الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«القرعة الهيكلية» ..المحطة الأخيرة فى انتخابات البطريرك الـ 118






ترتبط القرعة الهيكلية ارتباطًا وثيقًا بانتخابات بطريرك الأقباط الأرثوذكس والتىأقر المجمع المقدس ان تجرى يوم 2 ديسمبر المقبل بعد الانتهاء من جميع الطقوس الخاصة باختيار البطريرك وهى عبارة عن كتابة أسماء الثلاثة الذين حصلوا على أعلى الأصوات فى انتخابات البطريرك فى ورقة بنفس المقاس وتوضع الثلاث ورقات فى صندوق صغير على المذبح ويتم اختيار طفل معصوب العينين بعد الصلوات ليسحب ورقة من الثلاث.. ليعلن صاحبها بطريركًا.
 

 
وأثارت القرعة الكثير من الجدل داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حيث سبق ان أعلن فريق العلمانيين رفضهم لها فى مؤتمرهم الرابع وطالب أحد أعضائه بضرورة حذف مادة القرعة من لائحة الانتخاب وأشار إلى أن قانون 52 فى المجموعة الثانية من قوانين الرسل يقول: «فإذا اختاره الشعب اختاره الله» مؤكداً أن القرعة لم تستخدم إلا منذ عام 1957 عند اختيار البابا كيرلس السادس فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لأسباب سياسية وهو ما أكده كمال زاخر مؤسس التيار العلمانى.
 
ورغم هذا الجدل إلا أن هناك نحو 11 بطريركاً فى التاريخ الكنسى الأرثوذكسى على الأقل اختيروا بالقرعة هم: البابا كيردونيوس الرابع، البابا يؤانس الرابع، البابا ميخائيل الثانى، البابا اثناسيوس الثالث، البابا غبريال الثالث، البابا يؤانس السادس عشر، البابا بطرس السادس، البابا يؤانس السابع عشر الـ50 البابا مرقس الثامن، البابا كيرلس السادس، البابا شنودة الثالث.
 
ولاتزال القرعة تقليداً متبعاً فى كنائس أخرى عديدة حول العالم أرثوذكسية وكلدانية فى بلاد العراق وسوريا..
 
ولم تكتسب القرعة جدلا واسعا بين التيار العلمانى وحسب بل رفضها بعض الاساقفة ومنهم من هو مرشح الآن للكرسى البطريركى
 
 

 
إرشاد الروح
 
يرى الأنبا بفنوتيوس أحد المرشحين وأسقف سمالوط فى كتابه «حتمية النهوض بالعمل الكنسي» أن عمل القرعة مختلق لا أساس له لاهوتيا وعقائديا، ولا يوجد نص قانون كنسى يبرر إجراء مثل هذه القرعة ولا يمكن أن نفهم إرادة الله عن طريق إيقاف عقلنا عن التفكير السليم بالصلاة وإرشاد الروح القدس. والسؤال الآن هل سيقبل الانبا بفنوتيوس ان يأتى بالقرعة الهيكلية التى يرفضها ويحاربها فى كتبه؟ ام سيحذو طريق البابا شنودة الراحل والذى قبلها بعد ان اصبح البطريرك الـ117؟
 
وعارضها ايضا الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمى والدراسات القبطية الراحل واعتبرها عارًا على الكنيسة، ويتساءل: «كيف نعرف أن الله راضٍ على الثلاثة المكتوبة أسماؤهم بالورق»، فلماذا لا نضع ورقة رابعة بيضاء إذا تم سحبها نعرف أن الثلاثة الموضوعة أسماؤهم غير مرضىّ عنهم؟!
 
والمثير للجدل هو ما أكده لنا القمص عبدالمسيح بسيط «كاهن كنيسة السيدة العذراء بمسطرد وأستاذ اللاهوت الدفاعي»، حيث أوضح أنه بالفعل لم يتم استخدام القرعة إلا فى عهد عبدالناصر فمنذ أن جاء القديس مرقس الرسول وبشر فى مصر أنه اختار إنيانوس الإسكافى خليفة له جرت العادة أن يكون البطريرك الجديد هو تلميذ البطريرك الراحل حتى يكون معروفًا للجميع من خلال خدمته، مشيرًا إلى أن البابا الكسندروس قام باختيار اثناسيوس الشماس وتلميذه الذى قام بالدفاع فى مجمع نيقية لذلك تم اختياره بشكل تلقائى كذلك كان حال البابا كيرلس عمود الدين هو البابا ثاؤفيلس، فمن الملاحظ دائمًا أن البابا هو الذى يقوم بترشيح من يخلفه. ويضيف «بسيط» أن الوضع فى العصر الحديث أصبح مختلفًا، فهناك مجموعة من العلمانيين يساهمون فى اختيار البطريرك مع الأساقفة وبالتالى أصبح هناك اختيار كنسى شعبي.
 
ويقول «بسيط» أن جميع رجال الكنيسة من مطارنة وأساقفة وكهنة وكذلك العلمانيين الخدام بداخل الكنيسة وعددهم أكثر من ربع مليون مؤيدون للقرعة الهيكلية» وأن الرافضين هم قلة لا تتجاوز أصابع اليد ولا ينتمون إلى الكنيسة، ويجب ألا نعطيهم أكبر من حجمهم.
 
