الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حول الصحافة الخاصة




لست ضد فكرة أن تكون هناك صحف خاصة،‮ ‬أنا ضد أن تقوم الصحف الخاصة علي أساس إخفاء وإنهاء الصحافة القومية‮.. ‬كما أني ضد أن تكون الصحف الخاصة أداة في يد مصالح البيزنس‮.. ‬بينما تدعي أنها مستقلة مما يعني التدليس علي الرأي العام‮... ‬وضد أن تكون الميزانيات‮ ‬غامضة ومصادر الأموال الطائلة‮ ‬غير معلومة‮.‬

‮ ‬وفي الأيام الاخيرة،‮ ‬راح البعض،‮ ‬دفاعًا عن الصحافة الخاصة،‮ ‬يروج لفكرة شكلها براق‮.. ‬وجوهرها‮ ‬غير دقيق‮.. ‬حول أن الأصل في تاريخ الصحافة المصرية هو أن الصحف كانت خاصة‮.. ‬وأن هذا مآلها‮.. ‬ومن ثم فإن من‮ ‬غير الطبيعي أن تكون هناك صحف قومية‮.. ‬بل الأساس أن تكون الصحف خاصة‮.. ‬هذه فكرة تستحق التفنيد‮.‬


لم يكن سليم وبشارة تقلا،‮ ‬مؤسسا الأهرام العظيمان،‮ ‬اللبنانيان اللذان هاجرا إلي الإسكندرية في القرن التاسع عشر،‮ ‬رجلي أعمال،‮ ‬بل شابين بدآ حياتهما صحفيين‮.. ‬يترجمان ويحرران مواد الجريدة العريقة التي صدرت في البداية أسبوعية في أربع صفحات‮.‬

‮ ‬وفاطمة اليوسف أصدرت مجلتنا الأشهر،‮ ‬في‮ ‬1925،‮ ‬بتبرعات ومساهمات مجموعة من الصحفيين،‮ ‬البسطاء،‮ ‬ومدخراتها القليلة جدًا،‮ ‬ولم تكن رجل أعمال‮.. ‬أو تاجرة قطن‮.. ‬بل معتزلة للمسرح‮.. ‬الذي كانت تلقب فيه بسارة برنار الشرق‮.‬

وكان جورجي زيدان مؤسس الهلال روائيا معروفًا وكاتبًا كبيرًا،‮ ‬وأسس الشاعر الكبير خليل مطران مجلة بدوره،‮ ‬وكان الشابان مصطفي وعلي أمين صحفيين وأسسا أخبار اليوم‮.‬

‮ ‬والمعني أن هناك سياقًا كان موجودًا في الأساس لكي يصدر هؤلاء العظماء صحفًا خاصة‮.. ‬لديهم خلفية تاريخية محددة‮.. ‬لا هم رجال أعمال‮.. ‬ولا هم من كبار المليارديرات ولا رموز إقطاع ما قبل الثورة‮.. ‬وبالتالي كان لهم نسق ثقافي ومسار مقبول يدفع بهم إلي هذا المجال‮. ‬وتوارثت أسرهم جميعًا تقريبًا العمل في مجال تلك المهنة‮.‬

أما إن الصحف الخاصة قبل الثورة،‮ ‬وقبل إجراءات التأميم،‮ ‬كانت مشروعًا ثقافيا،‮ ‬أو مشروعًا سياسيا معلنًا،‮ ‬أو عملاً‮ ‬صحفيا خالصًا،‮ ‬أو استطرادًا لمسيرة فنية،‮ ‬ليست نتوءًا في حياة من أصدروها‮.. ‬ولذا لا يمكن قبول الفكرة التي يرددها كثيرًا الملياردير صلاح دياب في هذا السياق من أن الأصل في الصحف أنها تكون خاصة‮.. ‬مضيفًا وهذا هو تاريخ الصحافة المصرية‮.‬

الملكية،‮ ‬وطبيعتها،‮ ‬تحدد نهج الصحف،‮ ‬ولا يمكن مثلاً‮ ‬أن تتوقع من صحيفة قومية مصرية أن تروج للمشروع الإيراني‮.. ‬وأن يكون هذا نهجها حتي لو مر مقال ضد هذا المعني‮.. ‬ولا يمكن أن تتوقع من جريدة مثل المصري اليوم أن تنتقد خدمات البترول أو التعاون مع الولايات المتحدة أو تجارة الشتلات أو تتكلم عن تراخيص محلات الجاتوه‮.‬

الصحف الخاصة قبل الثورة كان يجمعها التناثر حول المشروع الوطني من أجل التحرر من الاحتلال‮.. ‬وبعضها كان يمالئ الاحتلال‮ (‬المقطم كانت تتبع السفارة الإنجليزية واندثرت).. ‬والأغلبية كانت تقف مع المشروع المستمر ضد بريطانيا‮.‬

‮ ‬وعلي الساحة الآن يوجد نسقان يتسقان مع الخلفية التاريخية للصحافة الخاصة التي أتحدث عنها‮.. ‬من قبل الثورة‮.. ‬الأول هو جريدة الشروق ويملكها إبراهيم المعلم‮.. ‬ومؤسسة العالم اليوم ويملكها عماد الدين أديب وآخرون‮.. ‬الأول ناشر كتب والثاني صحفي‮.. ‬فهل هذا يعني أنني أؤيد النموذجين ؟ ليس شرطا‮.. ‬فقد اختلف لأسباب أخري‮.. ‬ولكن يجب أن أذكر أولاً‮ ‬أن الثاني(أديب‮) ‬لم يخض حملة مرتبة ضد الصحافة القومية وإن بدأ باستقطاب كوادرها‮.. ‬وثانيا أنني لست ضد الصحافة الخاصة كنوع من أنواع الملكية في حد ذاته من الأصل كما أوضحت‮.

‬ وهناك عشرات من الملاحظات علي المشروع السياسي الذي تتبناه جريدة الشروق،‮ ‬قد يكون لطبيعة الملكية ومصادر التمويل علاقة بهذا‮...‬وقد لا يكون‮.. ‬هذا أمر محل تحليلي الخاص‮.‬

خلاصة الفكرة أن الصحف الخاصة يجب أن يكون لها نسق‮.. ‬والنسق لا تصنعه الثروة‮.. ‬وإنما القيم التي تؤمن بها وتسوقها‮.. ‬والصحافة الخاصة حين تهاجم الصحف القومية إنما تضر مصالحنا المباشرة‮.. ‬والأهم أنها أيضًا بهذه الطريقة تعمل ضد الدولة وقيمها‮.. ‬وضد توازن حقيقي في المجتمع‮.. ‬ليست هي منشغلة بالحفاظ عليه‮.. ‬بل في أحيان كثيرة تعمل في عكس ثباته‮.‬

www.abkamal.net

[email protected]
 
12 اغسطس 2009