السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عنف الرهبان

عنف الرهبان
عنف الرهبان




عاطف بشاى  يكتب:

«رعب أكثر من هذا سوف يجىء»
وردت تلك العبارة فى إحدى قصائد الشاعر الكبير الراحل «صلاح عبدالصبور» فصارت تعبيراً مخيفاً عن واقع زماننا التعس الآن.. ذلك الذى تحمل أيامه الممرورة أنات أنفاسنا المكسورة تحت وطأة العنف والإرهاب والقتل لأسباب لها علاقة بالهوية متمثلة فى مجرمى داعش والإخوان.. أو لأسباب اجتماعية واقتصادية ونفسية وجنسية لجوع قاهر أو ذهان عقلى أو عاطفة محرمة أو يأس متراكم .
والناس فى بلادنا الذين كانوا يؤمنون أن «الشر إن بات مات» تحولوا خلال الثلاثين عاماً الماضية إلى كائنات تحتشد لعنف تعافه الوحوش الضارية وتهابه الطيور الكاسرة وتكرس لرعب يتصاعد لا يخفت.
إن المتأمل للجرائم التى ارتكبت فى السنوات الأخيرة يدرك جيداً هول التغيير الذى حدث فى الشخصية المصرية وخاصة فيما يتصل بممارسة العنف بديلاً لعواطف التسامح والمحبة والود  والتراحم وسلوكيات العفو عند المقدرة «والحلم الذى هو سيد الأخلاق».. والعتاب الرقيق.. والصفح الجميل.
 بهذه المناسبة فقد سبق وأضحكنى كثيراً ضحك كالبكاء ذلك الذى حدث منذ عدة سنوات .. تحديداً عام 2014 من انقسام الرهبان فى دير الأنبا مكاريوس «بوادى الريان» بعد إصدار الكنيسة بياناً للتبرؤ من الدير و«6» من رهبانة وإعلانها أن الدير غير معترف به وأنها اخلت مسئوليتها عن تعنت ورفضهم إنشاء الطريق الدولى «الفيوم – الواحات» ومن استيلاء الرهبان على مساحة «12000 فدان» بشكل غير قانونى وبناء سور عليها بطول «8» كيلومترات.. والانقسام بين الفريقين بين مؤيد للبيان ومستنكر له.. تطور إلى اشتباكات مسلحة باستخدام الأسلحة البيضاء والشوم وجذوع الأشجار وقطع الحديد مما أدى إلى كثير من الإصابات.
ثم تجمد الموقف .. وعاد مرة أخرى إلى الظهور فى هذه الأيام حينما بدأت أعمال الإزالة.. حيث قام الرهبان بحرق «لودر» الشركة المنفذة وإعادة الجزء المتهدم من السور المخالف رافضين مرور الطريق الجديد فتم حبس الراهب المحرض على مقاومة السلطات .
وتتضح المفارقة التراجكوميدية فى تحول الرهبان الذين من المفترض أن يتسم سلوكهم بالوداعة والسكينة والتسامح وإنكار الذات والتسامى ونبذ ليس فقط مشاعر الكراهية والحقد والإيثار والمطامع الدنيوية .. ولكن إنكار العالم نفسه وإيمانهم العميق بشفافية الروح التى باعت الدنيا  بكل ما تحمله من شرور وتطاحن وتكالب على الشهوات حيث «باطل الأباطيل وقبض الريح» طمعاً فى حياة روحية قدسية ينعمون فيها بالسعادة الأبدية فيتحولون فجأة إلى عنف بالغ غير متوقع من الزاهدين الناسكين الودعاء والتورط فى سلوك إجرامى.
وبناء عليه يصبح المنطق مقلوباً فالمكان المقدس يتم الدفاع عنه بطريقة غير مقدسة.