الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

جائزة نوبل بين التحيز للغرب وتهميش العرب




رغم أن «بورصة تكهنات» جائزة نوبل للآداب التى ستعلن اليوم «الخميس» جاءت خالية من اى اسم عربى.. فإن أحدا ليس بمقدوره القول على وجه اليقين إن قطار نوبل لن يتوقف هذا العام أيضا
 
عند اى مبدع عربى منذ أن توقف مرة واحدة عند هرم الرواية المصرية والعربية نجيب محفوظ فى عام 1988.
 
وبنظرة متأملة لصراع التكهنات فى مثل هذا الوقت من كل عام وقبل ساعات معدودة من إعلان الأكاديمية السويدية رسميا عن اسم الفائز ومع التوقع بأن أغلبها سيجانبه الصواب فى كثير من الأحيان فإن الإعلان الرسمى عن اسم صاحب نوبل ينطوى على مفاجآت غابت تماما عن ما يطلقه البعض.
 
فقبيل الإعلان عن اسم الفائز بجائزة نوبل للأداب - تدور طاحونة المراهنات السنوية بقوة وتتردد أسماء الفائزين، رغم أن كثيرا منها خابت فى الأعوام السابقة.
 
 ما ننتظره حول اسم الفائز بالجائزة لم يتوقف.. فإن الأكاديمية السويدية بدورها تنوه عن المفاجآت التى تنزع أحيانا للخروج عن كل التوقعات.
 
 
 
فى عام 2011 مفاجآة سعيدة للسويديين أنفسهم الذين لم ينل أحد منهم هذه الجائزة منذ عام 1974.
 
وكانت «بورصة التكهنات» هذا العام قد رفعت من أسهم الروائى اليابانى هاروكى موراكامى للفوز بالجائزة التى تبلغ قيمتها ثمانية ملايين كرونة وتعادل نحو مليون و200 ألف دولار أمريكى بعد أن خفضت قيمتها بنسبة 20% جراء الأزمة المالية والاقتصادية التى طالت السويد شأن كثير من الدول بدرجات متفاوتة.
 
ورغم أن آخر يابانى يفوز بجائزة نوبل للأدب هو كنزا بورو فى عام 1984، فإذا صحت هذه التكهنات المحمومة فى راهن اللحظة.. فإن اليابان تكون قد حصدت هذا العام جائزتين من جوائز نوبل، حيث فاز الأستاذ اليابانى فى جامعة «كيوتو» شينيا ياماناكا بجائزة نوبل فى الطب مناصفة مع البريطانى جون جوردون عن أبحاثهما فى الخلايا الجذعية بإعادة برمجة خلايا الجسم البالغة إلى الحالة الجذعية لتصبح متعددة الاستعمالات.
 
وشملت بورصة التكهنات لجائزة نوبل للأدب أيضا كاتب الأغانى والمغنى الأمريكى بوب ديلان ومواطنه الروائى توماس بينشون، فضلا عن الكاتب الصينى مو يان.
 
ومن الطريف أنه فى عام 2010 كاد الشاعر والكاتب السورى أدونيس أن يحتفل رسميا بفوزه بجائزة نوبل للأدب.. بعد أن بلغت طاحونة التوقعات ذروتها لترجح كفته لتخرج الأكاديمية السويدية وتعلن بكل الثقة أن الفائز بالجائزة هو الكاتب ماريو فارغاس يوسا.
 
وفى العام الماضى أيضا تردد اسم الشاعر والكاتب السورى الأصل على أحمد سعيد الشهير بأدونيس ضمن الأسماء المرجح فوزها بجائزة نوبل للأدب، غير أن إعلان الأكاديمية السويدية عن منح جائزة نوبل فى الأدب للشاعر السويدى توماس ترانسترومر البالغ من العمر 80 عاما جاء ليثبت خطأ الرهان بقوة على «بورصة التكهنات».
 
ولم يكن الغضب عربيا فى المقام الأول عند الإعلان عن اسم الفائزة بجائزة نوبل للأدب فى العام الماضى.. حيث هبت عواصف الانتقادات بقوة فى الغرب لترعد وتزبد وترغى منذ إعلان الأكاديمية السويدية عن منح الجائزة للشاعر السويدى توماس ترانسترومر.
 
وانطلقت الصحافة ووسائل الإعلام فى الغرب بآراء تؤكد أن هناك أخطاء فظيعة وخللا خطيرا فى جائزة نوبل للأدب بصورة تبرر بقوة التساؤل عن مدى صحة قرارات الأكاديمية السويدية بشأن منح هذه الجائزة لأديب ما.
 

 
وقال القاص والناقد البريطانى تيم باركز: «اننى لم أعرف من قبل اى شىء عن الشاعر توماس ترانسومتر وباستثناء بعض القصائد الطويلة المتاحة حاليا على شبكة الانترنت فإننى لم أقرأ له اى شىء»، معتبرا أن هناك حاجة للتوقف مليا عند آليات اختيار الفائز بجائزة نوبل فى الأدب.
 
