الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أهى بلاد المصريين.. أم بلاد المسلمين؟!‎

أهى بلاد المصريين.. أم بلاد المسلمين؟!‎
أهى بلاد المصريين.. أم بلاد المسلمين؟!‎




هشام فتحى يكتب

«اللهم احفظ مصر بلدا آمنا رخاء سخاء.. وسائر بلاد المسلمين» (خطبة الجمعة)
هذا الخطاب الذى يضرب جوهر الدستور المصرى فى مقتل، وينسف مفهوم «المواطنة» نسفا لصالح مفهوم «الخلافة» وما يتفرع عنه من مفاهيم «فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر»، «أهل الذمة وأحكامهم»، «الجهاد»، «الجزية»، «الغنائم»، «قتل المرتد»... الخ.
إن إصرار «الخطاب الإسلامى» - المحصن دستوريا - على فرض مفاهيمه المناقضة لمفهوم «الدولة المدنية» وما يتفرع عنه من مفاهيم «المواطنة»، «الحرية»، «الديمقراطية»، «حقوق الإنسان»، «الضرائب العامة»، «حرية الضمير والفكر والتعبير»... إلخ. ليس فى مصلحة الجميع حكاما ومحكومين، فمصر لاتحتاج سوى خطاب وحيد، ألا وهو «خطاب المواطنة»  فالدين لله ومصر للجميع - نقلها بألسنتنا ولا تؤمن بها قلوبنا - وإلا كيف نطالب «المصرى غير المسلم» أن يكون منتميا لوطنه بينما «خطبة الجمعة» تعرف الوطن بأنه «وطن المسلمين»؟! كيف نطالب «غير المسلم» أن يدافع عن وطنه بينما خطابنا الدينى لايرى فيه سوى «مواطن درجة ثانية» بل ونمنع عنه وطنيته إذ تصدح «خطبة الجمعة» بأن مصر هى «بلاد المسلمين»؟!
بالحقيقة مصر ليست بلاد المسلمين، بل بلاد كل مواطنيها بصرف النظر عن أديانهم ومذاهبهم وثقافاتهم ما داموا يتمتعون بالجنسية المصرية.
إن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى لتجديد الفكر الدينى يجب أن تبدأ من لحظة الإجابة على هذا السؤال: مصر أهى بلد للمسلمين أم بلد للمصريين؟ سؤال ما كان يجب أن يطرح أصلا، لكن هذا هو حالنا الذى وصلنا إليه!
إن «الخطاب الدينى الإسلامى» - أفرق دائما بين الخطاب والنص -  ليس حرا فى الكفر بمصر (الكفر لغة هو التغطية والإخفاء)، وعلى «الدولة» إن أرادت أن تقف على قدميها من جديد أن تفرض منهجها الوطنى على الجميع: مؤسسات دينية وثقافية وتعليمية وإعلامية، الآن، الآن، وليس غدا، وكفى ما أهدرنا من وقت على حساب الوطن، ولحساب مغازلة الخطاب الدينى، وإذا ما كانت بعض نصوص الدستور المصرى من شأن تفسيرها أو تأويلها تعويق قيام الدولة بواجبها الوطنى نحو تحقيق المساواة لكل مواطنيها فعلى «مجلس النواب المصرى» الفصل الحاسم فى هذه المسألة من خلال إصدار تشريعاته المعدلة لوضع طال إعوجاجه، ولحد علمى فإن نصوص الدستور صيغت بأيد وعقول بشرية فهى ليست نصوصا مقدسة فى ذاتها. وعليه فإن مهمة تعديلها وإصلاحها عمل ليس من أعمال الكفر أو الزندقة، فلقد قام المصريون بمهمات التعديل والتبديل لنصوص الدستور مرارا وتكرارا خلال مدة وجيزة من الزمان منذ خمس سنوات مضت منذ قيام ثورة 25 يناير وإلى الآن، بل إن نصوص «الشريعة» التى قد تشكل خطا أحمر أمام البعض لم تكن موجودة بدساتير سابقة قبل أن يثبتها (الرئيس المؤمن) أنور السادات فى تعديل دستورى قبيل اغتياله، وضعه لأسباب سياسية بحتة ولم يستفد منه إذ قرن مع نص الشريعة نصا تعديليا آخر يخوله حكم مصر لأكثر من مدتين رئاسيتين، لم يستفد منه واستفاد منه خلفه الرئيس الأسبق حسنى مبارك، كانت لعبة سياسية تم استخدام نص الشريعة الجديد لتنفيذها.
 ولم يكن المصريون قبل هذا التبديل والتعديل يجافون ممارسة طقوس أديانهم فى مساجدهم أو كنائسهم كعادتهم دائما فالمصريون شعب متدين يعرف الله الواحد منذ القديم وسيستمرون يعرفونه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بصرف النظر عن المسطور بالدساتير.
على البرلمان المصرى أن يقوم بواجبه تجاه الوطن، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى على الرئاسة أن تنفذ وعودها بتجديد الخطاب الدينى من خلال تقديم مشروعات القوانين المناسبة للبرلمان فى هذا الخصوص، وصك القوانين التى تمنع سجن المصريين بسبب أعمالهم النقدية وللمصريين القدرة على تنفيذ ذلك  نخبا، ووزارات، ومؤسسات، ومراكز بحثية وعلمية وتعليمية، وإلا فسوف نظل جميعا داخل تلك القبور التى حفرناها بأيدينا فى أزمنة الجهل.
يقينا أيها المصريون، إن مصر ليست بلدا للمسلمين فقط، لكنها بلدكم جميعكم  بلد للمصريين.