مشروعية القرعة
 
ومن جانبه، أكد كمال زاخر مؤسس التيار العلمانى أن القرعة ليست نظامًا موثقًا وكانت تستخدم فى استثناءات بسيطة، مشيرًا إلى أن من يستند إلى مبدأ اختيار الكنيسة الأولى بعد خروج يهوذا الاسخريوطى الذى قام بتسليم المسيح هو يهودى بل وثنى لأن الروح القدس لم يكن حل عليهم بعد. وأيد «زاخر» كلامه بمثل ذكر فى الكتاب المقدس عن قصة هروب يونان النبي، فعند اضطراب البحر اقترعوا فيما بينهم والقرعة وقعت على يونان النبى وهم كانوا وثنيين وبالتالى فإنه مبدأ وثني؛ مضيفًا أن بولس الرسول أسس المبدأ المسيحى قائلاً: رأى الروح القدس ونحن «والذى يراجع الكتاب يجد أن كلمة «نحن» تعود على الكنيسة كلها» أى أنه كان يأخذ رأى الناس جميعًا.
 
وتساءل زاخر: «لماذا نغفل دور الشعب الذى أقره التاريخ؟ فالشعب هو جسد المسيح والإكليروس الكهنة والخدام» هم خدام هذا الشعب وبالتالى يكون الاتفاق مع الناس على الاختيار مبدأ مسيحيا 200٪»، وأثار «زاخر» تساؤلاً آخر: أن القرعة الهيكلية تجرى بين أشخاص تساوت بينهم الأصوات وهو شيء مستحيل عمليا أن يقع بين ثلاثة.. حادثة الأنبا يوساب الذى جاء باختيار القرعة الهيكلية بعد الصلاة ثلاث مرات ثم حدثت مشاكل كثيرة، فهل هذا نتيجة القرعة؟
 
وقال «زاخر» إن هذا حق يراد به باطل، ولعب على عواطف الناس، وتطرق إلى ظهور ثلاثة كتب قام بعملها رهبان من دير أبومقار فى أعوام 1999، 2001، 2002 هى «السلطان الروحى للكنيسة»، و«التدبير الإلهى فى تأسيس الكنيسة»، و«التدبير الإلهى فى بنيان الكنيسة» قاموا بجمع كل القوانين التى تساوى فيها الأسقف العام مع الراهب. وتساءل مجددًا: إذا تم اختيار 10 أساقفة بالقرعة الهيكلية فهناك 68 بطريركًا تم اختيارهم من غير الرهبان فهل الكنيسة ستوافق حاليا على ذلك؟
 
تاريخ القرعة
 
وفى محاولة لإيضاح الأمور كان لابد أن نرجع لتاريخ الكنيسة فأكد لنا الدكتور جميل فخرى أستاذ تاريخ الكنيسة بمعهد الدراسات القبطية أن معنى القرعة فى الأساس هو النصيب وأن الله هو الذى اختاره أما عن بداية القرعة فى الكنيسة فأشار إلى قصة متياس الرسول والذى اختير من ضمن 500 شخص تمت تصفيتهم إلى سبعين رسولا وبناءً على الشروط التى وضعها الرسل فى ذلك الوقت كان لابد الاختيار بين يوسف برسابة ومتياس الرسول ولذلك واستخدموا القرعة.
 
ويشير جميل إلى أن مرقص الرسول الذى أسس رتبة الكهنوت جاء مصر فرسم انيانوس أسقفًا ومعه ثلاثة كهنة وسبعة شمامسة وعندما اقترب وقت استشهاد مرقص اختير انيانوس الذى كان أعلى رتبة من الكهنة ثم تم اختيار من الكهنة أسقفً آخر بدلاً من انيانوس.. وبالتالى لم يكن هناك مجال للقرعة.
 
ويضيف جميل أنه بعد ذلك حدث عصر ذهبى للكنيسة وهى إنشاء مدرسة الإسكندرية اللاهوتية وظهر علماء كثيرون أمثال أوريجانوس وأكليمنضس واتجه الرأى إلى أن البابا لابد أن يكون له مجال علمى عال بالإضافة إلى المجال الروحى واستقر الأمر فى النهاية إلى أن يكون البطريرك هو ناظر المدرسة اللاهوتية وكان ذلك منذ البابا يسطس البطريرك السادس إلى البابا بطرس خادم الشهداء 17.
 
حيث اختار البابا بطرس اثناسيوس الرسول تلميذه الذى شهد له الجميع بحسن الدفاع عن الكنيسة ومن هذه الفترة اختار كل بطريرك تلميذه أو يقوم بتلمذة بعض الأشخاص الذين يتولون بعده البطرياركية حتى القرن الثالث عشر.
 
ويستكمل جميل: مع ظهور القرن الثالث عشر ظهرت القرعة الهيكلية والتى كانت فى أيام البابا كيرلس الثالث الملقب بابن لقلوق وجمع ابن العسال قوانين الكنيسة كلها وعمل أبواباً خاصة بها وكان الباب الرابع والخامس من المجموعة الصفوى لابن العسال يتحدث عن كيفية اختيار البطريرك وكيفية استخدام القرعة الهيكلية، أما ابن كبر بالقرن الـ14 فى كتابه ايضاح الخدمة على أن القرعة تتم عند تساوى المرشحين فى الفعال.
 
وبانتهاء هذه الفترة دخلت الكنيسة فى عصر غير مستقر تاهت فيه القوانين ومر عصر مظلم على الكنيسة وكان ذلك بداية من البطريرك يؤانس أسقف البحيرة والتى انتهت فى عام 1957 بوضع لائحة انتخاب البابا والذى نص فيها على أن يكون البطريرك من الرهبان وأدخل عليها القرعة الهيكلية إذا تساوى بينهم. واختير بها البابا كيرلس السادس 116 والبابا شنودة 117.