وتناول تيم باركز الذى عمل أيضا كأستاذ جامعى للأدب أوضاع الأكاديمية السويدية من الداخل ليقول: إن كل أعضائها من السويديين، ويشغل العديد منهم مناصب فى جامعات السويد ويعملون كأساتذة جامعيين، فيما تضم هذه الأكاديمية حاليا بين أعضائها خمس سيدات غير أن اى سيدة لم تشغل أبدا حتى الآن منصب الرئاسة.
 
وأوضح باركز أن عضوا واحدا من أعضاء الأكاديمية السويدية الذين يقررون اسم الفائز بجائزة نوبل فى الأدب ولد بعد عام 1960، الأمر الذى يعنى افتقارها لدماء جديدة،
فيما فسر هذه الظاهرة بقوله: إنها ربما ترجع إلى أن قانون الأكاديمية يحظر الاستقالة من عضويتها..كأنها حكم بالعقوبة مدى الحياة!.
 
وكشف تيم باركز عن أن عضوين فقط من أعضاء الأكاديمية السويدية اعترضا فى السنوات الأخيرة على قرارات اتخذت فى خضم المداولات حول الفائز بجائزة نوبل فى الأدب فيما تبقى المسألة الأكثر أهمية هى مسألة الآليات التى تحدد اسم الفائز بجائزة يفترض انها أهم جائزة أدبية فى العالم.
 
وحول هذه المسألة، قال تيم باركز - فى طرح بمجلة «نيويورك ريفيو»: إن أعضاء لجنة التحكيم المنتمين للأكاديمية السويدية يستعينون بعشرات الخبراء فى مجال الأدب من دول عديدة وهؤلاء الخبراء يتقاضون مكافآت مالية سخية مقابل قليل من التأملات بشأن أدباء يمكن أن يكون أحدهم هو الفائز بجائزة نوبل.
 
ومع أن هؤلاء الخبراء من المفترض أن يبقوا مجهولين فقد ذهب تيم باركز إلى أنه قد تبين أن بعضهم هم أصدقاء أو معارف لأشخاص رشحوا للجائزة.
 
وإن كانت جائزة نوبل فى الأدب تمنح لمجموع إنتاج كاتب او شاعر ما فقد رأى باركز فى سياق تناوله للآليات التى تحدد اسم الفائز أن مسألة الترجمة للغة السويدية تعزز بالضرورة من فرص الفوز، لكن السؤال يبقى قائما حول مدى فهم أعضاء الأكاديمية لكتاب او شعراء ينتمون لثقافات فى هذا العالم بعيدة كل البعد عن الثقافة السويدية.
 
وقبل اختيار الشاعر السويدى توماس ترانسترومر العام الماضى ليكون ثامن أوروبى يفوز بجائزة نوبل للأدب فى الأعوام العشرة الأخيرة.. وفى مواجهة عاصفة من الانتقادات - أقر بيتر أنجلوند رئيس لجنة المحكمين بأن الأعضاء يعرفون الانجليزية بما يكفى، غير أنهم لن يعرفوا بالضرورة كل اللغات الأخرى مثل الإندونيسية، وهنا فإن السؤال يتعلق بالعلاقة الوثيقة بين اللغة والثقافة، ومدى نجاح الترجمة فى نقل ما يقصده كاتب او شاعر لمن يقرأ هذه الترجمة.
 
وفى صحيفة الأوبزرفر البريطانية، اعتبر ويل سكيدلسكى.. أن قرار منح جائزة نوبل فى العام الماضى للشاعر السويدى توماس ترانسترومر هو خطأ جديد يضاف لسجل الأخطاء التاريخية للجنة المحكمين والتى تجاهلت مرارا وعلى نحو فظ من يمكن وصفهم حقا بعمالقة الأدب فى العالم.
 
وأضاف سكيدلسكى أنه على الرغم من عمله لسنوات فى الصحافة الثقافية فإنه لا يعرف شيئا عن هذا الشاعر، بل إنه يبذل جهدا لاستدعاء اسمه بصورة صحيحة منذ الإعلان عن فوزه بجائزة نوبل للأدب هذا العام.
 
واتفق سكيدلسكى مع الرأى القائل بأن جائزة نوبل للأدب باتت تتمحور بصورة لايمكن قبولها حول الذات الأوروبية وتتجاهل بقية العالم بما فى ذلك الولايات المتحدة ناهيك عن أفريقيا والعالم العربى.
 
وخلص سكيدلسكى إلى أن الأمر قد يلحق فى نهاية المطاف أضرارا فادحة بالجائزة التى يعتبرها الكثيرون جائزة عالمية إن لم تكن أهم جائزة عالمية فى الأدب، ولكن تصرفات وقرارات المحكمين تدفع أيضا الكثيرين للتخلى عن هذا الاعتقاد والنظر للجائزة كجائزة محدودة الأهمية ولاتعنى الكثير فى الواقع.
 
ولئن كانت جائزة نوبل فى الأدب قد ذهبت من قبل لعمالقة مثل طاغور، وويليام بتلر ييتس، وجابرييل ماركيز، ونجيب محفوظ.. فإن هناك بين النقاد الكبار من يتذكر بمرارة
منح هذه الجائزة لرئيس الوزراء البريطانى الراحل ونستون تشرشل.
 
