الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مايا الحاج: الكتابة تحرير للذات الإنسانية بشقيها الجسدى والروحى

مايا الحاج: الكتابة تحرير للذات الإنسانية بشقيها الجسدى والروحى
مايا الحاج: الكتابة تحرير للذات الإنسانية بشقيها الجسدى والروحى




حوار ـ خالد بيومى

مايا الحاج روائية وكاتبة لبنانية، لفتت الأنظار بشدة عقب صدور روايتها الأولى «بوركينى» عام 2014، والتى تتناول فيها قضية الحجاب والجدل الدائر حولها من خلال شخصية فتاة مأزومة وحائرة بين الالتزام والتحرر لكن الكاتبة لم تنصب من نفسها قاضياً للحكم على المرأة المحجبة / المتحررة، ونظرة المرأة المحجبة إلى جسدها، وجسد الأخريات، وجسد الرجل، وقد نجحت الكاتبة فى التغلغل فى نفسية المرأة وأفكارها مما يعكس ثقافة صاحبة الرواية، وربما تجربتها، من خلال الوحدات السردية المتعاقبة فى خط درامى متصاعد وأما اللغة التى كتبت بها الرواية فهى لغة أنيقة جميلة تقترب من حدود الشعر، ما يجعل من العمل قصيدة روائية.. عن روايتها الأولى كان حوارنا معها نكشف من خلاله رؤاها وأفكارها.
■ متى بدأت الكتابة؟ وهل كانت الكتابة قراراً أم قدراً لك؟
- أظننى بدأت الكتابة حينما أدركت أن الحكى وحده لم يعد قادراً على قول ما أريد وهذا الشعور يتولد لدينا غالباً عندما تأخذنا الدهشة أو عند الصدمة الشعورية الأولى، ففى مواقف معينة مثل الحب أو الموت يمكن للإنسان أن يتحسس رغبة داخلية فى نقل مشاعر جديدة، وطارئة لم يعتدها مسبقاً فيجد أن الكلام وحده لا يكفى، فيلجأ إلى وسيلة أخرى يُخرج عبرها ما يختلج فى عالمه «الجوانى» وهنا تظهر الميول الفنية عند هذا أو ذاك، وأنا اخترت الكتابة فى بداية سن المراهقة لأعبر من خلالها عن مشاعرى إزاء أول موقف أحدث خللا ما فى إيقاع حياتى الصغيرة الهادئة والهانئة ثم غدت الكتابة عالمى بل قدرى الذى لا مفر منه درست الأدب وامتهنت الصحافة وكتبت الرواية ولا أبالغ إن قلت إننى لم أعد أشعر بوجودى بعيداً عن هذا العالم الذى اختارنى كما اخترته.
■  «بوركينى» أولى رواياتك الصادرة عام 2014، وقد حققت انتشاراً واهتماماً نقدياً كبيراً.. ما الرسالة التى تحملها الرواية؟
- عندما كتبت الرواية لم أفكر فى رسالة ما، ولم يكن فى بالى أى رسالة أود تمريرها، كنت أطمح إلى أن تكون روايتى جميلة ممتعة لا أكثر. فأنا لا أتعامل مع الكتابة على أنها منبر (سياسى / اجتماعى / فلسفى ) أوصل عبره رسالة فكرية أو «شخصية» حتى أقنع بها الآخرين، ولا أميل إلى فكرة «الفن رسالة» لأن الفن له وظيفة أساسية هى إمتاع الناس ورسالته الأساسية «استاتيكية» بمعنى تقديم الجمال (اللغوى، البصرى، المشهدى، الشكلانى) وهذه الرسالة تفوق أى رسالة أخرى قيمة وأهمية فمن يمتلك الحساسية الجمالية تجاه الأشياء لابد أن يرتقى إنسانياً وجمالياً.. ومع أننى كتبت رواية تغوص فى موضوع خطير بأبعاده الاجتماعية والدينية والجنسية (الجسد) لكننى لم أفكر فى إيصال رسالة معينة ولا حتى الترويج لفكرة على حساب أخرى، كتبت عن الحجاب فى أول عمل روائى يعالج هذه الموضوع من زاوية نفسية/ إنسانية من دون أن أحدد موقفى من الحجاب. فلا يمكن أن يخرج القارئ من «بوركينى» بنتيجة حاسمة حول الحجاب، وليس المهم فى الرواية إقرار حكم نهائى على موضوعات سجالية؛ لأن الكتاب ليسوا قضاة، إنما أشخاص يصورون الواقع بأسلوب ذاتى لا يخلو من فنية وجمالية. وثمة قراء كثيرون يحمّلون الرواية أكثر مما تحمل، لأنهم يسقطون حياتهم وظروفهم وأفكارهم ومعتقداتهم فيما يقرؤون، ولا أخفيك أننى صرت أستشف رسائل الرواية من خلال ما أسمعه أو ما أقرأه وهذا الأمر يغنى الرواية لأنه يزيد من قدرتها على استيعاب تأويلات ومعان أكثر وأوسع، كثيرون اعتبروا أن رسالة الرواية هى ألا ننظر إلى المحجبات كأنهن صنف واحد من الناس فى وقت أن لكل واحدة منهن فرديتها وهواجسها وأفكارها  لم أكن أقصدها مباشرة خلال كتابتى النص.
■ بناء الرواية مركب ومليء بالإيحاءات.. كيف خططت للبنية الفنية؟
