السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دراسة حديثة الدولة المصرية تسعى لمنع استمرار الإرهاب كمصدر تهديد للأمن القومى

دراسة حديثة الدولة المصرية تسعى لمنع استمرار الإرهاب كمصدر تهديد للأمن القومى
دراسة حديثة الدولة المصرية تسعى لمنع استمرار الإرهاب كمصدر تهديد للأمن القومى




إعداد - مصطفى أمين


كشفت دراسة حديثة عن أن تعقيدات المرحلة الانتقالية التى تمر بها مصر حاليا تجعل عملية مكافحة الإرهاب، سواء فى سيناء أو فى المحافظات الأخرى عملية معقدة، على نحو يجعل الحديث عن فعالية كاملة لسياسات المكافحة التى تتبعها الحكومة الحالية، أقرب إلى تبنى موقف سياسى أكثر من كونه تقييما موضوعيا بناء على ما يبذل من جهود، كما يجعل الحديث عن استعادة الأمن فى المناطق التى يشتد فيها تهديد الإرهاب مسألة نسبية تحكمها متغيرات عديدة، وتتغير بتغير الظروف المحيطة.


وتسعى الدراسة التى جاءت تحت عنوان « تقييم  «أوّلى» لسياسات مكافحة الإرهاب فى مصر» لتحليل سياسات مكافحة الإرهاب التى تنفذها الدولة خلال السنة الأولى لحكم الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ انتخابه فى يونيو 2014، من خلال تقسيم هذه السياسات إلى ثلاث مجموعات، تتمثل المجموعة الأولى فى السياسات المتعلقة باستهداف الإرهابيين أنفسهم، وتنصرف المجموعة الثانية إلى السياسات الخاصة بتعويض المتضررين من العمليات الإرهابية ومن عمليات مكافحة الإرهاب، وتتعلق المجموعة الثالثة بالسياسات الخاصة بمنع استمرار الإرهاب كمصدر تهديد للأمن القومى المصرى.
كما تحلل الطبيعة المتحولة للإرهاب الذى تواجهه مصر فى المرحلة الحالية، سواء من حيث الأطراف المنفذة للعمليات الإرهابية أو نوعية الأهداف أو النطاق الجغرافى للتهديد، وفيما يتعلق بتقييم سياسات مكافحة الإرهاب تحدد الدراسة بصورة أولية أربعة تحديات رئيسية تواجهها مصر خلال المرحلة الحالية، وهى مسئولة بصورة ما عن الفاعلية المحدودة لسياسات مكافحة الإرهاب خلال هذه المرحلة، سواء من حيث خفض عدد العمليات الإرهابية، أو من حيث حصر ممارسى الإرهاب وتفكيك تنظيماتهم والخلايا الخاصة بهم قبل تنفيذهم أى عمل إرهابى خاصة أن العمليات الإرهابية لم تعد منحصرة فى منطقة شمال سيناء التى تعانى من تدنى مستوى التنمية، وإنما شهدت محافظات ذات معدلات تنمية مرتفعة عمليات إرهابية بصورة متكررة.
