسيطة، بينهم، بدت وكأنها مجرد ترديد وتسميع لأفكار، لم يتشبع بها أبطال العمل، بشكل كافى، بينما كان المخرج أكثر إيمانا وتشبعا، وصدقا فى تعبيره عن أفكاره، من ممثليه، وظهر هذا بشكل أوضح، من أداء نشوى محرم، وهى الممثلة الوحيدة، التى وقع عليها عبء التمثيل، فى مشاهد منفردة، فأدؤها كان أقرب للأفلام الوثائقية، وغير مناسب، على الإطلاق لأجواء العمل، فلم يضاهى أداؤها، الوهج الفكرى الذى يحمله الدويرى بذهنه، واستطاع أن ينقله للمتلقى، بالحالة الفنية الفريدة التى صنعها، بالحركة والإضاءة والديكور واستخدام تقنيات التصوير، والفيديو بروجيكتور، والمؤثرات، والخدع البصرية، عن طريق خلق لحظات مسرحية مختلفة، خاصة فى مشهد المطر، وغيره الكثير، من المشاهد التى صنعت بدقة ومهارة عالية، لذلك جودة هذه العناصر الفنية فى وحدتها معا، يجعلك تتناسى أو تتغاضى، عن ضعف التمثيل، خصوصا وأن التعبير الحركى، لعب دورا كبيرا، فى سد ثغرة عدم وجود ممثلين محترفين، لأنه اعتمد بشكل أكبر، على الإمكانيات البصرية، والأداء الجماعى، فى توصيل رسالته الفنية، بجانب العزف الموسيقى الحى، فمن النادر أن يتجرأ مخرج ويستعين بأوركسترا، فى عمق المسرح من الداخل، والذى احتوى، على عازفين «بركشن» رزة، و«ساكس» حندوقة، «تشيللو» محمود جبر، «بيانو» المقداد المنسى.
لكن وبرغم كل هذا النجاح الكبير، الذى حققه العرض خلال أيام قليلة، إلا أنه كان من الصعب، مده أكثر من بضع أيام، معدودات تنتهى يوم 2 مارس المقبل، بسبب ارتباط الهناجر، باستضافات فنية، الفترة المقبلة، أبرزها مهرجان حكاوى، لذلك كان من الأولى، أن تبحث إدارة الهناجر عن صيغة جديدة، تحرره من قيود هذه الارتباطات، حتى يتفرغ لإنتاجه المسرحى الغزير، الذى يستحق الرعاية والاهتمام.
شارك فى بطولة «الزومبى والخطايا العشر»، عدد كبير من الممثلين الشباب، هم أحمد مرعى، أشرقت إسلام، إسماعيل جمال، بكر محمد، حامد صفوت، دينا ممدوح، عابد الجندى، عبدالله شكرى، محمد جاد، محمد محمود، مريم رمضان، ملك عبدالمعطى، نوران عدلى، أحمد وحيد، إسلام سمير، أيمن حسين، حازم فوزى، حسين عشماوى، ريهام دسوقى، عبد الرحمن عصام، محمد أشرف، محمد غريب، محمد نشأت، مصطفى جيمى، نشوى محرم، ورشة كتابة لطارق الدويرى ونشوى محرم عن رواية 1984» لجورج أورويل، وفيلم «451 فهر نهايت»، وأشعار وديع Aسعادة، ديكور محمد أبو السعود، تصميم إضاءة أبوبكر الشريف، تصميم عرائس أيمن حمدون، أزياء نشوى معتوق، تصميم حركة إبراهيم عبده ونرمين حبيب، موسيقى ومؤثرات صوتية كاميلليو.