الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

بيع الدواء فى العيادات ثراء على حساب المرضى

بيع الدواء فى العيادات ثراء على حساب المرضى
بيع الدواء فى العيادات ثراء على حساب المرضى




تحقيق  - سمر حسن

 

«أقسم بالله العظيم أن أراقب الله فى مهنتى، وأن أصون حياة الإنسان، باذلًا وسعيا فى استنقاذها من الموت والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عوراتهم، وأكتم سرّهم».. تلك الكلمات هى جزء من النص الذى يقوله الأطباء قبل مزاولة مهنة الطب بشكل رسمي، ولكن كثيرا من الطلاب ممن أقسموا لحظة إنهائهم دراستهم للطب على إنقاذ البشر من الألم، حالهم يتبدل وفقاً لمتغيرات العصر، ليضرب البعض بالقسم عرض الحائط، ويتحول لتاجر متلاعب بالأرواح، وينسى واجبه تجاه مرضاه بعد أن تعميه شركات الأدوية بعمولات مادية، مقابل تسويق منتجاتها بين المرضى.
وقد يعد الطبيب المعالج مرضاه بالتحسن والشفاء بعد استخدام منتج إحدى الشركات، أو عن طريق إغرائه بتدنى سعر الدواء عنده عن الصيدليات، كما قد يصر الطبيب على أن يشترى المريض دواء محددا بحجة أن علب الدواء المنافسة للشركة والتى تحتوى على نفس المادة الفعالة لن يكن لها فاعلية تذكر على صحة المريض، ولم يعد الهدف الأول لبعض الأطباء هو تخفيف معاناة مرضاهم، بل كيفية الاستيلاء على أموالهم حتى آخر قرش.
فى جولة قامت بها «روز اليوسف» بين المرضى داخل عدد من العيادات والمستوصفات، ننقل بالكلمة والصورة حيل الأطباء للوصول للثراء على حساب مرضاهم.
سعاد محمد  - 45 عاماً ربة منزل - تقول كنت أعانى من نزيف فى الرحم، وذهبت إلى طبيب معروف، ووصل ثمن الكشف 250 جنيها، وفى الاستشارة أدفع  125 جنيها، وبعد إجراء الكشف قام الطبيب بكتابة الروشتة ولكن بدون تحديد عدد الجرعات وأوقاتها، وحينما سألته أجابنى «اذهبى للممرض الموجود بالخارج ليصرف لك الروشتة وعودى بعدها لأحدد لك الجرعات»، لأنه يبيع الدواء داخل العيادة بحجة مراجعته مع المريض خوفاً من أخطاء الصيادلة، واستطردت: لكن الدواء كان بلا نفع وظللت أعانى، إلى أن علمت أنها صفقة بين الأطباء وشركات الأدوية، يحصل فيها الطبيب على نسبة مقابل تصريف الدواء للشركات.
وافقها الرأى محمود حسنى - 43 عاما موظف - ليؤكد أن الكثير من الأطباء لا يهتمون ﻷمر المرضى بقدر اهتمامهم بتكوين الثروات الطائلة، بحيث يقومون بتحديد أدوية تباع داخل العيادات الخاصة بهم، لتصريفها لشركات الأدوية مقابل عمولات، وحجتهم فى ذلك أن الدواء الموجود لديهم أقل ثمناً من الصيدليات.
وقال عمرو مسعد - صاحب محل ملابس - ذهبت إلى طبيب شهير وبمجرد الدخول لحجرة الكشف دخل مندوب من شركة أدوية، استأذن من الطبيب فى دقيقة واحدة لسماع المندوب، ودار بينهما الحوار التالى «محتاجين مساعدتك يا دكتور فى تصريف هذا النور، وكان رد الطبيب تحت أمرك، وأكد له أنه بالفعل قام بتصريف نوع دواء آخر عندما أتت له مندوبة زميلة له طلبت منه ذلك مقابل تخفيض السعر»، وبمجرد سماعى هذا الكلام تابعت الكشف، ثم كتب الروشتة، وطلب منى صرفها من العيادة، فواجهته بما سمعته من الحوار رافضا صرف إياها من عيادته، واختلفنا فى الرأي، واحتد الأمر، فمزقت الروشتة واسترددت ثمن الكشف لكى لا أحدث بلبلة فى العيادة أمام المرضى.
انتقلنا لاستطلاع رأى بعض الأطباء، فرفض د. إبراهيم الدالى - أخصائى عيون - تلك الاتهامات، مؤكدا أن سلامة المريض لها الأولوية الأولى، فالتشخيص من حق الطبيب وهنا يتحرر من أى قيود تلزمه ببيع دواء معين لغرض ما قد يتعارض مع سلامة المريض ويعرضه للخطر ، ولا يجوز ﻷى طبيب أن يقع تحت ضغوط الربح وفتح صيدليات داخل العيادات.
ومن جانبها قالت د. ليلى سعد - أخصائى النساء والتوليد - أن بيع الدواء داخل العيادات غير قانونى، ولكن أجد بعض المرضى يسألون عن الأماكن التى سيصرفون منها العلاج فأخبرهم بأن كل التعليمات بالروشتة فيتعجبون من ذلك، بحجة أن بيع الدواء داخل العيادة أصبح نظاما معروفا، وهو مخالفة قانونية، كما أن أجواء العيادة غير ملائمة لتخزين الدواء، وإنما مصرح ببيعه فى المستوصفات الطبية شريطة إثبات الصيدلية فى التراخيص وخضوعها لشروط الصيدليات.
وأكد الدكتور محمد فريد - أخصائى الجراحة العامة - أن بعض الأطباء لا يبيعون الدواء داخل العيادات ولكن يلزموا المرضى بأدوية شركات بعينها ويطلبون صرفها من صيدليات معينة مقابل منفعة مالية مشتركة تربطهم بشركاتها، وذلك نفس جرم بيع الدواء داخل العيادة، والأولى مراعاة المريض وليس الربح.
ومن جانبه قال الدكتور على عبد الله -مدير المركز المصرى للدراسات الدوائية - إن التشخيص حق أصيل للطبيب، وهو المنوط به تحديد نوع المرض الذى يعانى منه أى شخص كل على حسب تخصصه، وأن عليه احترام مهنة الطب وإنسانيتها قبل المال، مشيرًا إلى أن بعض الأطباء يحددون أصناف دواء معينة أو يقوم ببيعها داخل العيادة، أو إلزام المريض بها، وتوجيهه إلى صيدلية معينة ويكون ذلك لأحد سببين أولهما أنه دواء رائج وشهير فى علاج مرض ما، وثانيهما حصوله على عمولات من قبل شركات الأدوية.
وذلك من خلال الاجتماعات والمؤتمرات التى تدعى لها هذه الشركات معظم الأطباء خصوصاً المشاهير منهم فى محاولة إقناعهم بتحقيق المعادلة الصعبة وهى الدواء الجيد والحفاظ على صحة المرضى، وتحقيق الشهرة من خلال نتائج الدواء الفعالة، وتحقيق الربح، لافتا إلى التكامل بين دور الطبيب والصيدلى بهدف واحد ومشترك وهو صحة المريض.