وقالت الدكتورة  إيمان رجب «  التى أعدت الدراسة للمركز العربى للبحوث والدراسات والباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ورئيس تحرير «دورية بدائل»  إنه من المهم، لفت الانتباه إلى أن السياق المصاحب لعملية مكافحة الارهاب فى مصر خلال المرحلة الحالية، مختلف عن ذلك الذى كان سائدا خلال الفترة التالية على اغتيال الرئيس الأسبق محمد أنور السادات فى 1981، ليس من حيث طبيعة التهديد نفسه، والذى أصبح متحولا كما سيتضح لاحقا، وليس نتيجة تعقيدات المرحلة الانتقالية التى تمر بها مصر منذ يناير 2011 والتى تفرز العديد من الإشكاليات للدولة المصرية، ولكن من حيث الإطار المنظم لعملية المكافحة. فحاليا، يوجد أطر قانونية خاصة بالتعامل مع قضية الإرهاب، ممثلة فى المادة 234 من الدستور المصرى التى تتعامل مع الإرهاب على أنه «تهديد لأمن الدولة وأمن المواطنين»، فضلا عن إصدار قانون الكيانات الإرهابية فى نوفمبر2014، ثم قانون مكافحة الإرهاب فى أغسطس 2015، والذى يجعل ضبط سياسات المكافحة على المستوى النظرى من حيث المساءلة عملية أكثر وضوحا، مقارنة على سبيل المثال بفترة الرئيس الأسبق مبارك، حيث كان يتم الاستناد إلى مواد قانون العقوبات وإلى قانون الطوارئ فى إضفاء الشرعية القانونية على سياسات مكافحة الإرهاب، كما أن محاولات إصدار قوانين لمكافحة الإرهاب منذ العام 2003 قد تعثرت لأسباب خاصة كما تداول بعض القانونيين الذين انخرطوا فى صياغة القوانين حينها بعدم وجود توافق على ضبط المقصود بالجريمة الإرهابية.
وأشارت الى أنه  إلى جانب ذلك، فإن وجود قدر من التأييد المجتمعى لعملية مكافحة الإرهاب، والذى ارتبط بثورة الشعب المصرى ضد حكم الإخوان فى 30 يونيو 2013،  وما تلاها من «مليونية التفويض» التى دعا لها وزير الدفاع حينها الفريق عبدالفتاح السيسى فى 26 يوليو 2013، جعل سياسات مكافحة الإرهاب فى الفترة التالية على فض اعتصامى رابعة والنهضة فى 14 أغسطس 2013، سياسات تحظى بتأييد مجتمعي، ولكن استمرار هذا التأييد فى الفترة التالية على انتخاب الفريق السيسى فى يونيو 2014 رئيسا للدولة، لاسيما مع استمرار وقوع العمليات الإرهابية هو مسألة بحاجة لإعادة تقييم، خاصة فى ظل مطالبة بعض الإعلاميين من فترة لأخرى رغم قربهم من النظام بمسألة مراجعة التفويض، بسبب استمرار وقوع العمليات الإرهابية.
أولا-الطبيعة المتحولة للإرهاب
يعد تهديد الإرهاب الذى تواجهه مصر منذ فض اعتصامى رابعة والنهضة فى 14 أغسطس 2013، تهديدا متحولا ومعقدا مقارنة بموجة الإرهاب التى عانت منها مصر فى الفترة التالية على اغتيال الرئيس الأسبق محمد أنور السادات فى 6 أكتوبر 1981، سواء من حيث الأطراف الممارسة للفعل الإرهابي، أو من حيث الهدف، أو من حيث نطاق انتشار الإرهاب، ففيما يتعلق بالفاعلين الإرهابيين، نجد أن من ينشط  حاليا هم نوعان من الإرهابيين، يتمثل النوع الأول فى الجماعات الإرهابية السلفية الجهادية فى مثلث رفح-الشيخ زويد-العريش والذى تبلغ مساحته 22 كلم فى شمال سيناء، مثل جماعة أنصار بيت المقدس التى تسعى لإقامة «الخلافة الإسلامية»، وهذا النوع من الجماعات وجد فى سيناء خلال الفترات السابقة.
