الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«النبى دانيال» ملتقى الأديان السماوية

«النبى دانيال» ملتقى الأديان السماوية
«النبى دانيال» ملتقى الأديان السماوية




تحقيق _نسرين عبدالرحيم


الإسكندرية «عروس البحر المتوسط» العاصمة القديمة لمصر، تغزَّل الشعراء فى وصفها ومنهم الراحل احمد فؤاد نجم فى رائعته «عمار يا إسكندرية»، وتضم المدينة الساحلية بين طياتها الكثير من المعالم المميزة التى تحظى باهتمام العالم كله، وسيظل تاريخ الإسكندرية العريق ثريا بثقافاته المتعددة، حاضرا فى كل ركن من أركانها، اذ تتنوع حضارتها بين الفرعونية والبيزنطية والرومانية، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من الأحياء التى تتمتع بسحر خاص نظرا لما تحويه من غموض وأسرار لم يتم الكشف عنها، مثل سرداب «كوم الدكة» والذى يقع بمنطقة كوم الدكة، ويقال عنه إنه يربط بين الكثير من المناطق بالمدينة، بالإضافة لمدينة كليوباترا الغارقة، ناهيك عن كثير من المساجد التى نسجت حولها الكثير منها القصص بعضها حقيقى والكثير من خرافى ومنها مسجد النبى دانيال والذى يقع بواحد من أشهر شوارع الإسكندرية ويحمل نفس الاسم شارع «النبى دانيال» بمنطقة محطة الرمل.


وقد تم تسمية الشارع والمسجد نسبة لأحد أنبياء بنى إسرائيل وحسب موقع «ويكيبيديا» فإن «النبى دانيال» هو أحد الأنبياء الأربعة الكبار فى التراث اليهودى المسيحى، والشخصية المركزية فى «سفر دانيال». ينتسب دانيال إلى سبط يهوذا، وفقًا للرواية التوراتيّة، وقد أعطاه الله فرصة لإظهار علمه وحكمته ففسر حلمًا لنبوخذ نصر كان قد أزعجه ومكافأة له على هذه الخدمة نصبه حاكمًا على بابل ورئيسًا على جميع حكمائها. وأصبح له قدرة على تفسير أحلام الملوك، وبذلك أصبح شخصية بارزة فى بلاط بابل. وقد مرّ دانيال فى تجارب ورؤى فى الأسر البابلي، حيث نجا من وكر الأسد.
ويحتوى مسجد النبى دانيال على مقامين احدهما لـ «دانيال» والاخر لـ«الحكيم لقمان»، ويقع المقامان اسفل المسجد، إذ يصل اليهما الزوار عبر سلم خشبى، ويقع أمام مدخل مقام النبى دانيال سرداب لم يكشف أحد عن مداه أو نهايته، ويشهد المسجد حالة من الاهمال الشديد، فلم تقم الجهات المسئولة بإجراء أى عملية ترميم للمسجد، الا انه رغم ذلك يأتى لزيارته فى بعض الأحيان الكثير من الزائرين من دول شرق آسيا وبعض الدول الأوروبية، مثل ماليزيا، وتايلاندا، وهولاندا، والهند، اعتقادا منهم ان جسد النبى دانيال مدفون فى المسجد، وان فى زيارته نوع من التبرك، كما يعتقدون انه قادر على حل مشاكلهم.
من جانبه قال الشيخ أشرف سلمان: إن أغلب من يأتى لزيارة المقام من السائحين، نظرا لأن الكثير من المصريين لا يعرفون عن النبى دانيال شيئا، بالإضافة إلى أن أغلب أهالى الإسكندرية لا يعرفون شيئا عن تاريخ النبى دانيال.
كما أبدى سلمان استغرابه من إقبال السائحين من دول شرق آسيا خاصة ماليزيا والهند بالإضافة لشباب الأزهر الوافدين على زيارة المقام، نظرا لكونه ليس من أصحاب المقامات المشهورة كالمرسى أبوالعباس وسيدى بشر وياقوت العرش والإمام البوصيرى وأبوالإخلاص، مضيفا: إن أحد الأسباب التى أدت لعدم شهرة المقام هو عدم ذكره فى القرآن أو فى كتب التاريخ وليس معروفا عند الطرق الصوفية فلا تقيم الصوفية أى احتفال به ولا يقومون بزيارته.
وأكد سلمان أنه عند حضور السائحون للمسجد فإنهم يلتزمون بالطقوس المصرية وفى أحيان يقومون باصطحاب أحد المشايخ معهم، ويقومون بترديد بعض الكلمات الصوفية مثل «أتيناكم أتيناكم نرجو من عطايكم».
