الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«صالون القاهرة» الـ57.. مغامرة إبداعية تجاوزت الحدود

«صالون القاهرة» الـ57.. مغامرة إبداعية تجاوزت الحدود
«صالون القاهرة» الـ57.. مغامرة إبداعية تجاوزت الحدود




كتبت - سوزى شكرى

 

يعد معرض «صالون القاهرة» والذى تنظمه جمعية محبى الفنون الجميلة أقدم وأعرق نشاط فنى فى مصر حيث بدأت أولى فعالياته فى عام 1922 حتى توقفت الجمعية عن إقامته منذ عام 1989 لأسباب غير معلومة، إلى أن الجمعية التى يرأسها الفنان الدكتور أحمد نوار بإعادة إقامة الصالون وتقديمه بلمسة معاصرة للساحة الفنية ووضعه على الخريطة التشكيلية، ليعود الصالون فى دورته السابقة الـ56 عام 2013، ويأتى الصالون فى دورة جديدة مختلفة ومغايرة للمعتاد، وجاء تشكيل اللجنة العليا للصالون فى دورته الـ 57 برئاسة الدكتور أحمد نوار، وعضوية كل من د.رضا عبدالرحمن أمين عام الجمعية، د.صلاح المليجى عضو مجلس إدارة الجمعية، ود.ياسر منجى، وتم ترشيح د.عادل ثروت قوميسيرا والفنان سامح إسماعيل قوميسيرا مساعدا للصالون.
كما صاحب الدورة الأخيرة  ثلاث ندوات بمعدل فعالية كل أسبوع جاءت كالتالى: «فنون الميديا – فنون الرسم والتصوير - فنون النحت والخزف»، وقد أقيم المعرض بقصر الفنون بالأوبرا بدعم وتعاون من قطاع الفنون التشكيلية المتمثل فى رئيسه الفنان الدكتور خالد سرور الذى تعاون مع الجمعية باعتبارها مؤسسة أهلية وما بين القطاع كمؤسسة رسمية لصالح الفن والفنانين.      
منذ اليوم الأول للدورة الـ57 لصالون القاهرة تحول لأبرز الفعاليات الفنية تألقاً وجدلاً على الساحة حول فلسفة العرض، وعن آلية الترشيحات، وحول الأعمال المعروضة، حيث تعرض الصالون إلى هجوم يحمل بين طياته مقدارا من العتاب من جانب البعض، لم يقلل هذا الجدل بكل أنواعه السلبى منه أو الإيجابى  من قيمة وقدر القائمين على الصالون ولا من قيمة الفنانين المشاركين ولا من إبداعاتهم المعروضة، بل أصبح الجدل شريكاً بالمناصفة فى نجاح الصالون.
ثبات وجمود عناوين وتيمات الفعاليات الفنية أدت إلى  تعطش الفنانين الجادين للمشاركة فى فعالية لها مذاق فنى وفلسفى مختلف شكلاً ومضموناً، للتخلص من أمراض وفيروس التيمات العقيمة التى أصابت جسد الحركة الفنية، التى لا يلتزم بها الفنان ولا القائمون على الفعاليات فى أغلب الفعاليات الرسمية، حيث طرح قوميسير المعرض الفنان عادل ثروت قوميسير الدورة أن صالون القاهرة الدورة الـ57 مخصص لتقديم نماذج من الفنانين فى كل المجالات الفنية «الرسم والتصوير- النحت والخزف – الحفر- الفوتوغرافيا - التجهيز فى الفراغ» والذين بدأوا مشروعهم الفنى البصرى من فترة التسعينات ومازالو مستمرين إلى اليوم، ويمثلون توجهات فكرية وفلسفية وجمالية، حتى يقدم الصالون خطابًا فنيًا مختلفًا ومغايرًا للمتوقع، وهذا الطرح تطلب ترشيح الفنانين الذين تتفق أعمالهم مع فلسفة العرض.
وأكد «ثروت»: «أن عدم ترشيح كل فنانى فترة التسعينيات لا يعنى التقليل منهم، الجميع زملاء وأقدرهم واحترامهم، ولكن سيناريو العرض اعتمد على اختلاف الرؤى البصرية والفلسفية، مثل ترشيحات مجموعة من النحاتين مختلفين فى توجهاتهم يمثلون نموذجاً لحركة النحت المصري، وغير مقصود تجاهل أو تهميش أحد».
فجاء الصالون غير نمطى ويضم مغامرات بصرية من حيث الأساليب التقنية والمفاهيم الفكرية والفلسفية والتقنية التى تمثلت فى الأعمال المعروضة بكل المجالات الفنية، والخروج من النمطية أوقعنا فى مأزق وفخ فنى إيجابى يدعونا إلى إعادة التفكير فى كل الفعاليات الفنية التى تقدم بعد الصالون، المأزق الفنى والفخ يكمن فى التغير فى فلسفة العرض التى طرحها «ثروت» باختياره للحقبة الزمنية التى يمثلها فنانو الصالون - من بدأوا مشروعهم الفنى من فترة التسعينيات، لكن هذه الإيجابية جعلتنا نتساءل: هل تحديد حقبة زمنية واختيار مجموعة من الفنانين بالترشيح لتقديم تجربتهم الإبداعية فى عرض بانورامى يعد تمثيلاً حقيقيًا للفترة؟، وهو ما رد عليه الفنان د.أحمد نوار بدعوته للنقاد بقوله: «أدعو النقاد والمتخصصين لتقييم العرض بالصالون فنيا وفكرياً وإبداعيا فى ضوء فكرة المشروع المقدم من القوميسير».   
