الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

منى عبد الكريم: الكتابة هى الرفيق الذى يتقبلنى فى كل حالاتى

منى عبد الكريم: الكتابة هى الرفيق الذى يتقبلنى فى كل حالاتى
منى عبد الكريم: الكتابة هى الرفيق الذى يتقبلنى فى كل حالاتى




حوار - إسلام أنور


منى عبد الكريم كاتبة ومصورة مصرية صدرت مجموعتها القصصية الأولى بعنوان «حكاية الحكاية» عن دار النسيم عام 2014، وتستعد حاليا لإصدار مجموعة قصصية جديدة بعنوان «شهرزاد تحكى من جديد».
تتميز قصص منى عبد الكريم بالمزج بين الواقع والخيال، والمعاش والأسطوري، بلغة تجمع بين جزالة الشعر وسحر السرد ووهج الحكاية، وتستحوذ الصورة على مساحة كبيرة من الحضور فى قصص منى عبر المشهدية السينمائية والتكوينات البصرية والتشكيلية البديعة التى تصنع فضاءات متعددة تمنح القارئ متعة مضاعفة.
عن مجموعتها القصصية وشغفها بالصورة والحكى دار معها هذا الحوار.


= فى المجموعة حضور قوى للمرأة بوصفها متن الحكاية وراويتها إلى أى مدى يحيلنا هذا العالم لألف ليلة وليلة حيث شهرزاد وشغف الحكى؟
- أنا مفتونة بألف ليلة وليلة وبشخصية شهرزاد على وجه الخصوص، فشهرزاد هى أكثر الشخصيات النسائية غموضا وحضورا وقوة، روضت شهريار وقهرت مسرور واستقرت فى وجداننا قبل وجدانه. سكنت خيال المبدعين لتتجلى فى أشكال عديدة، فتارة نقرأها فى ألف ليلة وليلة، وتارة نستمع إليها فى صوت زوزو نبيل وتارة نجدها تطل بقوة من موسيقى كورساكوف، أو حتى على خشبة الرقص المسرحى المعاصر فى عرض شهرزاد موناليزا لوليد عونى، وتارة هى صوت المرأة حتى فى المجتمعات الشرقية المجحفة كما فى «احكى يا شهرزاد» ليسرى نصر الله، وغير ذلك.. شهرزاد هى كل صوت نسائى، قادر على الحكاية أو حتى هو جزء من الحكاية ذاتها، وعندما بدأت فى كتابة مجموعتى القصصية الأولى «حكاية الحكاية» بدأت أعتقد أن شهرزاد ما هى إلا انعكاس لكيان أكبر هو «الحكاية الأم»، فلا أحد حقا يعرف من هى شهرزاد ، بل إن تلك السطوة التى تمتلكها ما هى إلا سطوة الحكاية، فالحكاية تداعبنا جميعا، إنها شهرزاد الحقيقية والأنثى الخالدة، ولذا أعتقد أن شهرزاد تعيش بداخلنا جميعا.
= هناك حالة طاغية من الإحساس بالفقد تظهر بوضوح فى أكثر من قصة منها «زهرة حزينة بلون البنفسج» و «ماذا سيبقى لأيامى القادمة» و«الحنين إلى الخال».. إلى أى مدى يمكن للكتابة وللفنون بشكل عام أن تهب لنا الدفء والمحبة والونس والسكينة وغيرها من المشاعر الطيبة التى نفتقدها؟
- إن الحقيقة الوحيدة الثابتة على الأرض باتفاق الجميع هى الموت، والموت فقد، والموت ليس جسدا يفنى، ولكن موت الروح بينما الجسد باق فهو أصعب وأشد، موت الأحلام، موت الأحبة بالهجر، موت الشغف، موت أيامنا بلا طائل، وأنا أشعر بحالة دائمة من الشجن، موضوع له علاقة بالتركيبة النفسية، إحساسى بالمساحات التى تظل فارغة بالرحيل ولا يمكن سدها، ثقوب سوداء فى خريطتنا العاطفية.. ولذا فإن فى وسط كل ذلك أرى أن الفن والأدب هما روح الحياة، عندما أشعر بالألم وبالوحدة، أستمع إلى مقطوعة موسيقية وأجلس فى صمت لأكتب، كثير منها ليس للنشر ربما أمزقه بعد أن أضعه على الورق، حينئذ أشعر براحة ما بعد المسكن، بألفة أننى لست  وحدى.
