الحر العليل
عبد الله كمال
العاصمة الأمريكية حر.. رطوبتها عالية.. وتخنق.. وبالتالي فهي في تلك الفترة تخلو من أعداد كبيرة من الناس.. الجميع في المصيف..
والقاهرة أيضاً تعاني هذه الأيام من أغسطس الملتهب.. وقسوته.. وهي خالية من نخبتها.. وربما غالبية طبقتها المتوسطة.. فالجميع بدوره في مصايف متنوعة.
لكن واشنطن تتمتع بأجواء لطيفة أخري.. تبرد الحر.. وتجعل الهواء الخانق عليلاً.. فهي لأول مرة منذ ثماني سنوات تخلو من طغمة المحافظين الجدد.. لا تشعر فيها بأنك في موقع معادٍ وخصم.. كنت أسير فيها من قبل فينتابني إحساس غامض بأنه سوف تقع كارثة من أي نوع في أي لحظة..
البلد كما هو لم يتغير شيء.. بل إنه يعاني من ركود معروف بسبب الأزمة الاقتصادية.. لكنه أروق.. أخف ريحاً.. وربما كان السبب هو أنه يخلو الآن من جورج بوش.. ومن ديك تشيني.. ومن دونالد رامسفيلد.. وبالتأكيد يخلو من هذا الشخص الغريب الذي كان مسئولاً عن ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي اليوت إبرامز بكل عدائه لمصر.. غامض الأسباب.. وهذا الرجل كان يقف وراء كثير من الترتيبات والمواقف الأمريكية ضد القاهرة خلال السنوات الماضية.
المشكلة ليست في أنه يهودي.. فالكثيرون في نفس المجلس الآن من اليهود.. وعدد كبير من المحيطين بأوباما من اليهود أيضاً.. عندك رام إيمانويل كبير العاملين في البيت الأبيض.. ودان شابيرو الذي يحتل الآن موقع اليوت إبرامز. و(دان ) كما يقولون شاب واعد.. وذكي.. وأهميته تكمن في أنه غير أيديولوجي.. أي لا تقوده عقيدته الدينية والسياسية إلي محاولة إجبار الآخرين علي أن يخضعوا لأجندة سيادته كما كان يريد إبرامز أن يفعل..
ولكن هناك من يقول إن (شابيرو) قدم نصيحة للرئيس أوباما بخصوص إحدي الشخصيات العربية.. فلما قابل أوباما تلك الشخصية العربية.. واستعان بمشورة شابيرو.. كان أن فاجأه رد الفعل الصادم من تلك الشخصية العربية.. ومن ثم كان أن دخل دينيس روس علي الخط في مجلس الأمن القومي.. في ملف الشرق الأوسط. وروس، هو مستشار وزارة الخارجية لشئون ملف إيران وغرب آسيا.. وكان يسمي مبعوث الولايات المتحدة لهذا الملف.. وهو يهودي أيضاً.. وله تاريخ معروف في ملف السلام.. ومحاولاته صناعة تحول كبير في عصر كلينتون.. لكنه لم يتمكن.. لأسباب يقول بعض الدبلوماسيين إنها تتعلق به وبأدائه وأنه هو الذي أدي إلي فشل مفاوضات كامب ديفيد.. لكنه خبرة.. ويبدو أن خبرته ستكمل ما لدي شابيرو من حماس.
وفي واشنطن يكون هناك غالباً نوع من الصراع أو التنافس المعروف بين وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي.. والرجال حول الرئيس.. رايس الوزيرة السابقة كانت مستشارة للأمن القومي واختلفت مع الوزير كولن باول.. فلما حلت مكانه وجاء ستيف هادلي مستشاراً للأمن القومي لم يكن بينها وبينه صراع.. فهو كان ضعيفاً إلي حد ما.. ولكن كان الصراع بينها وبين مجموعة التابعين لنائب الرئيس أو لنقل (شلة ديك تشيني).
الوزيرة الحالية ليس لها هذا الصراع.. وهي متوافقة مع رجال الرئيس.. ولا يوجد تنافس بين أي من الأركان.. لكن جورج ميتشيل مبعوث الولايات المتحدة للسلام في الشرق الأوسط.. يتقدم خطوات إلي الأمام نحو الرئيس.. فهو محل ثقته.. ومقصده في كل ما يتعلق بالملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي .. وهو كما يدري الجميع اختياره الشخصي في هذا الموقع الحيوي.. الذي يمتد في اختصاصه أحياناً ليشمل أموراً أخري في بعض العواصم الشرق أوسطية.. قد لا تكون لها علاقة مباشرة بموضوع السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
هذه بعض أجواء ونميمة واشنطن السياسية في الحر العليل.. المدينة التي لم تعد ثقيلة الظل بين يوم وليلة.
www.abkamal.net
[email protected]