الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

سلطنة عـُمان.. دبلوماسية الحكماء

سلطنة عـُمان.. دبلوماسية الحكماء
سلطنة عـُمان.. دبلوماسية الحكماء




خالد عبد الخالق يكتب:
قليلة هى الدول التى يكون دورها مقبولاً كوسيط بين أطراف متنازعة، لأنه من الصعب أن يكون طرف وسيط فى إقليم يعيش حالة من التأزم الإقليمى كالتى يعيشها الإقليم العربى أو الإقليم الخليجى، ومن الصعب ان لم يكن من النادر أن تخرج دولة من هذا الإقليم ملتهب الصراعات والنزاعات على مر التاريخ بأقل خسائر.
سلطنة عمان كانت الحالة المميزة  واستطاعت أن تنجو بنفسها من حالة الصراع المسيطرة على الإقليم سواء كان منطقة الخليج بصورة خاصة أو الشرق الأوسط بصورة عامة، ووضعت نفسها كدولة محايدة فى أغلب النزاعات ومشاكل المنطقة التى لا تنتهى، بل لعبت دورًا إيجابيًا فى عدد من الأزمات واستضافت عددًا من الفعاليات بدءًا من المحادثات السرية بين إيران والقوى الدولية والتى شغلت الرأى العام الدولى بشأن البرنامج النووى الإيرانى، مرورًا بمحادثات الحكومة اليمنية مع الحوثيين قبل أن تنتقل للكويت مؤخرا، والآن تستضيف جلسات حوار مع الأطراف الليبية لإعداد مسودة دستور جديد لليبيا.
تتحفظ على العمليات العسكرية واستخدام القوة المسلحة فى حل النزاعات العربية بدءًا من ليبيا وسوريا واليمن، وكأنها على يقين بأن كل الأطراف الفاعلة لتلك الأزمات سوف تجتمع فى مسقط ويخرج عنهم مبادرات لتسويات سياسية. لم تكن سياسة اندفاعية أو متهورة يوما ما، بل كانت معتدلة متوازنة استطاع السلطان قابوس بن سعيد منذ أن تولى مقاليد الحكم فيها أن يخرجها من بحر الصراعات والنزاعات الذى تموج به المنطقة،  وعلى الرغم من عضويتها الأصيلة فى مجلس التعاون الخليجى إلا أن لها شخصيتها المميزة المستقلة، فهى ترفض توسيع قوات درع الجزيرة، وانسحبت من اتفاقية العملة الخليجية الموحدة، كما اعترضت على تحويل مجلس التعاون إلى «اتحاد» بين دوله.
لم تنجر فى التدخلات العسكرية التى قامت بها باقى دول المجلس، فلم تنضم لتحالف عاصفة الحزم باليمن وإن كانت شاركت فى مناورات رعد الشمال؟  هى مع الشرعية لكن بعقلانية، مع المجتمع الدولى لمحاربة كل أشكال الإرهاب وليس مع الانتقائية أو الاستثناء.
الدبلوماسية العمانية حافظت على موقفها وثوابتها بنفس حفاظها على «الزى والخنجر العمانى»  فى المحافل الدولية، لم تنجر وراء مطامع أو دعوات قوى دولية أو إقليمية، ظلت على نهجها وثباتها،  نحن هنا فى مصر نتذكر موقفها بعد توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، ففى الوقت الذى قاطعت فيه الدول العربية مصر ظلت هى على موقفها وعلاقاتها مع القاهرة.
الوزير المسئول عن الشئون الخارجية بالسلطنة السيد يوسف بن علوى، واحد من أقدم وزراء الخارجية العرب وأكثرهم حكمة واعتدالا، عندما يتحدث فى اجتماعات الجامعة العربية يكون حديثه حديث الحكماء، قد لا يأتى على هوى البعض وخاصة جيرانه؛ إلا أنه يلقى قبولا واسعًا لدى اشقائه الأكثر بعدًا، قد يختلفوا معه إلا أنهم فى النهاية يسعون إليه ويطالبونه بالتوسط لتحريك عملية سياسية متوقفة أو اتفاق على وشك أن ينهار.
استطاعت مسقط أن تقف على مسافة واحدة من كل الأطراف الفاعلة فى المنطقة، جمعت كل الخيوط فى مركزها، نأت بنفسها عن كل صراع لم تدعم طرفًا على حساب طرف آخر ولم يحسب أحد عليها، الأمر الغريب والجدير بالاحترام أنها لم تعلن عن نفسها بل كثيرا ما تتوارد الأنباء والأخبار عن دورها السياسى والدبلوماسى فى معالجة القضايا والأزمات، وفى ظل استمرار حالة الاستقطاب والصراع الذى تشهده المنطقة سواء فى جنوب شبه الجزيرة العربية أو شمالها؛ فإن سلطنة عمان تبقى هى المرشحة لأن تكون همزة الوصل بين مختلف القوى المتناحرة فى الإقليم وقناة الاتصال بين العواصم التى قَطعت قنوات اتصالها وتبحث عن من يوصلها مرة أخرى.