الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

على سيد على: العالم الافتراضى ملىء بالأمراض والتناقضات المغرية بالكتابة عنها

على سيد على: العالم الافتراضى ملىء  بالأمراض والتناقضات المغرية بالكتابة عنها
على سيد على: العالم الافتراضى ملىء بالأمراض والتناقضات المغرية بالكتابة عنها




حوار – اسلام أنور

على سيد على روائى مصرى لديه حس أدبى مميز وعين مدربة على قراءة الواقع وتحليله عبر التقاط أدق تفاصيل الحياة والتى اعتدناها لدرجة أننا لم نعد نراها.. ويستعد لصدور روايته الجديدة «اتجاه المرج» عن دار ميريت والتى تدور أحداثها بين القاهرة وأسطنبول، يطرح على سيد على عبر روايته «الشهير بسراييفو» العديد من الأسئلة المهمة عن الدين والهوية ومنظومة القيم الحاكمة، متخذًا من مدينة الرب «الإسكندرية» مركزا للأحداث، ويقدم على صورة واقعية وصادمة عن المدينة « الكوزموبوليتانية» التى تظهر على مدار الرواية مستلبة ومهمشة وغائمة بلا بحر ولا تاريخ تعيش حالة من الضياع وسط طوفان الحداثة والعولمة والفساد وتجارة الدين والفقر والإهمال والقهر.. عن روايته الجديدة وأعماله السابقة دار معه هذا الحوار.