وأشار إلى أنه قبل الثورة كان عدد من أتباع الطريقة البرهامية الدسوقية يقيمون حضرة بالمسجد إلى أنها توقفت بعد الثورة، مضيفا إنهم قد حصلوا على تصريح جديد لتقام الحضرة يوم الخميس من كل أسبوع.
وأوضح أن النبى دانيال لم يذكر فى القرآن أو كتب التراث، لكن الشائع أنه أحد أنبياء بنى إسرائيل، والدليل على ذلك أن المسجد يقع بجوار المعبد اليهودى، مضيفا: إن شارع النبى دانيال يعد ملتقى الأديان الثلاثة نظرا لوجود الكنيسة المرقسية بنفس الشارع حيث يضم كنيسة ومعبدا يهوديا ومسجدا.
ولفت سلمان إلى إنه من الممكن أن يكون تسمية الشارع يعود إلى أحد مشايخ العراق يدعى محمد دانيال، وهو أحد علماء المذهب الشافعى، وكان قد أتى إلى مصر بصحبة الإمام الشافعى وأقام بالإسكندرية ودفن فى هذا الضريح.
وأشار إلى أن البناء الحالى للمسجد ليس هو البناء الأصلى لمسجد دانيال، فالبناء الأصلى يقع اسفل المسجد الحالى، مضيفا: إن الغريب فى هذ المسجد هو وجود سرداب مظلم بجانب الضريح لا يعرف أحد امتداده أو نهايته، مشير إلى أن بعض الناس يعتقدون ان هذا السرداب يصل بين مسجد النبى دانيال ومساجد الإسكندرية الأخرى.
وأكد سلمان أن وزارة الآثار تشرف فقط على الضريح وليس لها أى علاقة بالمسجد، مشيرا إلى أن الكثير من اتباع الطرق الصوفية يزورون الضريح الآخر والذى يشاع عنه أنه مقام «لقمان الحكيم»، رغم أن الثابت تاريخيا أن لقمان الحكيم لم يدفن بمصر.
ومن جانبه أكد الشيخ جابر قاسم وكيل المشيخة الصوفية بالاسكندرية، أن المدينة تتمتع بعراقة تراثها الثقافى الذى رسخت جذوره منذ ثلاثة وعشرين قرنا، وتجلى دورها الثقافى فى العصر الإسلامى، وحملت الإسكندرية لواء التصوف مبكرا، ووفد إليها أعلام التصوف، وتحظى المدينة بمجموعة كبيرة من الآثار المتنوعة تتجلى فى مساجدها وكنائسها ومعابدها حتى أصبحت مدينة عالمية.
ومن أشهر من دفن بمدينة الإسكندرية من الأولياء الصالحين بمسجده والمعروف باسمه الشارع الشهير بـ(النبى دانيال)، مشيرا إلى أن ما تناولته كتب التاريخ والتاريخ الإسلامى عن «ضريح النبى دانيال» نقله الدكتور جمال الدين الشيال فى كتابه «تاريخ أعلام الإسكندرية فى العصر الاسلامى» نقلا عن الرحالة «أبوالحسن على بن أبى الهروى من كتابه الإرشادات إلى معرفة المزارات ما نصه وبها «أى بالإسكندرية» قبر «أرميا النبى» أحد أنبياء بنى إسرائيل بالديماس (أى كوم الدكة)، كما ذكر الدكتور الشيال أن الهروى أول رحالة عربى ذكر هذا القبر ما يدل على أنه لم يكن حتى أواخر القرن السادس الهجرى بكوم الدكة مسجد يسمى «مسجد النبى دانيال» وانما كان به قبر يعرف بقبر «أرميا النبى».
وأضاف قاسم إنه فى الحفائر التى قام بها المرحوم «حسن عبدالوهاب» فى هذه المقبرة التى تنخفض عن سطح الأرض بنحو: خمسة أمتار، وجد وسط الضريح تابوتا خشبيا كبيرا عليه ستر مكتوب عليه «قبر النبى دانيال» وبجواره تابوت آخر أصغر منه عليه ستر آخر مكتوب عليه «قبر الحكيم لقما»، وعندما حفر تحت التوابيت وجد حفرة بها مجموعة من شواهد القبور بعضها إسلامى يعود إلى القرن الثانى عشر الميلادى، كما أن هناك بعض الأعمدة تعود إلى العصر الرومانى. نقلا من كتاب المجلس الأعلى للثقافة « منارة الثقافة: إسكندرية _فتحى الأبيارى.
