الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صور حزينة من بلدى مصر

صور حزينة من بلدى مصر
صور حزينة من بلدى مصر




هشام فتحى  يكتب:

سرد لى قصة ابنه الصغير إذ استوقف هو ومجموعة من أقرانه ابن الجيران المسيحى بالقرية البعيدة، صبى صغير ألجأوه للجدار آمرينه أن ينطق بالشهادتين حالا وإلا ضربوه، توسل الصبى إليهم أنه لا يمكنه فعل ذلك، ولا يريد، وأهله يغضبون منه فهم يرفضون ذلك أيضا، يوسعونه لكما وبكسا (من البوكس)، يبكى الصغير فى أيديهم ولا رحمة!
لا أعرف كيف انتهت القصة، هل قام والد الصبى المسيحى بإبلاغ (السلطات)؟ أم أنه أكفى على الخبر ماجوره كالعادة؟ المهم أن هذا الولد داعشى المزاج لما بلغ مبلغ الرجال ودبت فى عروقه غرائز الشباب استوقف يوما بالطريق ولدا وفتاة كانا متواعدين للقاء و(هات يا ضرب) فى الولد، قال إيه (لتغيير المنكر)، وإزاى بنت الجيران تمشى مع شاب غريب.
حكى لى والده القصة معلقا أن ابنه شعر بالغيرة من قرينه المعجبانى فقرر (تغيير المنكر باليد) شعور نفسى بالعجز ينقلب شعورا دينيا متطرفا فى الأغلب الأعم، وافقته على تحليله لمشكلة ابنه المريض الولد ده أخيرا وليس آخرا اشتغل فى المعمار، بعثه صاحب الشغل يشترى أكل، أكلا وحمدا الله، وإذا بصاحبنا يصرخ ويضرب دماغه بالحيط، قال إيه لقى الكيس اللى لف بيه الأكل مكتوب عليه (اسم واحد مسيحى)! ياللهول، صاحب المطعم مسيحى! ياداهية دقى، فما كان من صاحب الشغل (المستنير) إلا أن زجره وطرده وأرسله لوالده.
ما الذى أوصل أبناءنا إلى هذا الحال؟! أهى الدولة؟ أهو الخطاب الدينى؟ أهو مزيج بين الخطابين السياسى والدينى تتبناه الدولة؟ أهو غياب سيف الدستور والقانون عن معاقبة اللاعبين بوحدة هذا الشعب وسلامه الأهلى؟ أم هو كل ما تقدم؟ فى الحقيقة، لست مندهشا بل حزين جدا على حال بلدى هذا الذى وقع فريسة سهلة للخطاب الدينى، ولا رحمة، اسمع معى إذاعة القرآن الكريم حينما تعلن بين الفينة والأخرى لملايين المصريين صباح مساء من خلال راديو الميكروباص والمينى باص أن تغيير المنكر باليد فريضة على كل مسلم ومسلمة، وأن الفقهاء قدماءهم ومحدثيهم قد أجمعوا على ذلك حكما شرعيا وفريضة واجبة فرض العين على كل المسلمين، وأن تارك أداء هذه الفريضة آثم شرعا، خطاب الكراهية، حينما تصر خطبة الجمعة أسبوعيا على حمله لملايين المسلمين (لايف) على الهواء مباشرة بالدعاء على غير المسلمين (اللهم انصرنا على القوم الكافرين)، خطاب حربى ولا شك لعدو مجهول معلوم على كل حال، طابور الصباح بالمدرسة (المصرية) هو خطاب طائفى متكامل الأركان، يبدأ بتلاوة آيات من القرآن الكريم على أسماع طلبة منهم المسلم ومنهم المسيحى، ثم يتلوه تحية العلم عبارة عن صيحة (الله أكبر) ثلاثا قبل المناداة بتحيا جمهورية مصر العربية ! فما هو انطباع الطالب غير المسلم سوى أن دينه خارج الاهتمام من المدرسة أسوة بدين زميله المسلم؟!
خطاب نبذ واستعلاء وكراهية متكامل الأركان، فضلا عن أنه خطاب غير دستورى، الدستور الذى كفل المساواة بين المصريين لم يتمكن من اختراق حصون المدرسة لأن تحية العلم وطابور الصباح (إنتاج داعش)!
لا يمكن لنظام حكم أن يستمر بخطابين: خطاب للمساواة بالإعلام وخطاب للكراهية والإستعلاء والنبذ بالتعليم . ماذا يعنى أن يتم تدريس نصوص من القرآن الكريم بمناهج اللغة العربية لغير المسلمين بالمدارس الحكومية المصرية وغيرها سوى أن دين وثقافة غير المسلمين خارج الاهتمام؟! لماذا لا يتم تدريس نصوص من الإنجيل الذى يعترف به الدستور المصرى كديانة من إحدى ديانات ثلاث يدين بها المصريون؟ لماذا لا يتم تدريس نصوصه إلى جانب نصوص القرآن بمناهج اللغة العربية؟!
إن المساواة ليست كلمات تقال وتستدعى كلما ألمت ملمة بهذا الوطن، بل يجب لزاما على النظام الحاكم تفعيل آليات هذه المساواة، أليس كذلك؟
إن لم تتحول كلمات المساواة إلى أفعال فقل على مصر السلام.
إن صاحبنا الصغير كان نتاجا لتعليم فاسد، وخطاب دينى مريض، وستظل ماكينة إنتاج الكراهية والتكفير تعمل بكل طاقتها مادام النظام (ودن من طين وودن من عجين) لأصوات بحت مطالبة بتحديث (الماكينة) لتبدأ خط إنتاج جديد.