الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يوسف زيدان :عقول المصريين تعانى من« الأوهام»ونعيش فى «دولة الخيبة »




 
بحث ومفكر وأديب، وله بحوث علمية فى الفكر الإسلامى والتصوف وتاريخ الطب العربي، وهو متخصص فى التراث العربى والمخطوطات، ومدير مركز ومتحف المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، تثير إصدارته دائما الجدل والنقد الذى يصل أحيانا إلى حد الهجوم، هو مبدع «عزازيل»، و«ظل الأفعى»، و«محال»، و«اللاهوت العربي»، و«النبطي»، يعتمد فى كتاباته وآرائه على المرجعية التاريخية والتراثية، تحاورنا معه وكشف لنا عن الحقيقة الغائبة من العقل المصري، إنه الدكتور يوسف زيدان، فإلى نص الحوار.
 
 
 
■  ما رأيك فى الخطاب الدينى سواء كان خطاباً إسلاميا أو خطاباً مسيحيا؟

 
- فى البداية لابد أن نوضح بعض الكلمات قبل أن نستخدمها، الكثير يستخدم كلمة الخطاب استخدام خاطئ، فى كل بيان إنسانى نص هو الكلمات والحروف، والخطاب هو المعنى البعيد فى النص، وداخل هذا النص أفكار عامة هى التى نسميها الخطاب ولكن لا يوجد خطاب دينى واحد فى الإسلام ولا فى المسيحية ولا فى اليهودية، كل دين له نص مكتوب، فى الإسلام يوجد النص القرآني، وفى المسيحية يوجد الإنجيل وأعمال الرسل، فى اليهودية يوجد التوراة، النص الدينى من طبيعته يقبل تفسيرات مختلفة ويقبل التأويل، والتأويل يعنى صرف الكلام إلى معنى تحتمله العبارة، ولا يوجد تأويل واحد ولا تفسير ولا رؤى واحدة للنص الديني، لذلك تختلف المذاهب والاتجاهات التوجهات الدينية.

 
هذا الاختلاف للنصوص الدينية المقدسة، يحدث بسبب اختلاف أصحابها فالناس ليسوا  كلهم متشابهين، هناك اختلاف فى  درجة التعليم فى الأهداف، وفى الطريقة التى يعيش الشخص أو الجماعة، كل هذا ينعكس على  التأويل والرؤى، وبهذا الاختلاف ينتج تنوعاً كبيراً فى أنماط التدين، وفرق كبير بين الدين والتدين ، وإنما جوهر الدين فى الإسلام  والمسيحية واليهودية هو جوهر واحد، وإن اختلفت مظاهر التدين.
 
 
وما يحدث  اليوم مثلا فى الفضائيات من شيوخ أو قساوسة  هذا ليس خطاباً دينياً وإنما هو مجرد دعاية لاتجاهات فنجد قنوات للسلفيين، وفى قنوات لجماعة الإخوان المسلمين وقنوات للصوفية، وأيضا للمسيحية نجد قنوات أرثوذكسية أو كاثوليكية لا يعنى هذا أن نعتبر ما يقال هو خطاب ديني، وأيضا لا نستطيع أن نضع كل هؤلاء فى سلة واحدة.

 
■  هل ترى أن هناك تأثيرا للخطاب الدينى فى إحداث فتن طائفية؟
 
- لا هذا تفسير خاطئ، لا أظن أن هناك معركة حقيقية بين أنماط التدين الإسلامية والمسيحية، ولكن بالتأكيد هناك أغراض خفية، وأصحاب مصالح وأشياء تحدث غير مفهومة، فمثلاً فى الأيام الأولى للثورة اختفى مفهوم الفتنة الطائفية.. رأينا أن الكنائس لا تتعرض لأى أذى، ولا يوجد أحد يحرسها، وهذا يفسر أنه  لو كان يوجد خطابا موجها بالضرر، كان ظهر فى وقت الانفلات الأمني.
 
الغريب مع رجوع حالة من الاستقرار والضبط الجزئى فى المجتمع المصرى ظهرت قصص مثل « أين أختى كامليا « وإحداث الكشح وغيرها،والتى تصدرها بعض المشايخ باعتبارهم مصلحين ثم صار لهؤلاء المشايخ ثقل سياسي, إلى أن أصبحت التيارات الدينية طرفاً فى المشهد السياسي.
 
 
واعتبر أن الفتنة الطائفية فى مصر كلها هى صناعة حكومية موجهة، ويتم التعامل معها بمفهوم الإدارة بالأزمات، لأنها أزمة مصطنعة يروج لها إعلاميا لتجذب أنظار الشعب،وتحقق مكاسب سياسية، لذلك نجد هذه الفتن تشتعل سريعا وتختفى سريعا حسب ما يرغب صانع الأزمة.