على الصعيد الشخصى ساعدتنى الكتابة كثيرا فى تجاوز أزمات نفسية، كانت هى الرفيق الذى يتقبلنى فى كل حالاتى حتى أسوءها مكنتنى من التخلص من التشوش، الكتابة بالنسبة لى طريقة لتتبع مسارى على الأرض، توثيق ذاكرتى الإنسانية والعاطفية. إنها المساحة الصادقة التى لا تحتاج لزيف أو نفاق، ولذا فهى تمنحنى طاقة خفية ، تمنحنى الدعم والقوة حتى فى أحلك اللحظات.
= الأحلام المجهضة والخوف والخذلان لها حضور قوى أيضاً فى معظم قصص المجموعة إلى أى مدى  تأثرت فى كتابتك للمجموعة بثورة 25 يناير ومابعدها؟
- كثير من نصوص المجموعة كتبت قبل الثورة، هى تجربة ممتدة كشفت فيها عما كنت أضعه فى أدراجى فى شكل خواطر وأقصوصات متفرقة، ولذا لا يمكنى أن أربط بين مجموعة «حكاية الحكاية» والثورة بشكل مباشر، هى أكثر عن الحكاية وعن الإنسان فى كل زمان ومكان، ولكن الحقيقة أن كل ما يحدث حولى سواء على الصعيد العملى أو المجتمعى يترسخ فى وجدانى ليخرج بشكل أو بآخر فيما أكتب.
= فى أكثر من قصة يبدو أن هناك تماه بين البطلة والكاتبة.. كيف ترين هذه العلاقة بين الكاتب وشخوصه وإلى أى مدى يصنع هذا التماهى حالة من الصدق والحميمية مع القارئ؟
- الواقع أن على القارئ أن يتوقف عن البحث عن الكاتب فى ثنايا كتاباته ما لم تكن سيرة ذاتية مباشرة، فالكاتب ينتقل بين مساحات الواقع والخيال بحيث يصعب أن تمسك ذلك الخيط الفاصل بينه وبين أبطاله، الكاتب هو صانع أبطاله ورفيقهم، وأحيانا يتمردون عليه ويبدءون فى خلق حكايات بديلة عما كان مخططا لها من قبل، قد يمسك الكاتب بطرف الخيط من الواقع ثم يتبعه حتى يصل إلى السماء ساردا حكايات لم تحدث من قبل، أما عن الصدق فهو ينبع من مساحة المشاعر التى يكتب منها المبدع لحظة الكتابة، أحيانا أتقمص حكاية أحد الأصدقاء وأرويها على لسانى وأنا أِشعر أنها حدثت لى تماما، أحيانا أشاهد لوحة فأخالها مكانا حقيقيا وأتحاور مع شخوصها ثم تأتينى فكرة حكاية وكأنها بالفعل حدثت، وأنا دائما أقول أننى أكتب من آخر منطقة فى روحى وأن نصا ما سيقتلنى قبل أن يكتمل لشدة صدقه.
= فى حكاية «البخت» صورتى الحياة ككيس البخت الفارغ، فالحياة رغم أنها لا تعطينا الكثير إلا أنها تظل تحمل بعضا من الأمل والشغف، هل ترين أننا نحيا فى عالم من الأحلام والآمال الزائفة؟
- «لو بطلنا نحلم نموت» فقدان الشغف من أسوء الأشياء إن لم يكن فقدان شغف ناضج ممزوج بالرضا الآمن، الأمل هو ذلك المجداف الذى ندفع به أمواج الحياة القاسية التى تحاوطنا بحثا عن الشاطئ، أما الأحلام الطيبة فهى الملاذ من قسوة الواقع، شريطة أن تكون أحلام مسالمة، لأن هناك أحلام تلتهمنا لشدة إغراقنا فيها وانفصالنا عن الواقع، أما عن  الآمال الزائفة نكون نحن السبب فيها حين نخدع أنفسنا بعدم تقدير إمكانياتنا أو بعدم دراسة الواقع أو بإغماض أعيننا عما نراه من حولنا، كلنا نمر بلحظات يأس وفقدان رغبة فى الحياة، لكن المهم أن نتخلص من تلك المشاعر فى أسرع وقت ممكن لنستمر.