ويتمثل النوع الثانى فى الخلايا الإرهابية الصغيرة التى أصبحت تنشط فى المدن الحضرية فى المحافظات المختلفة، والتى تعبر عن نمط الإرهاب بلا قيادة leaderless terrorism ، ويعبر عن هذا النوع الخلايا التى كونها قطاعا من شباب جماعة الإخوان المسلمين المنتمين للقيادات الوسطى والقيادات الدنيا، مثل جماعة العقاب الثوري، فضلا عن المنضوين ضمن جماعة حازمين وهو يختلف عن النوع الأول من حيث عدم وجود قيادة رئيسية تمثل مركز الثقل  center of gravity الفعلى للجماعة الإرهابية، بحيث فى حال استهدافها من قبل القوات الأمنية سواء من خلال الاعتقال أو القتل، أو فى حال قيامها بأى مراجعات فكرية كما حدث فى حالة قيادات الجماعة الإسلامية فى مصر فى التسعينيات، يترتب على ذلك ضعف بنية الجماعة ففى حالة الخلايا الصغيرة النشطة حاليا، يصعب تحديد القيادات الميدانية أو الدينية فى الخلية، فضلا عن تعدد مراكز الثقل فيها والتى تتشكل بحسب السياق المصاحب، وكذلك تعدد الأسباب الخاصة بتطرف الأفراد وانضمامهم لهذا النوع من الخلايا، ففى حالات معينة تكون الفكرة هى التى تجمع أعضاء الخلية، وفى حالات أخرى تكون الرغبة فى ممارسة الفعل الإرهابى بهدف المغامرة، أو المظالم التى لحقت بهم  أو لأسباب دينية أو أيديولوجية أو لأسباب اجتماعية أو اقتصادية.
كما أنه لم تعد العمليات الإرهابية منحصرة فى منطقة شمال سيناء التى تعانى من تدنى مستوى التنمية فيها مقارنة بمحافظات أخرى، وإنما شهدت محافظات أخرى ذات معدلات تنمية مرتفعة عمليات إرهابية بصورة متكررة، ومن ذلك القاهرة والجيزة والشرقية والإسكندرية والتى شهدت عدداً من العمليات الإرهابية يفوق عدد العمليات التى رصدت فى شمال سيناء خلال الفترة يناير 2015 إلى  30 سبتمبر 2015، وفق مؤشر حالة الأمن فى مصر الذى يصدره المركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، وهذا المؤشر يرصد العمليات الإرهابية التى نفذت وتلك التى أحبطت، فخلال هذه الفترة تم حصر 592 عملا إرهابيا، كان نصيب سيناء منها 13.2%، و15.3% فى القاهرة و 14.2% فى الجيزة و8.2%  فى الشرقية و6.6% فى الإسكندرية، وحتى أبريل 2015 لم تسجل أى عمليات فى الوادى الجديد والواحات والإسماعيلية وجنوب سيناء، ولكن فى الفترة التالية رصدت أعمال إرهابية فى المحافظتين الأولى والثانية، وخلال الفترة يونيو 2014 حتى ديسمبر 2014 بلغ إجمالى عدد العمليات التى رصدها مؤشر المركز الإقليمى نحو 154 عملية.
بالإضافة إلى ذلك، لا تقتصر أهداف هذه العمليات على قوات الشرطة أو قوات الجيش، وإنما تشمل أيضا البنى التحتية والسفارات الأجنبية والأهداف المدنية، ومن ذلك محاولة تفجير متزامن لستة أهداف مدنية فى 25 يونيو 2014 استهدفت محطات مترو غمرة وحدائق القبة وشبرا الخيمة وحلمية الزيتون وميدان المحكمة ومنطقة التوسعات الشمالية فى 6 أكتوبر(11)، واستهدافها أكثر من 20 برج كهرباء ومحطة محولات تقدر قيمة الخسائر المترتبة عليها حتى يوليو 2014 بحوالى 220 مليون جنيه (12)، وذلك فضلا عن تفجير مقر القنصلية الإيطالية فى 11 يوليو 2015 ومقر سفارة النيجر فى 29 يوليو 2015.
ثانيا: سياسات المكافحة
تتبنى هذه الدراسة إطارا تحليليا للسياسات التى تتبعها الحكومة المصرية فى مكافحة الإرهاب، يتكون من ثلاثة مستويات، يهتم المستوى الأول بتحليل السياسات المتعلقة بالتعامل مع الإرهابيين أنفسهم، والتى تشمل جمع معلومات عنهم وعن مناطق تمركزهم والدخول معهم فى مواجهات الهدف منها إضعاف الإرهابيين وإلقاء القبض عليهم وإخضاعهم للمحاكمات وفق القوانين الوطنية. ويحلل المستوى الثانى السياسات الخاصة بالتعامل مع المتضررين من الإرهاب أو من عمليات مكافحة الإرهاب بهدف الحيلولة دون تحولهم إلى أعضاء فى تلك الجماعات أو إلى بيئة حاضنة للإرهابيين أو إلى هدف سهل يمكن تجنيده من قبل الجماعات الإرهابية. وينصرف المستوى الثالث إلى السياسات المتعلقة بتحصين المواطنين العاديين من الانضمام للتنظيمات الإرهابية.