 
ودليل افتعال أمثال هذه الأزمات عندما حدثت مجزرة الدير البحرى فى الأقصر 1997 كان رئيس جهاز أمن الدولة الذى أصبح وزير الداخلية بعد المجزرة هو حبيب العادلي، وضابط أركان الحرب الذى طارد الإرهابيين هو الفريق سامى عنان، ثم بعد فترة شهرين حضر جمال مبارك إلى مصر، كما تمت أحداث كنسية القديسين بالإسكندرية قبل الثورة بنفس السيناريو.

 
■  كثيرا ما تذكر «أن عقول المصريين بها الكثير من الأوهام»، ماذا تعنى؟

 
- بالفعل أوهام كثيرة جدا، قريبا سوف يصدر عن دار الشروق كتابى الجديد، هو أحد كتبى الثلاثة  بعنوان «السباعيات»، واحد من هذه الكتب بعنوان «سباعية التوهم» وكل فصل فى الكتاب سوف يصحح ما فى العقل المصرى من أوهام أو قناعات خاطئة رسخت فى الأذهان، مثل ماتم فى فتح مصر فى عهد عمرو بن العاص، وفتح الأندلس وغيرها، وأرجو أن يحدث هذا الكتاب وعيا جديدا، وأستطيع أن أقول مطمئنا أن جزءا كبيرا من الوعى التاريخى المصرى أو الموجود الآن فى العقل العام عن التاريخ هو خطأ، وبالتالى لا يستطيع الناس الحكم على الواقع بشكل رشيد، لأن وعيهم مشوه، بمعنى إذا حاولنا فهم الواقع المعاصر دون القراءة المتعمقة فى التاريخ، فلن نفهم ما يحدث حولنا، لأن الواقع الذى نعيشه هو نتاج لسلسلة من مراحل التاريخ السابق، وهو ما نسميه «التراث».

 
■  ما رأيك فى ردود الأفعال فى مصر والدول العربية حول الفيلم المسيء للرسول؟

 
- ليست هذه المرة الأولى التى وجه للرسول إيذاء، الإيذاء ممتد منذ عهد النبوة الأولى، ولكن كان فى الماضى أسلوب التعامل مع الإيذاء حضارياً، وإنما ما جرى من ردود الأفعال فى ليبيا وقتل السفير الأمريكي، وما حدث من مظاهرات فى مصر وفى الدول الإسلامية بآسيا، اعتبره جهلاً، وهذا الجهل هو سبب الاستخفاف بالمسلمين الذين مع الأسف يستحقون أن يستخف بهم، اعتبر إن رد الفعل ضد هذا الفيلم هو نوع من عدم الفهم.
 
 
لو رجعنا للتاريخ سنجد أن إيذاء النبى بدأ منذ نزول الوحى عليه، فلماذا يندهش المسلمون حين يهاجم النبي، فالكفار حين هاجموا الرسول أنشدوا شعرا ضده، وألصقوا به صفات سيئة، لكن الله قال فى كتابه العزيز «إنا كفيناك المستهزئين»، وهناك آيات لا حصر لها.
 
 
وأثناء الحملات الصليبية حدث نزاع عقائدى بين المسلمين والمسيحيين، شكك المسلمون فى صلب المسيح، وشكك المسيحيون فى صدق النبى محمد، وحين وجد الإمام البوصيرى الهجوم يشتد على النبى كتب قصيدة أسماها «البردة»، ليلفت أنظار الناس إلى الطريقة التى يجب التعامل بها حين يهاجم النبي، وفى القرن العشرين حدث هجوم على النبى وعلى الإسلام حيث، كتب أحمد شوقى قصيدته «نهج البردة» هكذا كان التعامل مع الإيذاء احدث أدبا وشعرا وارسى ثقافة التعامل مع الإيذاء.

 
■  تحدثت عن «عمليات إلهاء منظمة للمصريين» ماذا تقصد بهذا؟

 
- الثورة المصرية ثورة شعبية أصلية، قامت لتحقيق المفهوم العميق والحقيقى للثورة، ولكن تم اللعب والعبث بها وتحولت إلى «فورة» ثم إلى الخيبة العامة، بالتأكيد موقعة الجمل هى أولى عمليات الإلهاء العام ولا نزال إلى اليوم نشهد عمليات إلهاء مستمرة، وأقصد بالإلهاء أن يحدث فعل غير مفهوم ويروج له إعلاميا وهو ليس له أساس من الصحة، فـ«موقعة الجمل» مثلا تطرح تساؤلات كثيرة، كيف خرجت هذه الجمال والحمير وجاءت من الهرم إلى ميدان التحرير، ولم يستوقفها أحد، وما المقصود من هذا الحدث؟ ما الذى يفعله الجمل فى الميدان؟ بالتأكيد سوف يسبب فى نزول وحشد أعداد أخرى من الشعب، وهذا تخطيط مقصود، لم يتم محاسبة المتسبب فيها إلى الآن.

