الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

روزاليوسف وهيكل تلامذة إلى الأبد!

روزاليوسف وهيكل تلامذة إلى الأبد!
روزاليوسف وهيكل تلامذة إلى الأبد!




رشاد كامل  يكتب

حتى بعد رحيله وغيابه يعطينا الأستاذ «هيكل» درسًا جديدًا وهو درس لم أكن أعرفه حتى كشف عنه الدكتور «سعد الدين إبراهيم» فى مقاله الجميل «محمد حسنين هيكل» حكاية تلميذ إلى نهاية العمر.. الذى نشره فى الزميلة «المصرى اليوم».. ولعل درس الأستاذ «هيكل» يذكرنى بدرس آخر له دلالته وصاحبته هى السيدة «روزاليوسف» والتى سبق أن وصفها الأستاذ «هيكل» أثناء زيارته لهذه المؤسسة بأنها تلك الشخصية الخارقة للعادة التى أعطت لهذه المؤسسة اسمها وكانت بالفعل بانية صرحها وصانعة تاريخها ومحركة دورها وملهمة تأثيرها فى حياتنا العامة»..
كلاهما الأستاذة «روزاليوسف» والأستاذ «هيكل» دخلا التاريخ لكنهما ظلا يبحثان عن العلم والمعرفة والعودة إلى مقاعد الدراسة ليصبحا «تلامذة» رغم الشهرة والمجد والاسم اللامع فى عالم الصحافة والسياسة!! وأن الدراسة والعلم والمعرفة لا تتوقف عند سن معينة.
أما درس «روزاليوسف» فقد رواه الأستاذ «أحمد بهاء الدين بعد أيام قليلة من رحيلها فى إبريل 1958 وقال فيه: «دخلت إلى مكتبى منذ أيام قليلة وجلست تحدثنى عن متاعب الإدارة، وعن انصراف الشباب فى مصر عن أعمال الإدارة رغم مستقبلها العظيم وأهميتها الكبرى حتى أصبحت الإدارة فى العالم الحديث علمًا راقيًا وفنًا رفيعا وقالت لى:
إنها سمعت أنهم فتحوا فى مصر مدرسة مسائية لتعليم فن الإدارة الحديثة وأنهم استحضروا أساتذة من الخارج ليعلموا رؤساء الإدارات فى الحكومة والمؤسسات الكبرى! ثم قالت إنها تفكر فى الالتحاق بهذه المدرسة!! ولم أندهش من تفكيرها هذا فهو ليس غريبًا عليها، ولكننى فقط حاولت أن أقنعها بأن صحتها قد لا تحتمل مجهودًا جديدًا.
والدرس الرائع هنا أن سيدة فى السبعين من عمرها حققت كل هذا المجد والنجاح من خلال مجلاتها وعلى رأسها روزاليوسف تريد تعلم فن الإدارة الحديثة!!
وهو نفس درس الأستاذ «هيكل» الذى رواه د. سعد الدين إبراهيم - وكان عمر الأستاذ هيكل وقتها 55 سنة- فقد فوجئ د.سعد الذى كان يقوم بتدريس مادة المجتمع المصرى فى الجامعة الأمريكية بأن هيكل ضمن الطلبة الذين يدرسون هذه المادة، وأمام دهشته البالغة روى له هيكل أنه قرر أن يعكف على القراءة الحرة خاصة تلك التى لم تكن متاحة له عن مصر والوطن العربى، وعندما علم من د. عبدالوهاب المسيرى أنه - أى د. سعد- يقوم بتدريس مادة مهمة عن المجتمع المصرى وأن نظام الجامعة الأمريكية مازال يسمح بالتسجيل وحضور المواد نظير مصروفات ورسوم لمن يريدون التزود بالعلم والمعرفة، فقرر - هيكل- أن يسجل نفسه كطالب مستمع وأن يتفاعل مع جيل جديد من شباب مصر على أمل اكتشافهم من ناحية وتجديد نفسه من ناحية أخرى.
وبعيدًا عن تفصيلات رائعة يعترف د. سعد الدين إبراهيم: «وللأمانة والتاريخ كان الرجل هو الأكثر انضباطًا ومواظبة وتأدية لواجباته فى تلك المادة فى ذلك العام الدراسى (1978-1979) كان أول الطلبة حضورًا إلى قاعة المحاضرات وآخرهم انصرافًا وكان هو الأكثر تأدية للواجب الأسبوعى حيث كان يقرأ المادة مقدمًا ويعد عليها ملخصًا ثم سؤالا واحدًا على الأقل عما لم يفهمه أو ما لم يتفق معه مما قرأه، ثم سؤالا أو نقطة موجهة لزملائه كى نفتتح بها حوارًا أو نقاشًا جماعيًا».
وبينما كان الفرد من الطلبة المنتظمين يتغيب ثلاث أو أربع مرات فى المتوسط خلال العام الدراسى لم يتخلف «محمد حسنين هيكل» إلا مرتين استأذن فى التغيب فيهما مقدمًا».
وبعد فترة كان «هيكل» ضمن الذين اعتقلهم الرئيس «السادات» فى سبتمبر عام 1981، وبعد اغتيال السادات قام الرئيس الأسبق «مبارك» بالإفراج عنهم، وعندما ذهب د. سعد الدين إبراهيم لتهنئة «الأستاذ هيكل» بعد الإفراج عنه، ويقول د. سعد الدين إبراهيم:
كان أول ما سألنى عنه هو الجديد من الكتب التى قررتها على تلاميذى فى مادة المجتمع المصرى للعام الدراسى 81/82 (!!)
انتهت سطور الحكاية، لكن تبقى الدلالة والدرس فى الحكايتين، حكاية السيدة روزاليوسف وحكاية الأستاذ «هيكل» وهى أنه لا حدود ولا سقف للتعلم والمعرفة، حتى لو وصل الإنسان إلى أعلى المناصب وحقق نجاحات باهرة مدوية لأن «نهم» العلم والمعرفة بلا حدود.
رحم الله الجميع.