الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هقتلك.. وأجيب الهلباوى

هقتلك.. وأجيب الهلباوى
هقتلك.. وأجيب الهلباوى




على الشامى تكتب:

المقولة السابقة كانت مقولة دارجة فى الشارع المصرى ولفترة طويلة فى بدايات القرن العشرين، أما الهلباوى فهو ابراهيم الهلباوى المحام الشهير أما اطمئنان القاتل لخروجه «زى الشعرة من العجين» فذلك لأن الهلباوى محام مفوه وخطيب ماهر يسحر الألباب بمرافعاته، ويجعل أحكام القضاة تميل إلى موكله لا محالة.
المفاجأة أن الهلباوى هو محام الإنجليز فى حادثة دنشواى وربما تكون الجملة على سبيل تلميح مبطن للظلم الذى أوقعه الهلباوى على المتهمين المصريين من ابناء قرية دنشواى أو سخرية مريرة لما فعله الهلباوى فى حق بنى وطنه وقبوله المرافعة عن الإنجليز المعتدين ضد المصريين المعتدى عليهم -  طبقا لجميع الروايات التاريخية عن الواقعة -  المصريون إذن وضعوا حكمتهم الفريدة فى جملة واحدة مفادها أن الهلباوى كان رجلا عالما فى مجاله لا يشق له غبار مشهود له بالخبرة والكفاءة لكنه مال عن الحق واستخدم هذا العلم فى الشرور.
فالرجل ذو الخبرة المهنية والوطنية الشديدة قبل الحادث الأثيم فى دنشواى والذى كتب عنه العقاد مادحا إياه كثيرا تحول بعد الواقعة إلى شخصية أخرى مغايرة العلم إذن بحاجة الى أخلاق و الأمم الأخلاق ما بقيت، والأخلاق ليست يافطة أو لوحة إعلانات وإنما هى سلوك و ليست مباهاة أو «شو إعلامى» وانما هى فعل نبيل صادر عن نفوس نبيلة، والشارع المصرى يعانى من أزمة أخلاق حقيقية والمصريون تعودوا أن البلد مش بلدهم، وأن خيرها لغيرها حتى بعد زوال الاحتلال ولما تولى أمر البلاد مصريون لأول مرة من ألفى عام سقطت البلد فى دوامة أخرى فالنهب صار منظماً وممنهجاً من السادة الحكام، وبطانتهم وأصبحت أموال المصريين المنهوبة فى الداخل لأول مرة فى التاريخ تنهب إلى الخارج وأصيبت بنوك سويسرا بالتخمة من أموال طبقة الحكام والمنتفعين وأصبح المصريون يمارسون العنف السلبى والإيجابى ضد الدولة وأملاكها، على اعتبار أنها ليست أموالهم واللى ييجى منهم أحسن منهم وأى حاجة تيجى من وشهم، وأصبحت القمامة مكدسة فى الشوارع والألفاظ النابية تتحرك فى الأجواء بدلا من نسيم الهواء.
هلباوى اخر غير الهلباوى المحامى - الذى أكسبه المصريون لقب جلاد دنشواى ولم يفلح عبر سنوات طويلة وكذلك لم يفلح تاريخه الوطنى السابق لهذه الواقعة فى إزالة هذه الوصمة – الهلباوى الآخر هو محمد نجيب الهلباوى، وهو أحد الشباب الثوريين والذى آمن مع رفاقه بأن الجهاد المسلح ضد الاحتلال والمنتمين إليه من العملاء والخونة هو الطريق الأمثل، وهو التعبير الوحيد عن الوطنية وحكم عليه بالحبس حتى تدخل سعد زغلول للافراج عنه وخرج متوجها إلى الإنجليز ليكون من أهم عملاء الإنجليز وناقل أسرار زملائه إلى الأعداء، ولقبه الإنجليز بمستر اتش، هذا التحول الشديد يدل على انكسار بعد تجربة السجن لأن التجربة سبقها مراهقة ثورية، فانقلبت بشكل درامى ملفت وكثيرون من سكان السجون والمعتقلات السياسية  أبرياء تنتهك براءتهم وتختلط مفاهيمهم خصوصا إذا لم تكتمل التجربة ولم تنضج لكن من يفهم!
والظلم يقتل الانتماء ويربى فى النفوس الكراهية والكراهية تولد العدوان والعدوان يكسر كل القواعد الأخلاقية فى أى مجتمع لصالح امتداد النقائص والرذيلة كورم خبيث ينتشر بتؤدة وعلى مهل فى جسد الوطن، وسيتحول المصريون من رجاء سنوحى للفرعون أن يسمح له بالعودة إلى وطنه ليدفن فى ترابه إلى دفن امالهم فى تراب الوطن والرحيل أو القبول بدفن كرامتهم فى هذا التراب وساعتها لن تجدى حملات المنمقين من ساكنى الأبراج العاجية لنشر الأخلاق وتدريجيا ستجد ألف هلباوى يخرج القتلة من السجون ويودع المقتول فى نفس الزنزانة.