 
■  وماذا غير موقعة الجمل فى عمليات الإلهاء؟

 
- الثورة فى الأساس لم تقم ضد الدستور ومواده، ما يحدث الآن من جدل حول الدستور هو إلهاء مستمر ولعب رخيص ومسرحية هزلية، اعتراضنا كان على مادتين معينتين (76، 77) وهما  مواد تعطى صلاحيات غير منطقية للرئيس، الدستور لا يلزمه إلا يوم واحد، وهذا الجدل الوهمى حول الشريعة أو الدين هو عبث وملاعبة بالعقل المصرى العام، الثورة قام بها الشعب المصرى هو شعب متدين، ولا يحتاج من يعلمه الدين.

 
كل هذا تشويش على العقل المصري، أنا أخشى على المصرى الصادق الحقيقى لأنه يواجه مؤامرة هذه الفترة، يسأل عن انتمائه الديني، مثل هل أنت إخوانى ولا سلفى ولا مسيحي، ولا يسأل عن مصريته، وهم البسطاء الذين يصدقون الدعاة الذين يقدمون لهم الخدمات هؤلاء الذين استخدموا الدين سياسياً.

 
■  علمنا أنك قاطعت انتخابات الرئاسة .. فلماذا؟

 
- شاركت فى الانتخابات البرلمانية، عندما كان عندى أمل عظيم أن تستعمل مصر عقلها وأن تكون الجماهير على مستوى الوعي، وقلت إن للديمقراطية داء ودواء، داءها هو سطوة الطبقات الجاهلة غير المثقفة وغير الواعية، وقد ذكر أفلاطون «إن الديمقراطية هى أسوء أنظمة الحكم»، لأنها تعطى فرصة للجهلة تصدر المشهد، وقلت للثوار أحذروا من فقدان بوصلة الثورة.
 
 
حتى انتخابات الرئاسة أيضا إلهاء، لأن الحديث عن انتخابات الرئيس بدأ قبل وجود دستور يحدد مهام الرئيس فقررت مقاطعتها، كيف تعلن عن وظيفة رئيس جمهورية دون أن نحدد الشروط المطلوبة لها، ورأينا كم عدد الذين سحبوا استمارات للترشيح، ورأينا مغنياً هزلياً يغنى فى الكباريهات يرشح نفسه، وأيضا من يدمنون المخدرات، ولهذا الهرج قاطعت.

 
■  بحسب قراءتك العميقة للتاريخ ما هو وصفك لفترة الستينيات، وفترة مبارك، ومصر الآن؟

 
- فترة يوليو 1952 كانت كارثة على تاريخ مصر رغم ما أنتج من مشروعات مثل السد العالي، وجزء من العدالة الاجتماعية، لكن فقدنا مقدرات مصر وانهار وضع مصر الاقتصادى والثقافى والاجتماعي، وتدهورت العملة المصرية، ورأينا كيف ضرب «السنهورى باشا» أهم شخصية قانونية فى القرن 20، وكيف هاجر العلماء إلى أوروبا وكيف ذبح نجيب محفوظ، وكيف حاصر طه حسين.

 
أما دولة مبارك فهى دولة النهب المنظم الشرس، والآن نعيش «دولة الخيبة» لأنها انحرفت عن المسار، وإهدارنا لحظة مجيدة فى تاريخ مصر.. العقل الجمعى فى حالة خبل.

 
■  وماذا عن التيارات الليبرالية هل يمكنها استعادة مسار الثورة؟

 
- وصف «الليبراليون» وصف مضحك، لأن بصراحة الليبراليون فى مصر كل ما يهمهم اللمعان الشخصي، ولا يوجد اتجاه واحد فى مصر اسمه «الليبراليين»، ولكن توجد أشخاص ليبرالية، بعكس الإخوان هم جماعة وحزب.

 
■  هل هذا يعنى أن مصر سوف تصبح دولة إخوانية؟

 
- نحن فى حكم سياسى توسل إلى الدين للوصول إلى السلطة، وبدأ سياسياً وسوف ينتهى بعد عشرات السنين أيضا سياسيا، وما يحدث ليس إلا حنين إلى الماضى ولكن الزمن لا يعود إلى الوراء، وكم فى التاريخ من مواقف متشابهة، وكلها تتوقف عند مرحلة الشعارات، ولم تستقطب مصر إلى إن تكون دولة أخرى ستظل مصر.

 
■  حدثنا عن اختياراتك لمشروعاتك الأديبة.. ولماذا تعتمد فيها على التاريخ والسياسة؟
- الزمن جسر ممتد بين الماضى والمستقبل، أما الحاضر فهو بوابة عبور متتالية، قد أشارت فى روايتى «محال» إلى استحالة الإمساك باللحظة الحاضرة.
 
 
هذا الجسر الممتد بين الماضى والمستقبل هو رحلة بحث عن الجوهر الإنسانى بتجلياته المختلفة، وتناقضاته وأحلامه، ورغباته، كل هذا جعل الإنسان مركب بالغ التعقيد، ولا تنهى تجلياته، وليس التاريخ فقط السياسة والمجتمع والاقتصاد والفلسفة هذه كلها تجليات تطلقها الجماعة الإنسانية، ومن الصعب فصل هذه العناصر عن بعضها.