الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«جوزيف» وبناته ومعنى المواطنة

«جوزيف» وبناته ومعنى المواطنة
«جوزيف» وبناته ومعنى المواطنة




عاطف بشاى  يكتب:
يقول الخبر الذى نشر بجريدة الوطن أن أسرة مسيحية أجبرتها محكمة الاستئناف بالإسكندرية على اللقاء داخل مسجد تنفيذا لحكم أصدرته بالسماح للأب برؤية طفلتيه اللتين تعيشان مع طليقته مرة كل يوم جمعة من الثالثة مساء ولمدة 3 ساعات، وهو ما يعد أول حكم من نوعه والذى تسبب - بنص تعبير المحررة - فى إدخال العائلة المسيحية فى أزمة أكبر من مشكلة الانفصال وقضية رؤية الأطفال، خاصة أن الفترة المحددة للرؤية تتزامن مع صلاة العصر.
ويقول والد الطفلتين تعليقا على ذلك «أصابنى الذهول عندما سمعت الحكم والقاضى رفض الاستماع إلينا عندما حاولنا إقناعه بالسماح بالرؤية داخل كنيسة فى المنطقة نفسها».
وبعد (6) شهور من عدم رؤية بناتى اضطررت للذهاب إلى إمام المسجد للتحدث معه فأكد احترامه للقانون وتنفيذه حكم المحكمة، وفتح لى المسجد يوم الجمعة للقاء بناتى... لكن الموعد تزامن مع صلاة العصر واضطررت للبقاء أنا وبناتى أثناء تأدية صلاة لديانة أخرى... وناشد الأب الرئيس السيسى ووزير العدل ضرورة تغيير الحكم أو السماح له برؤية بناته فى مكان آخر.
توقفت عند عبارات الانزعاج التى أبداها أب الطفلتين وضيقه من تزامن ميعاد الرؤية مع صلاة العصر ودهشته لاضطراره للبقاء وبناته أثناء تأدية صلاة لديانة أخرى وتصعيده الأمر إلى حد الاستغاثة بالرئيس والوزير، كما استوقفنى تعبير المحررة أن مشكلة الانفصال بين الأبوين ومشكلة قانون الرؤية يمثلان أزمة أقل وطأة من رؤية طفلتيه فى المسجد.
وذكرتنى هذه الواقعة بقصة قصيرة بديعة للكاتب الكبير الراحل خيرى شلبى هى «قداس الشيخ رضوان» فحواها أن قسا وإماما لمسجد بإحدى القرى تربط بينهما صداقة قوية منذ شبابهما، والشيخ الذى يعشق الغناء والموسيقى يملك ورشة صغيرة للنجارة، تقع فى مواجهة الكنيسة وتصل إلى مسامعه التراتيل والألحان الدينية التى يطرب لها ويندمج متواصلا معها حتى صار يحفظها كما يحفظ «القداس» بكل تفاصيله والشيخ والقس يسهران سويا كل يوم فى منزليهما فى تسامر جميل الشيخ يغنى ويعزف على العود والقس يطلق النكات والطرائف ويتبادلان المجاملات العائلية الطيبة فى الأعياد والمواسم والمناسبات المختلفة.
وتحدث المفاجأة قبيل ليلة عيد الميلاد حينما تم نقل القس إلى كنيسة أخرى فى بلدة أخرى فيودع الشيخ وداعا حارا وتنتظر العائلات المسيحية بالقرية وفود القس الجديد ليؤدى صلاة العيد فى قلق وترقب، لكن حضوره يتأخر ويحل ميعاد الصلاة.
وإذا بالشيخ يدخل الكنيسة فى الوقت المناسب وإنقاذا للموقف مرتديا ملابس القساوسة ويبدأ فى تأدية مراسيم الصلاة بمهارة وثقة.. ويقود الشمامسة بل يقوم بالعظة ولما يحين الفجر ويرتفع صوت مؤذن الجامع ينهى الصلاة بالكنيسة ويسرع مهرولا فى اتجاه المسجد ليؤم المصلين..
لو أن الأخ «جوزيف» والد الطفلتين يتمتع بتلك الروح الجميلة السامية وينتهز الفرصة ويحول طاقة الغضب السلبية داخله إلى طاقة سماحة دينية، ونبل ونبذ للعنصرية ويعلم بناته أن حبهم للخالق لابد أن يتسع لحب الآخر... وحب الإنسانية بأسرها.
لو أن الأخ «جوزيف» تذكر أهمية أن ترتفع المواطنة فوق الطائفية، كما تذكر مقولة البابا تاوضروس - وإن اختلف الموقف - عند حرق الإرهابيين للكنائس: «سنصلى بالمساجد، المهم أن يبقى الوطن».
لو أن هذا حدث لصار لدينا أمل فى القضاء على الإرهاب.