ولفت الناقد البريطانى جون دوجدال إلى الحقيقة المتمثلة فى أنه منذ حصول الأديب والكاتب المصرى الراحل نجيب محفوظ على جائزة نوبل للأدب عام 1988 لم يتوقف قطار نوبل أبدا عند أى مبدع عربى، كما أن نجيب محفوظ هو الوحيد فى العالم العربى الذى  حصل على هذه الجائزة، وأحد أربعة أدباء فقط على مستوى القارة الافريقية كلها توجوا بنوبل.
 
ولعل حال أفريقيا أفضل من قارة آسيا، حيث أعاد دوجدال للأذهان أنه لم يحصل فى آسيا كلها على جائزة نوبل فى الأدب سوى ثلاثة أدباء انحصروا ما بين الهند واليابان فقط.
وبالقدر ذاته، ساد شعور على الساحة الثقافية العربية بأن «ام الجوائز العالمية فى الأدب قد تأخرت أكثر مما ينبغى عن المبدعين العرب، وأن قطار نوبل تأخر كثيرا
رغم تعدد المحطات والقامات الإبداعية العربية فى عالم الأدب رواية أم قصة أم شعر.
 
ومع إعلان الأكاديمية السويدية فى العام الماضى عن اسم الشاعر السويدى توماس ترانسترومر كفائز بجائزة نوبل للأدب، كان من حق مجموعة من كبار المبدعين العرب
 
أن يشعروا بالإحباط وأن تثار التساؤلات حول صدقية معايير الفوز بجائزة نوبل للأدب، فيما يفرض السؤال الكبير نفسه: «هل يجوز أن يحصل أديب عربى واحد على الجائزة منذ منحها أول مرة عام 1901 وحتى عام 2011؟، وهل من المستساغ غياب الابداع العربى بهذه الصورة عن أهم جائزة أدبية فى العالم على مدى 110 أعوام؟!».
 
وكان الشاعر الفرنسى رينيه سولى برودوم قد فاز بجائزة نوبل للأدب عند منحها لأول مرة عام 1901، حيث فضل على الأديب الروسى العملاق تولستوى وحجبت الجائزة سبع مرات منذ إطلاقها فى مستهل القرن العشرين.
 
ويرى جيمس كامبل الناقد بالملحق الأدبى لجريدة التايمز البريطانية أن هذه الجائزة زادت من مصائب الفريد نوبل مخترع الديناميت، لأن أحدا لايمكنه وضع معايير ذهبية
للكتابة فى الأدب حتى لو كانت معايير نوبلية، ومن ثم فهذه الجائزة بالتحديد تضاف لجناية السويدى نوبل على الإنسانية وتركته المشئومة للعالم!
 
كما ترددت من قبل اسماء الكينى نجوجى واثيونج والصومالى نور الدين فرح والإسرائيلى عاموس أوز، والكورى الجنوبى كو وان، واليابانى هاروكى موراكامى، والهندى فيجايدان ديثا، والأسترالى ليس موراى، والمجرى بيتر ناداس.
 
وخلال النصف الأول من القرن العشرين احتكر الأدباء والكتاب فى الغرب جائزة نوبل للأدب فيما كان الكاتب والأديب النيجيرى وول سوينكا أول أفريقى يفوز بهذه الجائزة فى عام 1986.
ولأن أدونيس كان ومازال أحد أشعر الشعراء العرب وصاحب منجز ثقافى إبداعى شاهق فإن الكثيرين فى المنطقة العربية وربما فى العالم ككل توقعوا دوما حصوله على جائزة نوبل فى الأدب غير أن التوقعات خابت دوما.
 
ورغم أن جائزة نوبل العالمية تغير غالبا مصير من يفوز بها سواء على المستوى المعنوى او المادى حيث تقفز مبيعات كتبه بشدة، فقد رفضها كاتب مثل الفرنسى جان بول سارتر فى عام 1964، معلنا أنه يرفض التقدير من السلطات الرسمية فى عالم الأدب.
 
وعلى الرغم من أنها توصف «بأم الجوائز الأدبية فى العالم» فإن جائزة نوبل للأدب لم تسلم من اتهامات بالانحيازات الأيديولوجية أو الخضوع لأهواء سياسية بل وعنصرية، ويضرب البعض مثلا بحصول مبدع عربى واحد فحسب وهو نجيب محفوظ على جائزة نوبل للأدب منذ أن ظهرت جوائز نوبل قبل أكثر من 100 عام.
 
ومع الإعلان فى خلال ساعات عن اسم الفائز بجائزة نوبل للأدب.. لا أحد يمكنه الإجابة بيقين عما إذا كانت هذه الاتهامات ستزيد وستبقى الجائزة مستعصية على أى عربى منذ أن فاز بها «هرم الرواية المصرية والعربية نجيب محفوظ» فى عام 1988 كأول وآخر كاتب عربى ام أن العرب على موعد مع مفاجأة سعيدة مع القطار الذى تأخر طويلا؟