الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

السرطان يرتع علي أرصفة العاصمة

السرطان يرتع علي أرصفة العاصمة
السرطان يرتع علي أرصفة العاصمة




 تحقيق وتصوير - سمر حسن

«اتفضل يا بيه.. شوفى ياهانم.. منتجاتنا ميه الميه.. وأرخص من المحلات» هذه الجملة جزء من العبارات التى تسمعها أثناء ذهابك وإيابك فى شوارع العاصمة، التى تحولت لسوق كبير يعرض به المنتجات الفاسدة، ومجهولة المصدر، والتى أوشكت على الانتهاء.
قائمة طويلة تحتوى على الكثير من الأمراض الفتاكة على رأسها السرطان، بسبب المنتجات التى لا حصر لها ولا عدد المباعة على الأرصفة، دون التزامها بمعايير الصناعة، والجودة الصحية والبيئية.
استغل أباطرة تصنيع المنتجات المقلدة الحالة المادية للعديد من المواطنين، وبحثهم عن المنتج الأقل ثمناً كى يناسب دخولهم، وأغرقوا الأسواق بمنتجاتهم «المضروبة»، ودائماً ما نسمع ونشاهد عبر وسائل الإعلام وبرامج التوك شو عن سن كل من جهاز حماية المستهلك، والتموين ترسانة قوانين لمكافحة الغش التجارى، ولكن بعد الجولة التى قامت بها «روزاليوسف».. وجدنا أن الموت يباع ويشترى كل يوم على الأرصفة، سم يسرى فى أجساد المصريين وينهشها، ويفتك بأكبادهم، وأن تلك القوانين مازالت غير فاعلة.