وقد تم منح كل فنان مساحة للعرض فى حدود 5 أمتار تقريباً، مما أتاح لكل فنان أن يقدم تجربته الجمالية بشكل متكامل، وبالتالى لا نستطيع القول أن الصالون «معرض جماعى» بل هو صالون يجمع معارض فردية لمجموعة من الفنانين أصحاب مسيرة ومشروع فنى بصرى.
الأعمال الفنية المعروضة قدمت إجابة منطقية على جزء من تساؤلنا بأن تحديد الحقبة الزمنية أثار حماس الفنانين، وتجسد حماسهم فى تقديم أعمال جديدة لم تعرض من قبل ومخصصة للصالون ومطابقة لفلسفة العرض وتعبر عن استمرار مشروعهم الفنى وتميزهم كل فى مجاله، باستثناء بعض الفنانين قدموا أعمالا فنية بعيدة عن مشروعهم الفنى الذى ميزهم ومنحهم شهرة طوال الفترة السابقة والذى من المفترض انه تم ترشيحهم على أساس هذا التميز، مثل الفنانة الدكتور إيمان أسامة التى رغم تفردها فى مجال الرسم والجرافيك  إلا أنها قدمت عملاً  فنياً فى مجال «تجهيز فى الفراغ» وتعد التجربة الأولى لها فى هذا المجال.
وعن تغيير الفنان لمجاله الفنى وحريته  فى تقديم نفسه أوضحت الفنانة الناقدة د.أمل نصر: أنه أمر مشروع لكل فنان، وأن التغيير يعنى المغامرة والتجريب بهدف البحث والكشف عن قيم بصرية جديدة، والتجريب هو جزء من العملية الإبداعية، والمغامرة جزء من الإبداع الحر، مجال «التجهيز فى الفراغ»  أو «فن الميديا» أو فى الأعمال المركبة فى الغالب من يتجه إلى هذه المجالات من مجالات فنية أخرى، ولكن التجريب ليس وسيلة للعبث أو الإثارة أو إحداث للصدمة وأن الانتماء إلى التيارات المعاصرة ذات النزعة التجريبية، لا يعنى تقديم فن خال من القيم، بل يعنى تقديم فن ينطوى على قيم جديدة».
استكمالا لنجاح صالون القاهرة جاء الكتالوج يمثل عرضا بصرياً مطابقًا للأعمال المعروضة وهذا نادراً ما يحدث فى كتالوجات الفعاليات الفنية، الفنان سامح إسماعيل بصفته فنان تشكيلى مميز فى التشكيل بالحرف والقوميسير المساعد للصالون فى الدورة الـ 57  قد صميم شعار الصالون بفلسفة فكرية لفت أنظار الجميع، كما أشرف «إسماعيل» على إعداد الكتالوج وتصميم صفحاته التى ذكر فيها كل فنان مضمون وفلسفة عمله المعروض، قسم الكتالوج إلى «تصوير – النحت – جرافيك ورسم – تجهيز وعمل مركب – الخزف – الفوتوغرافيا» وهذا جعل الكتالوج يحمل صفة كتالوج توثيقى صادق، بالإضافة لإشراف «إسماعيل»  ومساهماته مع « ثروت» القوميسير و تحمله التحديات فى تنسيق عرض الأعمال بقصر الفنون، وتلافى كل العيوب المعمارية بالقصر والتى سبق وأن ذكرناها، ومن الجانب التنسيقى  ولم يشك فنان عارض من مكان عرض أعماله، إلا أفراد لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، وهذا يعد إنجازًا فى التنسيق مقارنة بأن العارضين 70 فناناً، وطالب «إسماعيل» أن يصاحب الصالون حركة نقدية أمينة تستعرض وتحلل أهم سمات الحقبة الزمنية التى طرحها الصالون.
ومن أحد المآزق التى أوقعنا فيها القائمون على الصالون، من تختار للكتابة عنه من الفنانين المشاركين، صفة وسمة عامة للصالون أن الأعمال تحمل قيمًا أخلاقية وأدبية بجانب القيمة الفنية والجمالية، تتمثل فى احترام الفنانينً للفن واحترامهم لمشوارهم الفنى، ونحن نتفق مع تصريح  « ثروت» قوميسير المعرض بأن الفضل فى تألق ونجاح الصالون يرجع إلى إبداعات  70 فنانًا وفنانة».
