الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

ترفعنا عن التمثيل بجثث الإسرائيليين بينما سحقت دباباتهم أجسام جنودنا






لا معنى للمنطق أمام المعجزة.. فهى تعطل نواميس الكون وتخرق ما تعارف عليه سائر الناس بقدرات تفوق تصورات عقولهم المحدودة، فالإيمان بداخلنا يحرك قوة لا حدود لها ولا قيود عليها.. وهى الإرادة التى تصنع المعجزة.. العميد أسامة الصادق ـ 68 عاما ـ رصد لنا بعضا من مشاهداته أثناء حرب السادس من أكتوبر فى هذا الحوار:

 
 
 
 
■ كيف استقبلت التعليمات الخاصة ببداية دورك فى حرب أكتوبر؟
 
ـ كنت رائداً بسلاح المشاة الميكانيكى لم يتم إبلاغى آنذاك بأى موعد لتحرك الفصيلة التى أقودها ولكن فى يوم الخامس من أكتوبر وقبل بدء الحرب بـ12 ساعة أبلغونى بوصول قوارب للكتيبة معها «ملزمة» إرشادية بضرورة تحفيز ورفع الروح المعنوية للجنود والاستماع إلى إذاعة البرنامج العام فى الثامنة صباحاً وفتوى وقتها من شيخ الأزهر بإفطار المجندين.
■ ألم يكن هناك أى إشارات أو استعدادات طارئة تكشف عن موعد العبور أو أن هذه المعركة الحاسمة؟
 
ـ لم يكن فى مخيلة أحدنا أن ما يجرى إعداد لمعركة حاسمة ظهيرة اليوم التالى وهو يوافق يوم ميلادى وتخيلت وقتها أن يكون الاحتفال بين أفراد أسرتى لو كنت بينهم حتى تانى صوت أحد المجندين يخبرنى عن مشكلة فى القوارب، حيث إنها لاتتسع لـ10 جنود فى كل قارب  مما يعنى اختلال توازنها  داخل المياه فأمرته وقتها بأن يرفع  السلالم منها حتى تتسع للعشر المذكورين فى كتيب التعليمات.
 
■ موقف لا يمحى من ذاكرة المقاتل؟ وكيف تداركته؟
 
ـ عندما صدرت الأوامر بالاستعداد  للتحرك والعبور بالقوارب فى تمام الثانية وخمس دقائق وبالفعل عبرت القوارب والطائرات المصرية فى آن واحد وسط تهليل وتكبير من قوات المشاة وفور وصولنا إلى الضفة الشرقية حيث الساتر الرملى أدركت وقتها قيمة السلالم التى طلبت منهم إخلاءها من القوارب لتتسع للجنود والمعدات فصرنا 315 ضابطًا وجنديًا بصحبة بنادق وصواريخ مضادة للدبابات والطيران المنخفض من دون سلالم تحملنا أعلى الساتر.
 
 وما كان منى وقتها إلا أن أخذتنى الحماسة لصعود الساتر بدون سلم حاملاً العلم وغرسته فى الأرض فزادت حماسة الجنود وتسابقوا فى ماراثون للصعود أذهلنى حيث كانوا يحملون أسلحة ومعدات يزيد وزنها على 150 كيلو جرامًا كمدفع الهاون الذى لايقوى على حمله عشرة رجال حمله مجندان عدواً لأعلى الساتر أغمضت عينى وقتها خشية أن ينقلب بهم فى مياه القناة.
 
■ إلى أى مدى استخدم  العدو الإسرئيلى الوحشية فى المواجهات على أرض سيناء؟
 
ـ المعركة وقتها كانت مواجهة  بين الحديد واللحم تعامل فيها العدو بمنتهى الإجرام مع الجنود المصريين فسار على أجسادهم بالعربات المجنزرة والدبابات..  وكنا نملك أن نقابلها بالمثل لكن هدفنا لم يكن التمثيل بالجثث وإنما إزاحتها عن أرضنا،  وفازت الدروع البشرية للمصريين فى النهاية فقد دمرنا 8 دبابات و6 عربات مدرعة واستطاعات الكتيبة المجاورة لنا أن تقطع إمدادت العدو وتأسر عساف ياجورى وطاقمه.
■ هل قمت بنفسك أو شاهدت «بطولة تندرج تحت مسمى المعجزة»؟
 
ـ مواقف البطولة وقت الحرب خرجت عن أى منطق للعقل  فعلى سبيل المثال لا الحصر موقف استشهاد أحد المجندين كانت مهمة كتيبته الوصول إلى إحدى النقاط القوية للعدو واستمرت محاولاتهم فى السيطرة عليها من الثانية ظهراً وحتى الواحدة بعد منتصف الليل وباءت كلها بالفشل إلى أن قام أحد المجندين بحركة انتحارية إذ ألقى بجسده على الألغام التى تفصل الكتيبة عن النقطة الإسرائيلية وتطايرت أشلاؤه مخلفة حفرة عميقة قفز أحد زملائه عليها وألقى بجسده على النقطة التى تليها وهكذا صنع الجنود لزملائهم ممراً للنقطة الحصينة بأجسادهم طوله 20 متراً دفعت الكتيبة ثمنه 17 شهيدًا.
 
■ «الموت ينادى الشهيد باسمه»  من صفحات أكتوبر ما هى قصة الاستشهاد التى ترتبط معك بهذه الجملة؟
 
ـ قد نتعرض لمواقف نظن أنه لا نجاة منها فى حين أن المقصود بها شخص آخر وهو ما وقع لى بالفعل عند محاولة أسرى وكان ذلك قبل إصابتى مباشرة إذ حاصرتنى القوات وطلبت منى التسليم وهو ما يعنى ظهورى فى القنوات الإسرائيلية وأن يملى على ما يجب أن أقوله، فأبلغت أقرب نقطة للعمليات ليرسلوا لى سلاح «آر بى جى» أدافع به عن نفسى وبعثت لى بأحد الجنود يدعى أحمد همام 22 عاماً شاب وحيد والده وهو أحد أعيان الشرقية تلاعب فى أوراقه ليلتحق بالجيش.. حضر إلى وهو يجر مدفع جرينوف فأطلق عليه العدو طلقات من رشاش نصف بوصة شظاياها فسفورية صغيرة العجيب فى الأمر أننى صرخت فى وجهه ليتراجع عندما رأيت الدماء تتفجر من جسده بينما يزيح هو الشظايا بيديه فى مشهد عجيب ويسير كأنه منوم مغناطيسياً حتى وصل للمدى المحدد وأطلق القذيفة  شريط 100 طلقة فجر موقع العدو واستشهد أحمد.. ونجوت أنا.