- كنت فى صدد كتابة رواية أخرى حين وجدت فجأة أن الفتاة المحجبة / المتحررة صارت تستأثر اهتمامى إلى أن استولت عليّ. وصرت أرى الشخصيات الأخرى مجرد أطياف أمامها، لذا ارتأيت أن أقتلعها من مكانها لتكون بطلة رواية أخرى مستقلة، وروايتها، هكذا جاءت «بوركيني» تشبه «مونولوج» طويل تنقل فيه البطلة أزمتها الداخلية، هى التى تعيش بين عالمين متناقضين، أحدهما متحرر والثانى ملتزم. ومن هنا جاء عنوان الرواية المشتق من كلمتين متناقضتين «بوركيني» (برقع وبكينى)، ولأن الرواية تشتغل على الموضوع النفسى لشخصية مترددة، متأزمة متأرجحة، وجدت أن السرد لا يمكن فصله عن ذات البطلة التى تنقل ما تراه وما تشعر به بلغتها هي.ولا شك أننى بدأت عملى بمخطط معين لكننى سرعان ما بدأت بالتغيير والتعديل بما افترضته عليّ الكتابة الحية للعمل.
■ هل يعد اختيار بطلة العمل امرأة انحيازاً للكتابة النسوية؟
- الرواية تتناول تيمتى (الجسد / الحجاب) وهى مسألة مرتبطة بالمرأة من دون أن تنفصل عن السياق الدينى أو الاجتماعى والذكورى إذا صح التعبير، لذا كان لابد أن تكون البطلة امرأة، هذا ما فرضته القضية العامة للرواية لكننى درست القضية ببعدها الفلسفى والوجودى، فالبطلة فى النص تبتعد فى تركيبتها النفسية والسوسيولوجية عن الصورة النمطية للمحجبة فى الروايات أو حتى فى السينما العربية، هى ليست محتجبة عن العالم، لم يُفرض عليها ملبسها إنما اختارته بملء إرادتها غير أن الاختيار لم يلغ احتمال التراجع أو الندم، تتحول أزمة الحجاب إلى أزمة وجود، تقع الفنانة المثقفة التى ترسم أجساد أنثوية عارية فى جملة أسئلة لا تنتهى، أسئلة عن الدين والجسد والحرية والفن والغيرة، تلك الأسئلة تخاطب كل إنسان بمعزل عن جنسه، فمن منا لم يسأل نفسه مرة :هل ما اخترته صواباً ؟ أم كان عليّ اختيار الاحتمال الآخر؟ ماذا لو لم أسلك هذه الطريق واخترت الأخرى ؟ ثمة كاتب معروف كتب تعليقاً عن الرواية قائلاً: «هى حكاية امرأة محجبة وأنا رجل مسيحى لكننى شعرت لوهلة أننى أقرأ نصاً عني، هذه الشخصية تلامس بضعفها وهواجسها وتمزقها كل إنسان تائه بين خيارات هذا العالم واحتمالاته المفتوحة على كل شىء».
■ هل تعتقدين أن الحضور المكثف للنصوص السردية النسوية يؤكد أن المرأة تريد تحرير مملكة الحكى من الرجل؟
- لست مع هذا التصنيف «الجندري»، ولا أرى صواباً بتقسيم الإبداع بحسب جنس صاحبه أو جنسيته، وفيما يعنينى لم أكتب لأؤسس صوتاً نسوياً فى مقابل الصوت الذكوري، الكتابة هى تحرير للذات الإنسانية بشقيها الجسدى والروحى، كان هدفى أن أحرر شيئاً ما فى داخلى، رغبة فى الكلام أو الأصح بالسؤال، الحياة مليئة بالأسئلة والأدب لا يعطيك بالضرورة أجوبة. لكنه يساعدك حتماً على تخليص نفسك من كميات هائلة من تلك الأسئلة المتراكمة فى داخلك.
■ إطار الرواية  اجتماعى / تاريخى.. فهل تأثرت بالرواية التقليدية الفرنسية فى الكتابة؟
- الرواية نفسية اجتماعية أكثر منها تاريخية، الجسد موضوع قديم موجود قدم البشرية قدمته فى إطار جديد من خلال نظرة المرأة المحجبة إلى جسدها، وجسد الأخريات، وجسد الرجل.
■ ما الهاجس الذى يحرك قلمك؟
- لا أدرى. كلمة ربما أو مشهد أو قصة، أكتب عن أى شىء يمكن أن يفتح شهيتى على الكتابة. سواء مقالة صحفية أو نص إبداعي.
■ هل هناك طقوس خاصة للكتابة عندك؟
- لا أؤمن كثيراً بالطقوس والوحى والإلهام، أكتب شرط أن تتوفر ظروفاً مساعدة على فعل الكتابة، ولكن فى العادة أنا كائن ليلي. أفضل الكتابة حين ينام العالم وتستفيق مخيلتى الإبداعية وسط العتمة والهدوء.
■ هل ثمة علاقة بين صراع البطلة فى « بوركينى» (وهى لا اسم لها) والصراعات الواقعية التى يعيشها الشباب العربى؟
- كُتب الكثير عن الرواية وبعضهم وصفها بأنها رواية اللحظة الراهنة، الرواية تكشف حجم التناقضات التى تحكم المجتمع من خلال النظرة المزدوجة للجسد، البطلة رسامة فرانكفونية من بيئة متحررة لكنها محجبة، وهى بهذا الجمع بين الفن والالتزام والرغبة والطاعة والفكر والجسد، إنما تكشف تناقضات شباب عربى يعيش متأرجحاً بين مجتمع منفتح على الحداثة والتطور والثقافة الغربية من جهة، وبين تصاعد التيارات الدينية المتشددة واستقطاب الفئة الشبابية من جهة ثانية، وهذا التأرجح بين العالمين المتناقضين لا يمكن إلا أن يولد صراعاً محموماً وجيلاً تائهاً غير محدد البوصلة.