وعند تحليل فاعلية هذه السياسات، من حيث نجاحها فى تقليص عدد العمليات الإرهابية طوال سنة الحكم الأولى للرئيس السيسى، يتضح أنه رغم التفكير المتقدم الذى يقود صياغة هذه السياسات فى المستويات الثلاث التى تتبناها الدراسة خلال فترة حكم الرئيس السيسي، مقارنة بفترات سابقة، فإن فاعلية هذه السياسات خلال تلك الفترة محدودة من حيث قدرتها على تحقيق هدفين، الأول هو خفض عدد العمليات الإرهابية، والثانى هو حصر ممارسى الإرهاب واستهدافهم، فمن ناحية، تظل القدرة على منع وقوع العمل الارهابى أو اكتشافه قبل قيام الإرهابيين بتنفيذه تتطور مع مرور الوقت، حيث يبلغ عدد العمليات التى تم إحباطها قبل تنفيذها من قبل الإرهابيين خلال الفترة من 1 يناير 2015 حتى 30 سبتمبر 2015، وفق مؤشر حالة الأمن فى مصر، عدد 175 عملية تقريبا أى ما يمثل 29.7% من إجمالى ما تم رصده من أعمال، وعدد العمليات التى نفذت بالفعل خلال نفس الفترة عدد 416 عملا إرهابيا تقريبا، أى ما يمثل 70.28%، وخلال العام 2014 كانت نسبة الأعمال المبطلة 25% من إجمالى ما رصد من أعمال خلال العام فى مقابل 75% بالنسبة للأعمال التى نفذت، وهو ما يشير إلى تطور قدرات المؤسسات المعنية بمكافحة الإرهاب فى مجال اكتشاف  مخططات العمليات قبل تنفيذها.
من ناحية ثانية، تظل هناك صعوبة فى تحديد إجمالى عدد الإرهابيين النشطين فى سيناء أو فى المحافظات المصرية، وإجمالى عدد الخلايا الإرهابية التى تسعى وراءها الأجهزة الأمنية، على نحو يجعل مسألة إعلان الانتصار الكامل على الإرهابيين عملية غير ممكنة، حيث يصعب حصر عددهم. ومسألة تحديد العدد مرتبطة بحجم المعلومات التى تنجح الأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب فى جمعها من المناطق التى ينشط فيها الإرهابيون، فضلا عن حجم التنسيق المتبادل بين جهاز الشرطة والقوات المسلحة باعتبارهما الكيانين المعنيين بمكافحة الإرهاب.
ومن ناحية ثالثة، لا يزال عدد العمليات الإرهابية فى مصر يمثل رقما «مهما»، ويكشف عن استمرار قدرة الإرهابيين على تنفيذ عمليات متعددة، ورغم وجود انطباع عام بأن العدد قد تراجع، إلا أن نوعية الأهداف  التى يستهدفها الإرهابيون لا تزال تجعل التكلفة الأمنية والسياسية للعمل الإرهابى مرتفعة، ومن ذلك اغتيال النائب العام هشام بركات فى يونيو 2015، فضلا عن وجود ضحايا من الجيش والشرطة، فعلى سبيل المثال يشير مؤشر حالة الأمن فى مصر إلى أنه خلال الفترة من يونيو 2013 وحتى يونيو 2014 بلغ عدد العمليات 222 عملية، أى فى المتوسط  نحو أربع عمليات فى الأسبوع، وخلال الفترة يونيو 2013 وحتى ديسمبر 2014 بلغ عدد العمليات 445، أى فى المتوسط  نحو ست عمليات فى الأسبوع، أى أنه خلال ستة أشهر ارتفع عدد العمليات إلى الضعف، بينما بلغ عدد العمليات التى نفذت خلال الفترة 1 يناير 2015 وحتى 30 سبتمبر 2015 592 عملية، أى فى المتوسط نحو 14 عملية فى الاسبوع.
