الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«جميلـــــة».. ثورة نسائية ناعمة على ذكورية شكسبير فى «ترويض الشرسة»

«جميلـــــة».. ثورة نسائية ناعمة على ذكورية شكسبير فى «ترويض الشرسة»
«جميلـــــة».. ثورة نسائية ناعمة على ذكورية شكسبير فى «ترويض الشرسة»




إعداد - هند سلامة

تصوير- روبرت الأمير

اعتدنا دائما فى تناول الأعمال الكلاسيكية، على الموافقة والتسليم، بوجهة نظر المؤلف، خاصة إذا كان هذا المؤلف، هو وليم شكسبير، ونادرا ما تخضع أعماله للنقد، والتأمل، من قبل معد النص المسرحى، لأن هناك من يتعامل مع هذه الجرأة، على أنها نوع من التعدى، على هذا الرمز الكبير، الذى يجب ألا تمس أعماله، من قريب أو بعيد، وهناك من يرى أن أعماله تحتمل، إعادة القراءة، والتأويل، وبين المدرستين، اختلف المخرجون سواء، على مستوى التناول المسرحى أو السينمائى، فى تأويل نص «ترويض الشرسة»، فهناك من ثار عليه، وهناك من خضع له ..

أما من الذين ثاروا عليه، كانت المخرجة والمؤلفة المسرحية الشابة مروة رضوان، والتى ثارت ثورة نسائية ناعمة، على النص الأصلى، فى عرضها الأخير «جميلة» بقاعة مسرح الغد، والذى تشابه مع «ترويض الشرسة»، فى الإطار الدرامى، أو فى بناء الأحداث، التى تدور حولها المسرحية، لكن جاء التناول، عكس النص الأصلى، على الإطلاق، ففى «جميلة»، انتقدت مروة، بسلاسة دون اللجوء إلى المباشرة أو الوعظ، فكرة ومنطق «الترويض»، فى حد ذاته، ففى معالجتها اعتبرت المرأة إنسانًا قويًا، لايستحق الإهانة بـ«الترويض»، فلا يصح اعتبارها حيوانا شرسا، نريد تحويله إلى آخر أليف، كما جاء بالنص الأصلى لشكسبير، فهنا تقول رضوان للمؤلف من خلال.. «جميلة»، أنه كان من الممكن أن يخضع كلاهما  للآخر، ليس عن طريق العنف والازدراء والاحتقار، لكن بالحب والود والرحمة، فالمسألة تتلخص فى تأدب الاثنين معا، وخضوع كليهما لرغبة الآخر، والسر يكمن فى..«الحب»، فعملا بمبدأ «إن المحب لمن يحب مطيع»، قامت رضوان بتفتيت مسرحية «ترويض الشرسة»، لتنسف بذلك ذكورية شكسبير، التى بنى عليها أساس رؤيته للمرأة، بضرورة ترويضها بالعنف والإذعان، لأنها فى رأيه، كما جاء على لسان بطل المسرحية «بتروكيو»، فى النص الأصلى، خلقت لطاعة زوجها طاعة عمياء، وليس من حقها التمرد أو الحياة، ومن ضمن جمله الحوارية، التى جاءت على لسانه، أثناء حديثه عن «كاترينا» الشرسة .. «إن هبة الريح العاصفة تذهب بالنار، وما حولها، وهكذا أنا بالنسبة لها، ستخضع لى لأنى عنيف خشن، ولن اتقرب إليها فى رقة الرضيع»، وفى موضع آخر يقول.. «فإنى أنا هو الذى خلق ليروضك، ويجعل من كيت الوحشة البرية.. قطة أنيسة كسائر القطط التى تألف البيوت»..، ومع كل هذا العنف وتعسفه ضد المرأة، لم يذكر لنا شكسبير سبب عنفها، منذ بداية العرض وحتى نهايته، فلم يكن هناك مبرر، لهذا العنف الشديد تجاه الرجال، ثم الخضوع المبالغ فيه لزوجها بشكل مفاجئ، ليس من باب الحب، بينما محاولة لكسب رضاه، أو تخلص من تعذيبه لها، بعد أن منع عنها الطعام، لأنه لا يلائمها، ومنع عنها النوم، ثم يمنعها من ارتداء الملابس الفاخرة، حتى تصبح كائنًا مسلوب الإرادة، وكأنه أراد أن يقول، بأنه ليس هناك ما يبرر عنف المرأة ضد الرجل، وطاعتها له فرض طبيعى، لا يحتمل الجدل، فأغلق على المتلقى التفكير، فى منطق وجود المبرر الدرامى لتمردها، وعنفها، لأنه ليس من حقها.. وبالتالى لم يكلف نفسه عناء، البحث عن سبب، فبدت وكأنها مجرد حمقاء، عادت إلى رشدها فى نهاية العرض!!
لكن فى «جميلة» وضعت المؤلفة، مبررا لهذا العنف المبالغ فيه ضد الرجال، لأن جميلة وهو اسم بطلة العرض، سبق وأن تعرضت، لصدمة عاطفية كبيرة، تسببت فى عقدتها الشديدة، وتعمدت المؤلفة، إطلاق هذا الاسم على البطلة، فى إشارة واضحة لجمالها الداخلى، الذى لا يراه ولا يشعر به، إلا شخصا استثنائيا، رغم حدة طباعها، ثم جمالها الخارجى، وهذه إضافة أخرى للنص، لأنها لم تستغله فى ترغيب الرجال، وتعاملت باعتبارها إنسانًا طبيعيًا، يستحق الحب والوفاء والاحترام، فهى لم تنشغل بلفت نظر الرجل إليها، رغم جاذبيتها، بل على العكس كانت تمقتهم جميعا، كى تصرفهم عن حبها، فى رغبة دائمة، للثأر والانتقام، فلم تسمح لرجل بالاقتراب منها، مما دفع والدها، رفض أى رجل، يتقدم لابنته الصغرى، حتى تتزوج الكبرى.    