وأشار إلى أن الحافظ بن حجر العسقلانى قد ذكر فى كتابه «الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة» أن دفين هذا المسجد انما هو الشيخ محمد بن دانيال الموصلى أحد شيوخ المذهب الشافعى الذى وفد على الإسكندرية فى نهاية القرن الثامن الهجرى واتخذ من مسجد الإسكندر اسم المسجد فى هذا الوقت مستقرا له ولبث فيه حينما يدرس الأصول وعلم الفرائض على منهج الشافعية حتى توفى سنة 810هـ (1407م) فدفن فى المسجد.
ولم يصل إلينا غير القليل من أخبار الشيخ محمد دانيال الموصلى أو آثاره وانما يرد ذكره دائما مع المسجد السكندرى الذى يسميه الناس اليوم «جامع النبى دانيال».
وأشار إلى أن الضريح يقع فى منتصف الجهة الشمالية الشرقية للمسجد بفتحة باب مستطيلة تؤدى إليه، ويتكون من أربعة دعائم متعامدة، ويتم الهبوط بسلم بعمق نحو 5 أمتار، ويعلوه قبة فى وسطه تقوم على رقبة مثمنة مكونة من أربعة مقرنصات وأربع نوافذ وقد ملئت النوافذ بزجاج معشق متعدد الألوان. ويتوسط أرضية الضريح تركيبتين من الخشب تحتوى على قبر «الشيخ محمد بن دانيال الموصلى، أو كما هو المعتقد «النبى دانيال»، والأخرى تضم قبرا يعرف باسم الشيخ لقمان الحكيم، أو قبر ما يشاع قديما أنها زوجة الشيخ الموصلى.
وله احتفالية تقام سنويا بعد «عيد الأضحى»، تنظمها المشيخة الصوفية،يحضرها مريدون من الدول الآسيوية وبخاصة دولة الهند من (مشايخ البهرة وأتباعهم) للمشاركة فى الاحتفال.
وأكد أن البهرة طائفة من الهند «سنة» ويشبهون الطرق الصوفية، كما أنهم يحبون زيارة أولياء الله الصالحين.
وعن الإهمال الشديد الذى يتعرض له المسجد أكد أن مسجد النبى دانيال كغيره من المساجد الأثرية التى تعانى من الإهمال بالإسكندرية، إذ قام أحد الأشخاص بالتعدى على الوقف الخاص به وقام ببناء عمارة سكنية ما أدى إلى تشويه المسجد وانهيار مدخله بالكامل، بالإضافة إلى انقطاع المياه عن المسجد، فأصبحت الحمامات لا تصلح للاستخدام، ولم يعد هناك سوى مكان للوضوء فقط.
وأضاف قاسم: إن وزير الأوقاف كان قد أصدر قرارا بهدم العقار وإعادة المسجد إلى ماكان عليه، لكن نتيجة للفساد بالحى لم ينفذ القرار، فتوقفت عملية هدم العقار رغم اخلائه من السكان، ونتيجة الفساد المنتشر بالحى قام صاحب العقارعدة محلات عصير ومحلات ملابس واعاد تسكين العمار مرة أخرى، مؤكدا أن المسجد والضريح يخضعان للآثار فشارع النبى دانيال يعود تاريخه لأكثر من 400 عام.
وأوضح قاسم أن سيدنا عمر بن الخطاب كان قد شاهد قبر نبى الله دانيال عندما زار القدس أيام الفتح الإسلامى، لافتًا إلى أن الضريح الحالى والموجود بالمسجد هو للشيخ محمد الموصلى رجل من الصالحين.
وأكد قاسم أن وجود سرداب يعد دليلا على أثرية المسجد، لكن الأوقاف والآثار لم يهتما بذلك، ما جعل يد الإهمال تطول المسجد، لافتا إلى أن السرداب يصل إلى المسرح الرومانى ومحطة الرمل ومسجد أبوالعباس.
من جانبه أكد الدكتور ناجح إبراهيم أن من ضمن الطوائف التى تأتى لزيارة أولياء الله طائفة شيعية تدعى «البهرة» تتبع الطائفة الإسماعيلية، والتى ينتمى لها طائفه «الحشاشين»، يرأسها شخص يدعى حسن العطار، كانت تعطى الشباب الحشيش وتوهمهم أنهم بالجنة وقد خرج من عباءة الطائفة الإسماعيلية الدولة الفاطمية.