ثالثا-أربعة تحديات رئيسية
تواجه الدولة عددا من التحديات فى مكافحتها للإرهاب خلال المرحلة الحالية، والتى هى فى أحد أبعادها تعد سببا فى الفاعلية المحدودة لسياسات المكافحة، وفى بعدها الآخر تستدعى إعادة تقييم وتفكير فى السياسات المتبعة حاليا. يتمثل التحدى الأول فى اهتمام هذه السياسات بمكافحة الفعل الإرهابي، وإغفالها مكافحة التطرف الذى يعد المحرك الرئيسى للإرهاب ولا يزال عدد العمليات الإرهابية فى مصر يمثل رقما «مهما»، ويكشف عن استمرار قدرة الإرهابيين على تنفيذ عمليات متعددة، ورغم وجود انطباع عام بأن العدد قد تراجع.
ويرتبط التحدى الثانى بكون القوات المسلحة هى الفاعل الرئيسى فى عملية مكافحة الإرهاب، وينتج عن ذلك التعامل مع مكافحة الإرهاب على أنها عملية تخضع لقواعد الحرب، ويكون الانتصار فيها بفرض السيطرة التامة على الأرض، فيتم فرض حظر التجوال، كما أن أى أخطاء قد يرتكبها الجنود فى مواجهة المدنيين المقيمين فى مناطق مواجهة الإرهابيين، يتم تبريرها لكونها مرتبطة بالمعركة ضد الإرهابيين، ويتحمل مسئوليتها الإرهابيون، ومثل هذا الوضع يجعل السكان المحليين أقل تعاطفا مع الجيش فى محاربته للإرهاب.
    وتثير مسألة تزايد دور القوات المسلحة فى مكافحة الإرهاب، قضية تتعلق بقدراتها على خوض الحروب التقليدية، وهى مسألة مهمة بالنسبة للعديد من دول المنطقة، ففى مقابل المسعى الذى تروج له الولايات المتحدة لجعل جيوش الدول العربية الرئيسية جيوشا صغيرة mobile قادرة على مواجهة الإرهابيين، وهو ما نفذته فى حالة العراق بصرف النظر عن الفاعلية، أصبحت دول مثل مصر ترفض هذا التوجه، وتتعامل بحذر مع المعونات الفنية التى يمكن أن تحصل عليها من الولايات المتحدة فى مجال مكافحة الإرهاب.
إلى جانب ذلك، يرتبط بهذا النوع من المناقشات،  قضية أخرى تتعلق بهل الوجود المادى للقوات العسكرية يقلل من قدرة الإرهابيين على تنفيذ عملياتهم؟ أم أنه يحول هذه القوات إلى هدف سهل لهم؟، وهذه القضية بالغة الأهمية بالنسبة للدول ذات المساحات الشاسعة مثل مصر، والتى يعد التنقل فيها بالنسبة للقوات الشرطية أو الجيش عملية معقدة قد تستغرق وقتا يفوق الوقت الذى تستغرقه الجماعات الإرهابية لتنفيذ الهجوم التالى  reload time. حيث إن تزايد الاعتماد على الوجود المادى للقوات المسلحة فى مناطق عمل الإرهابيين سواء من خلال الكمائن ونقاط التمركز، يحولها إلى أهداف سهلة، وهذا ما تكشف عنه عملية جماعة  «ولاية سيناء» فى الفترة من 1 إلى 5 يوليو 2015، والتى قامت بصورة متزامنة بالهجوم على 16 كمينا تابعا للقوات المسلحة، وكذلك عملية كرم القواديس 24 أكتوبر 2014 التى راح ضحيتها  نحو 30 جنديا.