ومع كل هذا التألق للصالون حدثت أزمة نقدية محدودة بشأن عمل فنى  يحتاج إلى معايير ومرجعيات للتقييم سلباً أو إيجابا والمقارنة الموضوعية والحيادية لتوضيح الحقائق، وهذا ما نطالب به فى كل الأزمات التى يشاع فيها التشابه بين الأعمال الفنية أن يكون النقد والمعايير هو الفيصل والحكم.
أحد الأعمال الفنية المعروضة فى مجال «التجهيز فى الفراغ» للفنانة والدكتورة إيمان أسامة بعنوان «اللحظة الأخيرة فى الجنة»،  البعض يرى أن العمل قريب وبه نسبة تشابه كبير مع عمل الفنانة الراحلة «آمال قناوى» الذى كان بعنوان «الذاكرة المجمدة».
عمل الفنانة «أسامة» استدعى للوسط الفنى بأكمله عمل الفنانة الراحلة «قناوى» واعتبر الفنانون والنقاد أن بين العملين تشابهًا، ولكن اختلفوا فى تفسير وتوضيح هذا التشابه، البعض يرى أن  التشابه يصل إلى حد التطابق فى المضمون وفى العناصر، وآخرون يرون أن التشابه فى المفردات أمر معتاد وطبيعى فى الأعمال الفنية، ولا يعنى إعادة استخدام نفس العناصر التطابق الكامل بين العملين، وأن المفردات الفنية ليست حكراً على أحد، ولو أننا بحثنا فى تاريخ الحركة الفنية  محلياً وعالمياً سنجد الاقتباس والتأثر والتأثير والتقارب بين الأعمال موجود ويصعب تحديد مصدر المفردة، التشابه فى العملين يأتى فى المفردات وهى الفستان والإضاءة والفراشات والفاترينا والريشة وغيرها، وهذه مفردات طرحت فى أعمال فنية كثيرة ومنذ فترة السبعينيات، لكن المهم طريقة التناول والتنفيذ هكذا جاءت آراء الفنانين والنقاد.
ومن جانبها أوضحت الفنانة «أسامة» قائلة إنها تعرضت لهجوم عنيف واتهامات على شخصها وعلى عملها الفنى بدون مرجعية نقدية أصلية تتصف بالنزاهة، وأنها تحترم ثقافة الاختلاف فى الآراء حول الأعمال الفنية، كما وجهت «أسامة»  كل الاحترام للفنانة الراحلة «قناوى»،  وكانت «أسامة» قد ذكرت بجانب عملها فى الصالون مضمون العمل: «أنه عمل تجهيز فى الفراغ  من خلال تجميد لحظة من الزمن من خلال تصميم ما يشبه إحدى قاعات العرض المتحفية تضم مجموعة من الآثار والبقايا وعناصر اللحظة الافتراضية المطروحة فى فكرة العمل الفنى وهى لحظة رومانسية فى المقام الأول».
ولكن الأمر اختلف تماما من جانب أسرة الفنانة الراحلة «آمال قناوى» التى لم تقتنع بكل الآراء السابقة أن المفردة الفنية متاحة ولا ترتبط بشخص بعينه، واعتبرت الأسرة أن كل الآراء توجهت فى سياق المفردة الفنية أنها ليست حكرًا على أحد، ولكن لم يدل أحد برأى واضح ومحدد يخص توزيع المفردات وهل أدى إلى تشابه فى المضمون على حد قول الأسرة.
حيث تقدم كل من الفنانة  نهلة قناوى والفنان عبدالغنى قناوى أشقاء الراحلة وهم من رافقوا الراحلة فى كل أعمالها، تقدموا  بشكوى إلى نقابة التشكيليين وإلى جمعية محبى الفنون الجميلة وإلى قطاع الفنون التشكيلية مطالبين بالتحقيق، وقد وصفت «نهلة قناوى» فى الشكوى أن عمل الفنانة «أسامة» مقتبس ومقلد من عمل شقيقتها الفنانة الراحلة «آمال قناوى» بدءًا من المفردات وصولا بالمعنى والمحتوى والمضمون، وأن التشابه يكمن فى كل التفاصيل، والمفردات المتشابهة هى «الفستان– إنارة الفستان - الفراشات - القلب – والريشة - بالإضافة إلى عنصر الترابيزة أو الفاتنرينا التى استخدمتها الراحلة آ«مال»  لتعبر عن حفظ الذاكرة، وأيضا استبدال العناصر بغيرها مثل الفاترينا بداخلها ماسك ولكن «آمال» استعانت لانعكاس ملامح وجهًا داخل الصندوق،  كما ذكر فى الشكوى عده تفاصيل أخرى كثيرة لوجود تشابه، أن الفنانة إيمان أسامة أطلقت على عملها كلمة «لحظات مجمدة» أما آمال قناوى أطلقت على عملها «الذاكرة مجمدة»، وطالبت الأسرة فى نهاية الشكوى بسرعة الاستجابة من الجهات المعنية حتى لا تضيع الحقوق مع الاحتفاظ بحق اللجوء إلى الجهات القضائية.