■ أشرت فى الرواية للدور الكبير الذى تلعبه التكنولوجيا والفضاء الإلكترونى فى حياتنا.. برأيك إلى أى مدى أزاح العالم الافتراضى من حياتنا الواقعية؟
- منذ ثلاث سنوات تقريبا صدر كتاب عن الهيئة العامة للكتاب يبدو من غلافه وعنوانه الذى لا أتذكره أنه يتحدث عن عالم الـ«فيس بوك»، صاحبة الكتاب التى لا أتذكر اسمها أيضًا، كانت مشغولة بالفضاء الإلكترونى إلى الحد الذى دفعها إلى اقتطاع وقت من عمرها لإعداد كتابها، ويبدو أنها لم تكن مشغولة فحسب، بل مهووسة إلى حد الجنون الذى ساقها إلى الادعاء كذبًا مصرعها فى حادث، لك أن تتخيل أنها فعلت ذلك، فقط، ليتردد اسمها فى مواقع التواصل الاجتماعى، وتُنسَج القصص حول حياتها ومشوارها القصير فى الكتابة. هى لم تكن تعنيها الحياة الواقعية، كانت تسعى لحياة أخرى افتراضية، تحقق فيها نصرًا، حتى ولو كان مؤقتًا، لا يستمر سوى أيام معدودة، وربما كانت فى حاجة ملحة للشعور بالاهتمام، فلجأت لتلك الطريقة. على أية حال، ما فعلته تلك الكاتبة يبين لك إلى أى حد أصبح العالم الافتراضى يحتل حيزًا ضخما من متن حياتنا، وإن اختلف تعاطى كل شخص معه بالطريقة التى توافق تكوينه النفسى والمعرفي، لذلك كان طبيعيا أن أشير إلى ذلك العالم فى «الشهير بسراييفو»، وحتى فى روايتى الجديدة، بطلى يلعن «الأندرويد» الذى دفعه إلى الامتناع عن قراءة الكتب فى المترو وجعله يتابع «الفيس بوك» من الموبايل، فيطالع منشورا لأحدهم يخبر فيه أصدقاءه بمرضه وشعوره بقرب موته، مُدعِّمًا ادعاءه بصورة «سيلفي» وهو مغمض العينين، متلحفًا بأغطية ثقيلة، واضعا كمادات فوق جبهته. بإيجاز: هذا العالم مليء بالأمراض والتناقضات المغرية بالكتابة عنها فى الأعمال الأدبية.
■  فى الرواية حضور طاغ للجنس.. إلى أى مدى صار الجنس هو المتنفس الوحيد الباقى للناس لتحقيق إنجاز ما فى الحياة يعوضهم عن إخفاقاتهم المتتالية ووحشية العالم وقسوته؟
- لم يكن الجنس طاغيا، كان حضوره ضروريا، تفرضه الحبكة الدرامية للأحداث والبناء النفسى لأبطالي، فـ«نادية» تعانى تشوهًا بفعل الختان، دفعها لتكرار خيانة زوجها؛ سعيًا وراء متعة تسمع عنها دون أن تصل إليها، وفى النهاية تلجأ إلى طبيبة علاقات زوجية لتكتشف سر مأساتها.. فهل كان لى رصد تلك التجربة دون التعرض للجنس؟
وهناك «أحمد سراييفو» إمام المسجد السلفى، المهووس بالعلاقات الجنسية عبر الفضاء الإلكترونى، وربما كان هوسه ذلك تعويضا، مثلما ذكرتَ، لإخفاقات تعرض لها، وربما كنت أسعى لإبراز زيف المجتمع المستتر بأقنعة النفاق الرخيص، من خلال الشيخ أحمد الذى حوّل سنة 2007 مكتب محاماة إلى مكان تُمارس فيه الدعارة، ثم أصبح بعد ذلك بطلا يحمله أهالى طوسون فى مظاهراتهم ضد محافظ الإسكندرية. كتبت تلك الأحداث فى 2010، وأتذكر أننى كنت أبتسم فى 2012 عندما أسمع أخبار البلكيمى وعلى ونيس، وغيرهما من الانتهازيين الذين يتعيشون على دماء الأوطان، مستترين وراء صيغة الإسلام السياسي، كنت أبتسم مسترجعا تفاصيل شخصية «سراييفو» التى كانت نموذجا شبيها بهؤلاء، حتى فى نظرتهم إلى الجنس.
■  رصدت أيضاً التناقضات الكبيرة المنتشرة فى المجتمع بداية من التدين الظاهرى مروراً بالكذب والنفاق والخيانة ووصلاً للبطولة المزيفة.. كيف انتشرت هذه الأمراض بتلك الصورة المفزعة؟
- بدأتَ سؤالَك بتسليمك بأننى رصدتُ تلك التناقضات والأمراض، وذلك يرضينى جدا، مثلما أرضانى من قبل أن يصف الناقد الدكتور يسرى عبد الله الرواية بأنها تكشف زيف المجتمع.. فأنا أرى دورى يبدأ وينتهى عند الرصد والكشف، المهم أن أفعل ذلك بطريقة فنية وجمالية ترضينى أولا، ثم أسعى لتنال رضا المتلقى.
■  قدمت صورة مغايرة تماما لمدينة الإسكندرية، فالبحر يبدو غائباً على مدار الرواية ولا يوجد حنين ونوستالجيا للمدينة القديمة متعددة الثقافات، بل هناك صورة صادمة تعبر عن إسكندرية اليوم حيث المناطق الشعبية والزحام والضجيج والفساد.. برأيك إلى أى مدى صار الواقع مخيفًا وكابوسيا نهرب للماضى خوفاً من مواجهته؟
- الواقع ليس مخيفا وكابوسيا، وإلا ما كنا نتحدث معًا الآن، ربما كان صادمًا فى كثير من تفاصيله، تلك الصدمات التى تحرك بداخلنا الأشياء، فأنا من مواليد القاهرة، نشأت فى أحيائها الشعبية، ولم أغادرها لأى مكان آخر أكثر من أسبوع، وكانت الإسكندرية بالنسبة لى ليست أكثر من محطة الرمل والشاطبى وخالد بن الوليد وسيدى بشر والمنتزه وغيرها من الأحياء التى تطل على البحر، حيث نتسكع فيها نحن القاهريين كلما ذهبنا فى إجازة.