ومن هنا بدأت لعبة رضوان، فى نقد وتمحيص عمل شكسبير، فبدلا من البحث عن رجل «يشكمها»، بالتعبير الدارج، قررت المؤلفة فى البحث، عن محب، صديق، مخلص، وعاشق حقيقى، ليس عاشقا لجمالها، بدليل أنه يعترف فى نهاية العرض، أنه أتى فى البداية، للعب والمراوغة، وكنوع من التحدى لسوء طباعها، لكنه بالفعل وقع فى غرامها، وأوقعها فى حبه، بالود والمطاوعة، وهكذا كان حاله أيضا مطيعا وخاضعا لأوامرها، وهكذا تتضح فلسفة العرض، ورسالته التى تتلخص فى الدعوة «للحب»، الذى تغاضى عنه شكسيبر، فى مسرحيته وأغفل دوره، وفعله الساحر فى إخضاع البشر، كما قالت فيروز، فى إحدى قصائدها الشهيرة عن الحب «يبكى ويضحك».. «غداة لوحت بالآمال باسمةً… لانَ الذى ثارَ وانقاد الذى جمحَ».. نجح العرض فى تلخيص، سر انصياع كل من الرجل والمرأة للأخر، لأنه كان مروضا لخلق الإثنين معا، وليس لها وحدها، وأكد على هزيمة منطق شكسبير، فى تناوله السطحى للمرأة بـ«ترويض الشرسة»، أمام هذا التناول الدقيق الشارح، للمشاعر الإنسانية، الذى قدم بحرفية وبساطة شديدة، سواء على مستوى الإخراج أو الكتابة المسرحية. ومن علامات الحب، الفوز بالسكينة والهدوء والاستقرار النفسى، وبالفعل تحققت، وبوضوح متكامل هذه المشاعر، بعرض «جميلة»، وكما جاء تركيز الكاتبة، على إحكام عقدة العرض المسرحية، أضافت أيضا لهذه العقدة المحكمة، عناصر بصرية، وصلت بها إلى غايتها النهائية، فى بلوغ الشعور بالسكينة، والبهجة، والراحة النفسية، فعند دخولك قاعة المسرح، يضعك ديكور الفيللا فى الحى الراقى بتصميمه وألوانه، والذى صممه محمود الغريب، فى هذه المشاعر، ثم تأتى الإضاءة لتضع بصمتها النهائية، على اكتمال أجواء العرض الحميمية، والتى صممها الدكتور عمرو عبد الله الشريف، وكذلك الأغانى والموسيقى لأحمد طارق يحيى، والاستعراضات لمناضل عنتر، فكل هذه العناصر امتزجت معا، وأخرجت عملاً مسرحيًا مبهجًا ومختلفًا.
شارك فى بطولة «جميلة» وفاء قمر، التى لعبت دور الشخصية الرئيسية، لكنها أخفقت كثيرا، فى استيعاب رسالة العمل، وبالتالى جاء أداؤها ضعيفًا، وبدا أنها فى حاجة إلى تدريب مضاعف، كى تتشبع بأفكار المخرجة، لأنها اهتمت بالأداء الخارجى للشخصية، على حساب إبراز مشاعرها الإنسانية المعقدة، ولعب أمامها دور البطولة مصطفى عبد السلام، والذى تراوح أداؤه بين قوى وضعيف،، وكان يقدم الشخصية فى بعض المشاهد، بأبسط مما ينبغى أن تكون، بينما جاء أداء ممثلى الأدوار الثانية، أقوى من الأدوار الرئيسية، وكان على رأسهم الممثل خضر زنون، والذى لعب دور الأب، استطاع خضر انتزاع الضحك من الجمهور، بأدائه السلس والبسيط، وكذلك كانت إيمان غنيم، التى لعبت أخت جميلة الصغرى، قدمت غنيم الشخصية، بحضور طاغ وبمهارة تمثيلية وحركية كبيرة، بدت وكأنها ممثلة مسرحية مخضرمة، ذات خبرة لا يستهان بها، وكذلك كان ميدو عبدالقادر، وعمرو كمال بدير، ومحمود خالد، وأحمد سالم، ونهلة كمال، ومايا ماهر، ومنة المصرى، كل هؤلاء تمتعوا بحضور كبير، وخفة ورشاقة أمام الجمهور، فى هذه القاعة الصغيرة، التى تكشف مهارة الممثل، بشكل أدق من خشبة المسرح، وهم جميعا أثبتوا كفاءة سواء على مستوى الحركة، أو التمثيل، وربما وقع عليهم العبء الأكبر، فى تحقيق التوازن بالعرض، خصوصا فى الجزء المتعلق، بجميلة نفسها، فمن خلال أحاديثهم عنها  ووصفها، أثناء غيابها، استطاع المتلقى، تكوين فكرة أدق، عن شخصيتها وتركيبتها المعقدة، أكثر من ظهورها بالعرض، فكانت كفة ظهورها فى أغلب الوقت غير راجحة..!!
«جميلة» يعرض يوميا بقاعة مسرح الغد، وحقق العرض، حتى اليوم أعلى إيرادات فى تاريخ المسرح، حيث تشهد هذه القاعة يوميا، إقبالاً جماهيريًا كبيرًا، العرض تأليف وإخراج مروة رضوان، وأزياء مروة عودة، وساعدها فى الإخراج هشام فاروق وتامر بدير، ومخرج منفذ محمد حسن رمضان.