الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

فريدة وصدمتها




أردت أن أكتب عنوان المقال في البداية بشكل طبيعي‮.. ‬فأعطاني معني آخر لم أقصده‮.. ‬كنت سأقول‮ (‬صدمة فريدة‮).. ‬وكان سيعني أن الصدمة التي سأتحدث عنها فريدة من نوعها‮.. ‬وهي كذلك بالفعل‮.. ‬لكن‮ (‬فريدة‮) ‬التي أقصدها هي صبية مصرية‮.. ‬ابنة أحد أصدقائي‮.. ‬عمرها‮ ‬20‮ ‬سنة‮.. ‬طالبة جامعية‮.. ‬كانت تريد أن تفعل خيرًا‮.. ‬فصدمها فساد من نوع صغير‮.. ‬ولكنه مؤلم‮.
‬ تعرفت فريدة إلي دار أيتام بسيطة في مدينة نصر‮.. ‬فيها عدد قليل من الأطفال الذين تتم رعايتهم بطريقة يفترض فيها أنها منظمة‮.. ‬وراحت هي وبعض صديقاتها‮ ‬يواصلن التردد علي الدار‮.. ‬لكي يعبرن عن تعاطفهن مع أيتام حكم عليهم الزمن بظروف قاسية‮.‬

‮ ‬وفي الدار يمكن لمن يريد أن يقدم الرعاية‮.. ‬أن يختار طفلاً‮ ‬ما‮.. ‬ويركز عليه جهوده‮.. ‬ويتولاه بعنايته‮.. ‬فيقدم له ما يمكنه‮.. ‬وفي كل أسبوع يمكن أن يصطحب الطفل إلي جولة خارج الدار‮.. ‬بحيث يكون ذلك نوعًا من العون العاطفي له‮.. ‬وبحيث يعطون له إحساسًا بأن لديه أسرة بديلة تهتم به وتنشغل لحاله‮.‬ وفي الدار مديرة‮.. ‬سيدة كبيرة في السن‮.. ‬لا حول لها ولا قوة‮.. ‬وتحتها في الترتيب مجموعة من الموظفات شبه المتعلمات‮.. ‬تتولي كل منهن رعاية مجموعة من بين الأطفال‮.. ‬ويطلق عليها الأطفال لقب‮ (‬ماما‮).. ‬وكان أن نشأت علاقة رعاية بين فريدة وبين طفل صغير اسمه وليد عمره تقريبًا ست سنوات‮.. ‬وكانت‮ (‬مامته‮) ‬تتابع هذه العلاقة بقدر من الاسترابة‮.‬
من الواضح أن فريدة كانت عواطفها جياشة أكثر من اللازم‮.. ‬ومن الواضح أن أباها وجد في هذا النوع من النشاط الاجتماعي المميز والصحي وسيلة لكي تتعلم ابنته رعاية الأطفال‮.. ‬ولكي توظف عواطفها في اتجاه اجتماعي وخيري صائب‮.. ‬ومن الواضح أن فريدة قد حولت رعايتها لوليد إلي حالة عائلية كاملة‮.. ‬بحيث أصبح وليد واحدًا من الأسرة في إطار ترتيبات الدار‮.‬
وانهمر علي وليد فيض من تبرعات العائلة‮.. ‬ملابس وأطعمة وألعاب‮.. ‬لكن هذا لم يكن يظهر علي وليد‮.. ‬كل شيء كان يأتيه لم يكن يظهر في المرة التالية‮.. ‬وكانت الموظفة‮ (‬مامته‮) ‬تطلب فريدة وتقول لها إنه يحتاج إلي هذا وذاك‮.. ‬وكانت فريدة تقدم ما تستطيع وهو كثير‮.. ‬لكنها بفطنة بسيطة رفضت كل التلميحات الهادفة إلي أن تدفع فلوسًا سائلة‮.‬
10 اغسطس 2009
قبل أيام ذهبت فريدة لاصطحاب وليد إلي جولة معتادة أسبوعيا‮.. ‬تخرج لتتنزه معه وترعاه‮.. ‬ولكنها فوجئت به يرتدي ملابس قديمة ومهلهلة‮.. ‬وسألت عما كانت قد اشترته له من قبل عدة مرات‮.. ‬فقالت لها‮ (‬مامته‮) ‬إن هذا هو الموجود‮.. ‬ولا شيء‮ ‬غير هذا‮.. ‬ومن ثم ضغطت علي ما تعرفه من تعلق الصبية بالطفل‮.. ‬وقررت أنه لن يخرج من الدار‮.. ‬وأن هذه هي التعليمات‮.‬
دعك من أنه تم اكتشاف أن الملابس وكل الأشياء تذهب إلي بيت‮ (‬الماما‮).. ‬وأن مديرة الدار لا حول لها ولا قوة‮.. ‬لكن الفتاة التي كانت تقوم بعمل إنساني وخيري صدمت جدًا‮.. ‬حين وجدت هذا العنت‮.. ‬وحين اكتشفت أن دارًا خيرية لرعاية الأيتام يمكن أن تمارس هذا الاستيلاء علي أشياء تافهة وبسيطة تقدمها التبرعات لأطفال‮.. ‬الله أعلم بحالهم‮.. ‬وقد كلمتني فريدة وحكت لي ما جري وأدركت حجم المعاناة والمشاعر المؤلمة التي تتعبها بعد هذا الموقف الذي كشف لها عن تلوث تافه القيمة عظيم التأثير‮.‬ ‮
‬تُري هل هذه الحالة تخص وليد وحده‮.. ‬أم أنه يعاني منها كل الأطفال الذين يفترض في الدار أن ترعاهم‮.. ‬وهل هناك رقابة حقيقية علي تنظيم هذا العمل الخيري البسيط والرقابة عليه‮.. ‬أم أنه يترك لألف‮ (‬ماما‮) ‬من هذا النوع؟‮.. ‬إذا أراد الدكتور علي المصيلحي أن يتخذ موقفًا من خلال آليات وزارة التضامن الاجتماعي فإن بيانات الدار لدي‮.. ‬ليس من أجل فريدة المصدومة‮.. ‬ولكن من أجل أن يستمر هذا العمل الخيري المهم وسيلة لكي يتضامن المجتمع مع أبنائه‮.. ‬ولكي يظل نقيا‮.. ‬بدلاً‮ ‬من أن يتحول إلي منظومة فساد تافهة ولكنها شديدة القسوة‮.‬