=  ذكرت على غلاف الرواية أن مجموعتك القصصية  لها عنوان أخر  هو «خواطر أنثى فى الثلاثين»  لماذا فضلتى عنوان «حكاية الحكاية» عن خواطر، وهل تدخلت الدار فى اختيارك لاسم مجموعتك؟
- ليس تفضيليا وإنما خرجت المجموعة بعنوان رئيسى وعنوان فرعى فأنا أسير على الدرب فى الحياة كعابر سبيل ولكن هناك حكايات فرعية، المجموعة الأولى تتناول الحكاية التى فتنتنى ولكننى أكتب من مساحتى الأنثوية الذاتية، من مشاعر امرأة فى الثلاثين قررت أن تكشف عن كتاباتها لأول مرة، بالنسبة لعنوان المجموعة كان اختيارى منذ البداية.
=  فى حكاية « بيضات ملونة لأحلامنا « تحدثت عن البيضات البلاستيكية وكيف حلت مكان بيضات شم النسيم الملونة بأنامل الأحفاد والأجداد، فى رأيك إلى مدى أفسدت العولمة والحداثة حياتنا وهل من سبيل للنجاة من براثن العولمة؟
- طبعا .. الحياة المادية تلقى بظلالها على كل شىء.. الحرب لم تعد طلقات رصاص .. الحرب سلع استفزازية .. وتكنولوجيا .. ولهاث وراء آخر صيحات الموضة وعمليات التجميل وماركات الموبايلات والسيارات الفارهة، انظر لمجموعات الأصدقاء حين يجلسون معا ، أو لأفراد العائلة فى تجمعاتهم ، الكل يحملق فى شاشات الموبايلات والتاب ، لم يعد لدينا وقت لنجلس حول المائدة نتناول طعامنا معا .
لقد شاهدت فيلم متحرك مؤخرا عن التكنولوجيا التى تلتهم أعمارنا وتعزلنا عن الآخرين حتى تلقى بنا إلى العدم وحيدين لنتحول لنفايات .. نعم هذا ما يحدث نكتشف فجأة أننا وحيدين وأن أصدقاءنا عدد من اللايكات على الفيس بوك ومن المتابعين على تويتر.. ولا شىء يحمل دفئا حقيقيا.
ولذا عندما بدأت بعض الشركات خلال السنوات الماضية حملة إعلانات عن لمة العائلة وذكريات زمان، نجحت نجاحا باهرا لأن كثيرا منا يشتاق لطعم طقوسنا الدافئة المليئة بالحنين ولذا تجد أن كثير من النصوص مطرزة بذكرياتى وتلك المشاعر التى أفتقد لها حاليا تحت وطأة العالم المادى.
= فى معظم قصص المجموعة هناك حضور قوى لفنون الصورة وتقنياتها من تصوير ورسم وسينما إلى أى مدى أصبح فن القصة والسرد بصورة عامة فن جامع وشامل لكل هذه الفنون؟
- أنا أكتب من مساحة الفوتوغرافية، هناك كثير من النصوص هى مشاهد مختزنة فى الذاكرة، أحيانا أشعر أن النصوص القصيرة والقصيرة جدا هى تأثرى بالمصورة، فالحياة هى مجموعة لقطات متتالية سريعة تلخص المشهد العام، فالصورة الفوتوغرافية كادر وتكوين وموضوع وألوان واقتناص اللحظة المناسبة، إذا طبقنا كل هذه العناصر على القصة سنجد أن القصة تقترب جدا من الصورة الفوتوغرافية كلما كانت عناصرها محكمة وتم اقتناصها فى اللحظة المناسبة، كانت أكثر تأثيرا.  
= ما الجديد لديك خلال الفترة القادمة؟
- أعمل حاليا على مجموعة من النصوص القصيرة جدا تصدر قريبا، كما بدأت مجموعة قصيرة أيضا تحت عنوان «شهرزاد تحكى من جديد» عن مائة ليلة حكى جديدة لشهرزاد.