 وفى المقابل، فإن تفعيل دور وزارة الداخلية فى مكافحة الإرهاب يسمح بالتعامل مع الإرهابيين على أنهم مجرمون وفق القوانين المعمول بها فى الدولة، وليس كمجرمى حرب، وعناصر الشرطة قادرة على التعايش مع المجتمع المحلى وبناء علاقات تسمح بتحويل بعض العناصر إلى مصادر معلومات على نحو يسمح بجمع معلومات بصورة أكثر فاعلية عن التجمعات الحاضنة للإرهابيين، خاصة فى حالات انتشارهم بين المدنيين وعدم تركزهم فى بؤر محددة، كما أن تفعيل هذا الدور لوزارة الداخلية يسمح بتراجع عدد القتلى من القوات المسلحة والذى فى حال تزايده يضع قيدا معنويا على الحكومات فى تنفيذ القوانين المتعلقة بمكافحة الإرهاب.
وينصرف التحدى الثالث إلى تزايد تسييس عملية مكافحة الإرهاب، نتيجة تعقيدات المرحلة الانتقالية التى تمر بها مصر حاليا، والتى نتج عنها وجود تيار فى الدوائر الأمنية، يتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين على أنها التنظيم الارهابى الرئيسى المسئول عن الارهاب فى سيناء وفى باقى المحافظات المصرية، ورغم مسئولية قطاعات مهمة من القيادات الوسيطة والدنيا فى الجماعة عن العديد من العمليات الإرهابية التى وقعت خلال الفترة الماضية خاصة فى القاهرة والجيزة، فإن ذلك لا يعنى أنه التنظيم الوحيد الذى يمارس العنف والإرهاب، فهناك تنظيمات أخرى يتعين الاهتمام بتتبع تحركاتها وشبكة علاقاتها، والتى تنتمى للتيارات السلفية التى من بينها تيارات متطرفة تبرر الفعل الارهابى وتضفى الشرعية الدينية عليه. ولعل هذا يفسر إعلان وزارة الأوقاف منذ 17 يوليو 2015 عن قائمة سوداء تحوى أسماء الأئمة المنتمين لجماعة الإخوان لمنعهم من صعود المنبر، وتغافلها عن تطبيق ذات الإجراء على أئمة السلفية الذين يروجون للأفكار المتطرفة فى الجوامع المصرية.
ويتعلق التحدى الرابع بالموازنة بين مواجهة الإرهاب وتحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية، وهو تحدٍ لا تواجهه مصر فقط، وإنما أيضا الدول الغربية بعد اتجاهها لتبنى إجراءات استثنائية لمواجهة العمليات الإرهابية التى شهدتها خلال الفترة الماضية، ومن ذلك على سبيل المثال الجدل الذى أثارته الإجراءات التى تبنتها فرنسا بعد حادث شارلى أبدو، وكذلك الجدل الذى أثاره  قانون المواطنة Patriot Act الذى تبنته الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
 واختتمت الدرسة بالتأكيد على أن مصر تحتاج خلال المرحلة الحالية لتطوير استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب، وأخرى خاصة بمكافحة التطرف، بحيث تبنى كل منهما على شراكة بين مؤسسات الدولة المعنية وبين المجتمعات المحلية، على نحو يسمح بالحديث عن تأييد مجتمعى لجهود وسياسات مكافحة الإرهاب وكذلك لجهود مكافحة التطرف. وذلك فضلا عن لعب مراكز الفكر دور محورى فى صياغة هذه الاستراتيجية من خلال جهودها الخاصة بحصر العمليات الإرهابية التى تشهدها الدولة.
وتظل عملية مكافحة الإرهاب خلال المرحلة الحالية، من القضايا الأمنية المثيرة للعديد من الإشكاليات والتحديات بالنسبة للمؤسسات المعنية بها، سواء فى مصر أو غيرها من الدول، وتظل المناقشات الخاصة بهذه الإشكاليات بالغة الأهمية من حيث توفيرها بدائل للتعامل معها، على نحو يضمن نوعا من الشراكة البناءة فى مكافحة الإرهاب الذى أصبح تهديدا معقدا ومتحولا فى طبيعته، وتستعصى مواجهته بالاعتماد على المؤسسات الأمنية فقط.