الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

ماذا نريد من اليابان؟

ماذا نريد من اليابان؟
ماذا نريد من اليابان؟




أحمد عبده طرابيك  يكتب:

اليابان كما هو معروف عنها من أهم وأكبر الدول المتقدمة على المستويين الاقتصادى والتقنى، وفى الظروف الاقتصادية التى تمر بها مصر فى تلك المرحلة يكون جذب الاستثمارات، والحصول على القروض اليابانية بشروط ميسرة، وجلب السياح اليابانيين، عامل مهم جدا فى تنشيط القطاع الاقتصادى، ومنحه دفعة قوية مهمة لعملية التنمية الاقتصادية فى مصر، لكن هل ذلك ما تحتاجه مصر فعلا من اليابان؟
 لدى اليابان الكثير الذى يمكن أن تمنحه لمصر، ويكون أفضل من أى استثمارات أو قروض أو حتى منح وهبات، فعملا بالقول المأثور» أعطنى سنارة أصطاد بها الأسماك أفضل من أن تعطينى سمكة أسد بها جوعى»، فمصر تحتاج إلى الأخذ بأسباب التقدم الذى وصلت إليه اليابان، حتى صارت من أوائل الدول الصناعية المهمة والمتقدمة فى العالم، فالتجربة اليابانية التى بدأت بعد هزيمة اليابان فى الحرب العالمية الثانية، وخرجت منها منهكة القوة، لم تجد ما يطعم شعبها، ولكنها استطاعت أن تنهض من كبوتها رغم افتقارها الشديد للموارد الطبيعية ومصادر الطاقة.
يلخص السفير الأمريكى السابق فى طوكيو إدوين أشاور فى كتابه «اليابانيون» أسباب نهضة اليابان وتقدمها فى أمرين: الانتقام من التاريخ، وبناء الإنسان. فالانتقام من التاريخ يعنى تحدى الهزيمة ونسيانها، وتبديل الأيام التعيسة المؤلمة بأيام أخرى سعيدة تلؤها البهجة والسرور، وكتابة تاريخ جديد لليابان يشهد على تقدمها وازدهارها. وبناء الإنسان من خلال نموذج تعليمى وثقافى، ووضع نموذج اجتماعى قائم على الاحترام، احترام الآخر، وتقدير الكبير، واحترام المواعيد والنظافة والنظام.
تفتقر الجغرافيا اليابانية إلى الموارد الطبيعية بصفة عامة، سواء من حيث قلة الأراضى الصالحة للزراعة، أو من حيث ندرة الموارد المعدنية ومصادر الطاقة، ومن ثم فقد قامت النهضة اليابانية مرتكزة على عاملين، الأول هو فنون الإدارة التى تقوم على تطبيق مبادئ إدارة الجودة الكاملة، والعمل ضمن الفريق الواحد، وإتقان العمل الإدارى، وتحويل أى عمل صغير أو كبير إلى قيمة اجتماعية يقدرها جميع أفراد المجتمع ارتبطا بالثقافة اليابانية التى تقوم على الابتكار والتطوير، وتدريب الشخصية اليابانية على الانضباط وتقديس القانون وتقدير قيمة الوقت، واحترام النظام.
العامل الثانى للنهضة اليابانية هو التعليم، والذى يعد العامل الأساسى الذى ترتكز عليه النهضة اليابانية الحديثة، حيث يقوم التعليم على عنصرين أساسيين، أولهما: احترام دور المعلم فى المجتمع فى مختلف المراحل التعيمية، ومن ثم فإن المعلم يحظى بمكانة واحترام وتقدير لا مثل له بين الوظائف الأخرى.
 يهدف التعليم فى اليابان إلى البناء الكامل لشخصية الفرد، وتنمية حب الحقيقة والعدالة، وتقدير قيمة الآخرين واحترام العمل وتعميق شعور تحمل المسئولية والاعتماد على النفس والاستقلال، وتنمية الثقافة العامة من خلال الاحترام المتبادل والتعاون واحترام الحرية العلمية والحياة الواقعية، حيث يستمد النظام التربوى اليابانى أهم مقوماته من طبيعة المجتمع وروح الأمة واحتياجات الوطن، والتدريب على التفكير والابداع العملى، أكثر مما يعتمد على النقل والحفظ النظرى.
كما يعتبر التعليم هو المسئول الأول عن الحفاظ على الثقافة العامة للأمة، وليس وسائل الإعلام، ومن ثم تكون منظومة التعليم متكاملة ومستمرة مع الأجيال حتى بعد انتهاء مرحلة التعليم بمفهوما التنظيمى.
تكمن قوة نظام التعليم اليابانى ليس فى جامعاته، وإنما فى معاهده التقنية المتوسطة والعليا أيضا التى تمثل العمود الفقرى للنهضة الحديثة، حيث تعتمد تخصصات ومناهج وأسلوب الدراسة فى تلك المعاهد على احتياجات سوق العمل، لذلك تقوم هذه المعاهد بتقديم الممارسة العملية والتدريبية فى مختلف التخصصات التى تحتاج إليها الشركات والمؤسسات اليابانية.
ما تحتاج إليه مصر من اليابان هو الدراسة الدقيقة لأسباب التقدم والنهضة التى وصلت إليها، ومحاولة تطبيق ما يتناسب منها مع ظروف وثقافة المجتمع وقيمه، وخاصة أننا كمجتمع شرقى يدين أغلبه بالإسلام الذى أمر بكل ما هو نافع ومفيد للإنسان فى دنياه وآخرته، وفى مقدمة تلك التعاليم الإسلامية هو تقدير العمل، واحترام النظام وقيمة الوقت والالتزام بالمواعيد، والنظافة، والسلوك القويم المعادى للعنف والتطرف، والداعى لنشر ثقافة المحبة والسلام والتعاون. إنها قيم إنسانية راقية ترتقى بالإنسان والمجتمع وتنهض بالأمة والوطن.