فى سنة 2007 كنت أعمل فى موقع «كتب عربية»، وكان أول موقع للنشر الإلكتروني، وحدث أن تولت الشركة التى تدير الموقع، مشروعًا مدته عام بالإسكندرية بعيدا عن مجال النشر والثقافة، وقتها تهرب كل المرشحين للسفر، خاصة أن المقابل المادى لم يكن مغريا، ومع ذلك دفعنى شغفى بفكرة الإقامة فى الإسكندرية إلى الذهاب لمدير الشركة لأطلب منه نقلى إلى هناك، فوافق على الفور، وأقمت بمساكن الظباط بحى مصطفى كامل، قريبا من البحر، وفى الأسبوع الثالث وقعت الصدمة، عندما قادتنى المصادفة إلى حى الظاهرية، فاكتشفت إسكندرية أخرى غير التى عهدتها فى الزيارات الخاطفة بالإجازات، إسكندرية العشوائيات التى لا تختلف عن نظيرتها فى القاهرة، وربما كانت تلك الصدمة الدافع الأول لكتابة الرواية.
■ برغم أن الحكاية التى تدور حولها الرواية تنتمى للبناء التقليدى للدراما حيث الحبكة والبداية والوسط والنهاية لكنك استخدمت زمن سردى غير خطى واستخدمت أكثر من راو للحكاية، بداية بالمنولوج الداخلى وانتهاء بالراوى العليم.. كيف تتعامل مع تقنيات السرد وكيف تتأمل سؤال الزمن؟
- حاولت فى السرد أن أعتمد على التنوع وتوظيف ضمير المخاطب أنت، بما يحمله من قدرة أشد على المراجعة، ومساءلة الذات، وكشف أقنعتها الداخلية، فاستخدام ذلك الضمير يجعل من المروى عنه مروياً له أيضاً. أما عن الزمن، فاتكأت على توظيف ما يُعرف بالفجوات الزمنية، ففى المقطع التاسع ينفتح المشهد الروائى على توطد الصلة ما بين الشيخ أحمد ومساعده القواد حسن، والتى نكتشف فى ما بعد عبر تقنيتى الاسترجاع والاستباق خبر هذه العلاقة وأمرها، والمسكوت عنه زمنياً فى النص.
■ نعانى من أزمة كبيرة فى مصر وهى غياب المحرر الأدبى فى معظم دور النشر بالإضافة لرفض بعض الكتاب للتعامل مع فكرة المحرر الأدبى متى توافر.. كيف ترى هذه القضية وهل تدفع بعملك لدار النشر مباشرة بعد نهايته أم تعرضه على بعض الأصدقاء وكيف تتعامل مع النقد الموجه لأعمالك؟
- لا وجود للمحرر الأدبى فى دور النشر، وإن وجد فهو يقوم بدور المصحح أو المراجع اللغوى، يتدخل لتصويب أخطاء الإملاء والنحو فقط، أما أخطاء الأسلوب والمنطق فتبقى دون تغيير، لتمثل عقبة أمام تعاطى المتلقى للنص، فظنى أن المحرر الأدبي، على العكس من المصحح، يعتبر نفسه المتلقى الأول للنص، فيتدخل بتصويبات، ويبدى ملحوظات من شأنها إثراء النص أو إخفاء عيوبه.
أنا شخصيا، بعد ما يقرب من عشر سنوات قضيتها فى الصحافة، استقلت من الصحيفة اليومية الخاصة التى كنت أعمل بها، وبدأت العمل كمحرر أدبى فى إحدى دور النشر، وكنت أبدى ملحوظات أراها مهمة، كأن أرى تفاوتا بين العامية والفصحى فى حوار الشخصية الواحدة فى موقف واحد، أو أشير إلى خطيئة التكرار والحشو. ولكن فى النهاية، القائمون على الأمر لم يكن يهتمون سوى بتصويبى لأخطاء الإملاء والنحو واللغة، فتحولت لـ«مصحح» ولم أكن أريد ذلك، فعدت مجددا للصحافة.. لا يوجد نشر حقيقى فى مصر، ومن ثم لا وجود للمحرر الأدبي.
أما عن أعمالى، فأرسلها إلى أكثر من صديق قبل إرسالها لدور النشر، فأى كاتب يهتم بسماع رأى الآخرين فى عمله قبل دفعه إلى النشر، وأتعامل مع النقد بترحاب وسعادة يليقان بصاحب تُحفة فنية يسمع ملحوظات من أحدهم بعد أن ظل يحدق فى تحفته ثلاث ساعات.
■ «سراييفو» تبدو غائبة فى الرواية بينما تحضر بقوة تفاصيل الحياة اليومية فى حى «الضاهرية» الشعبى بالإسكندرية.. كيف ترى هذه المفارقة بين عنوان النص والمتن؟
- «سراييفو» هنا إشارة للشخصية وليس المدينة الأوروبية التى تعرضت لمجازر وحشية، ربما لذلك جاء العنوان «الشهير بسراييفو» وليس «سراييفو»، فالأول وراؤه شخصية، ليست حاضرة بقوة فى الرواية فحسب، بل هى الشخصية المركزية المحركة للأحداث، ومن ثم استحقت أن تظهر على غلاف الرواية.
■ يبدو من عنوان روايتك الجديدة «اتجاه المرج» أن فضاءها المكانى بعيدا عن الإسكندرية.. أين تدور أحداثها؟
- «اتجاه المرج» تدور أحداثها فيما بين إسطنبول والقاهرة، وفضاؤها الزمنى 24 ساعة، فكان الاتكاء على تقنية «الفلاش باك» ضرورة لاستدعاء تفاصيل 7 أيام قضاها بطلها الصحفى فى إسطنبول، بينما يواجه تحقيقا داخليا فى صحيفته بسبب فشله فى كتابة تقرير واحد عن حياة الإخوان هناك.