الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ثقافة إدارة الأزمة

ثقافة إدارة الأزمة
ثقافة إدارة الأزمة




أحمد عبده طرابيك  يكتب:

تعتبر الكوارث الطبيعية قدراً محتوماً لا يمكن للبشر التحكم فيها، فالإنسان لا يمكنه منع وقوع الزلازل والبراكين والتسونامى والأعاصير وغيرها من الكوارث الطبيعية، ولكن يمكن للإنسان أن يستعد لاستقبال مثل هذه الكوارث، خاصة إذا كانت متكررة، أو تقع على فترات متباعدة، وذلك لامتصاص آثار تلك الكوارث والتخفيف من الأضرار الناتجة عنها، وتقليل الخسائر البشرية والمادية إلى أدنى حد ممكن.
أما بالنسبة للكوارث والحوادث البشرية، التى تنتج عن خطأ الإنسان مثل حوادث السيارات والقطارات والطائرات ومختلف وسائل المواصلات، والحرائق، وانهيار المساكن وغيرها من الكوارث التى تنتج عن خطأ بشرى، فإن التحكم فيها يكون أسهل بكثير من الكوارث الطبيعية، ومن ثم يمكن تقليل الخسائر البشرية والمادية أو منعها من الأساس إذا أحسن الإنسان الاستفادة من تكرار تلك الحوادث، ودراسة أسبابها بدقة وعناية، ومن ثم إيجاد الحلول التى تحول دون وقوع تلك الحوادث مرة أخرى.
تُعد اليابان من أكثر الدول تعرضا للكوارث الطبيعية، خاصة الزلازل وما ينتج عنها من موجات المد البحرى «تسونامى»، والتى كان آخرها زلزال شرق اليابان، الذى وقع فى 11 مارس 2011، والذى بلغت قوته 9 درجات على مقياس ريختر، وما تبعه من موجات تسونامى عاتية بارتفاع أمواج بلغ 39 مترا، حيث استطاعت تلك الأمواج من اقتحام مفاعلات فوكوشيما وضرب أنظمة التبريد، والتى كانت على مستوى منخفض قريب من البحر ما رفع درجة الحراراة داخل المفاعل، ومن ثم حدوث انفجار هيدروجينى أدى إلى تسرب كميات من المواد المشعة خارج المفاعل.
وقع زلزال آخر فى عام 1995 بمنطقة أواجي، وقد تسبب فى انهيار الكثير من المبانى والجسور فى مدينة كوبيه، الأمر الذى دفع الحكومة اليابانية لوضع معايير وقوانين جديدة لنظم البناء، بحيث لا يقوم أى مبنى جديد إلا بعد استكمال المواصفات الخاصة بمقاومة الزلازل، فى كافة أنحاء اليابان، وبعد زلزال مارس 2011، حيث أحدثت أمواج التسونامى أضرارا بالغة فى محطة فوكوشيما النووية، أعادت الحكومة مراجعة جميع إجراءات الأمن والسلامة فى كافة المحطات النووية، فشيدت جدارا بارتفاع 28 مترا أمام محطة هاماؤكا على المحيط الهادى وصممت بوابات فولاذية لحماية المفاعلات من أى تسرب للمياه، وأعادت تصميم أنظمة التبريد للمفاعلات.
التعامل مع الأزمات والكوارث والحوادث ثقافة يحرص عليها اليابانيون، تقوم تلك الثقافة على تحمل كل مسئول وكل فرد المسئولية عن القطاع وعن العمل المكلف به، وكل ما يقع به من مشاكل وأزمات، والعمل دائما بروح الفريق الواحد، والتعاون والتنسيق بين الجميع من أجل النجاح والارتقاء فى العمل، بالإضافة إلى الاستفادة من الأخطاء السابقة وعدم تكرارها مرة أخرى، إنها ثقافة ترتكز على الحفاظ على الإنسان باعتباره الهدف الأسمى الذى يعمل الجميع من أجله، فالكل يعمل من أجل توفير كل وسائل الراحة والأمان والسعادة للإنسان والارتقاء بآدميته، ولذلك تكون المدارس والأندية الرياضية والكثير من المؤسسات اليابانية مجهزة لاستقبال أعداد كبيرة من المواطنين وقت الأزمات والكوارث، حيث تحتوى على الأثاث والأغطية والمفروشات وغيرها من متطلبات الحياة.
تتضمن المناهج الدراسية فى كافة مراحل التعليم موضوعات عن زيادة الوعى بالاستعداد للكوارث والأزمات، كما يلعب الإعلام دورا هاما فى استمرار ذلك الوعى من خلال تقديم البرامج المتعقلة بتلك الأمور، فالإعلام وخاصة الحكومى المتمثل فى مؤسسة «NHK» يتحمل مسئولية التوعية والتثقيف المهني، الأمر الذى ينعكس أيضا على الإعلام الخاص ووسائل التواصل الاجتماعى فيكون الجميع على مستوى المسئولية، ولذلك ينشأ المواطن اليابانى ولديه ثقافة عالية بالاحتياط من وقوع الكوارث الطبيعية، وهذا ما ينعكس أيضا على سلوكه فى العمل الذى يترتب عليه اتقانه لعمله الذى يقوم به مهما كان نوع هذا العمل، لذلك قلما تجد كوارث أو حوادث ناتجة عن خطأ بشرى، نعم الخطأ البشرى وارد فى كل الأعمال، لكن اتقان الإنسان لعمله، وتحمل كل مواطن مسئوليته يقلل إلى حد كبير نسبة وقوع تلك الأخطاء، ومن ثم تقليل الحوادث والكوارث التى تستبيح الأرواح وتستنزف الأموال.