تجمع الوزارات والهيئات
فى البداية ذهبنا إلى أكثر الأماكن تركيزا على بيع تلك السلع التى تدخل كل بيت مصري، وكان لنا لقاء مع الباعة فى المنطقة المحيطة من تجمع أكثر من 20 وزارة وهيئة حكومية فقرب محطة مترو سعد زغلول، حيث وجدنا كل ما تحتاجه الأسرة من غذاء يباع على الأرصفة من أطعمة وفاكهة وخضروات ولحوم وأسماك، بل وحتى الملابس والخبز، وغيرها.
يقول فرغلى السيد - بائع بمنطقة لاظوغلى - أن معدة المصرى قادرة على هضم الزلط، ولا يوجد أى مشكلة من تناول وجبات منتهية الصلاحية، فالأهم أن تتناسب الأسعار مع الحالة المادية للزبون.
 أما على حسونة – بائع - حينما ذهبنا للحديث معه وسؤاله عن سبب انخفاض الأسعار للبضائع المصنعة فى مصانع بير السلم فى منطقة منشية ناصر، رد علينا بنظرة عبوس قائلاً «لو الأسعار مش عجباكي.. وشاكة فى البضاعة.. روحى اشترى من ستى ستار»، مؤكداً أن هذا السوق له زبائنه الخاصة والكثيرة والتى تقبل عليه نظراً لأسعاره المنخفضة.
 وقال طارق حنفي- بائع - نحن لا نغش أحدًا، فالجميع يأتى إلينا للشراء وهو يعلم أن هذه المنتجات مقلدة، ولكنها بنفس جودة الأصلية، وواصل أنهم يتعاملون مع مصانع جيدة تورد لهم تلك المنتجات بأسعار مخفضة.
 واصلنا الرصد فى منطقة أخرى أكثر كثافة فى السكان والزوار، وكانت فى العتبة، وأكد لطفى الشربيني- بائع بمنطقة العتبة - أن البضاعة المباعة فى الأسواق الشعبية جيدة، فليس بالضرورة أن تكون مخفضة ﻷنها مقلدة أو أقل جودة أو رديئة الصنع، ولكن فى كثير من الأحيان تكون مهربة، وتكون أرخص لأنها لم تتحمل قيمة الرسوم والضرائب التى ترفع من قيمتها فى المحلات التجارية والسوبر ماركت.
وقال سعد السيد - بائع فى منطقة وسط البلد - أن البضاعة المباعة فى الأسواق الشعبية هى نفسها التى تباع فى أسواق المناطق الراقية، ولكن الباعة الموجودين هناك يحددون الأسعار وفقاً للوضع المالى لسكان المنطقة، أما المنتج ومصدره فهو واحد، فقد كان لى مكان مخصص للبيع فى سوق التحرير الموجود بمنطقة الدقي، وكنت أبيع نفس المنتجات وبنفس مصدرها، ولكن بسبب مرضى تركت مكانى وعندما عاودت وجدت شخصًا آخر استحوذ عليها، فلم يكن من حقى إصدار أى رد فعل سوى البحث عن مكان آخر لكسب قوت يومي.
 وقال الحسنين فرج - بائع بمنطقة العتبة - ليس من الضرورى بيع منتجات مجهولة المصدر، أو مقلدة، ولكن قد تكون قد قاربت على انتهاء الصلاحية، فنأخذها من مصانعها بفارق سعر كبير، وأحياناً كل قطعة نأخذ عليها الأخرى مجاناً، وبالتالى نخفض فى الأسعار مراعاة لمحدودى الدخل والمعدمين، ولكى يتم بيعها بسرعة قبل انتهاء الصلاحية فعليا.
 أما عن سؤالهم عن الرقابة ومفتشى التموين أو الأغذية أو حماية المستهلك أو البلدية أو غيرها فرد الجميع «ربنا يبعدهم عننا» فعندما يأتون إلينا نجمع بضائعنا تاركين المكان حتى تنتهى جولتهم ونعود مرة أخرى إلى أماكننا، فإذا تمكنوا من أحدنا صادروا بضائعه مصدر قوته.
الزبائن.. وأطعمة الرصيف
 قالت أمل مشرف - 29 عامًا موظفة - اضطر لشراء الأطعمة من الأسواق الشعبية ومفترشى الأرصفة ﻻنخفاض ثمنها، فدخلى لا يسمح بشراء منتجات الأسواق الراقية والمولات، ولدى طفلان يحتاجان إلى الأطعمة، والحلويات مثل باقى زملائهما فى المدرسة، ولابد من توفيرها لهما، ولو كانت مجهولة المصدر فالحارس هو الله.
 ووافقها الرأى عبدالرازق محمد – عامل - فهو يقدم على شراء تلك المنتجات لأنها تناسب دخله، فبالرغم من إصابته بالتهابات كبدية بسبب تناولها، إلا أنه يأتى لشرائها، فليس لديه خيار آخر سوى الموت جوعاً.
 وقال حسين شوقى - 50 عامًا تاجر - كنت زبونًا دائمًا فى الأسواق الشعبية، حتى مرضت ابنتى البالغة من العمر 17 عامًا بقرحة معدة، والتهابات حادة فى الكبد، لدرجة أن الطبيب المعالج قال لى «كبد ابنتك ملتهب كمدمن الخمر»، وبعدها امتنعت عن الشراء من تلك الأسواق، وأضاف أنه كان يشترى منها ليس بسبب دخله المحدود، وإنما ظناً منه أن بائعى المحلات «نصابين» ويرفعون الأسعار كيفما شاءوا مستغلين الزبائن.
 وقال محمد حسنى – مدرس عمره 41 عامًا - كنت اشترى من باعة الأرصفة لعدة أسباب، أولاً لمساعدة هؤلاء الباعة الباحثون عن لقمة عيش، وثانياً لأنهم فى طريقى أثناء ذهابى للعمل، وبذلك أوفر الوقت والمجهود، إضافة إلى السعر المنخفض، ولكن بعد التحذيرات المستمرة من الأمراض السرطانية التى تأتى نتيجة تعرض الأطعمة ﻷشعة الشمس امتنعت عن الشراء منهم نهائياً.
 بينما قالت زينب محسن - 38 عامًا ربة منزل - نظراً للأمراض التى لحقت بى وبأولادي، قررت شراء ربع الكمية على أن تكون من مكان مضمون، بدلا من شراء الكمية الكبيرة مجهولة المصدر، صحيح أن ثمنها منخفض، إلا أن الأمراض التى تسببها تحملنا عبئًا آخر وهو التنقل بين الأطباء للعلاج، ومن ثم تكبد دفع الفيزيتا وتكلفة العلاج للأمراض المختلفة.
 بينما قال طارق السعيد – 49 عامًا تاجر – لا أشترى من منتجات الأرصفة فصاحبها لا أستطيع الوصول إليه مرة أخرى إذا كانت بضاعته فاسدة أو غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وطالب الحكومة بتوفير المنتجات بأسعار بسيطة ومخفضة لكى يتمكن الجميع من شرائها والقضاء على المنتجات مجهولة المصدر، بدلا من تفاوت الأسعار للسلعة الواحدة فى كل منطقة، وبين بضائع الشارع والسوبر ماركت والمحال التجارية الصغيرة.
المواد البلاستيكية القاتلة
 ومن جانبه قال الدكتور محمد سعد – أستاذ الكيمياء الحيوية – أن المأكولات مجهولة المصدر والمقلدة ليست وحدها التى تفتك بصحة الإنسان، وإنما العلب البلاستيكية التى يوضع فيها الطعام مثل علب الكشري، وأكياس عصير القصب والتى تحتوى على مواد كيميائية ذات سموم عالية تصيب الإنسان بأمراض خطيرة فى الكلى والكبد وقد تؤدى إلى الوفاة على المدى البعيد.
وأضاف أن تعرض المنتجات للشمس لفترات طويلة تسبب الأمراض، بسبب المواد المستخدمة فى الطباعة على أكياس المنتجات حيث تتخلل إلى الطعام نفسه ومن ثم إلى جسم الإنسان وعلى التحديد الكبد فهو مركز تكسير السموم، وشدد على ضرورة الامتناع عن شراء تلك المنتجات فقلة ثمنها شيء يثير القلق والخوف، فعلب الجبنة المباعة على الأرصفة يتفاعل فيها المحلول الملحى الموجود بها مع مادة البوليمر، بسبب عدم الحفظ الجيد لها وذلك يؤدى إلى سرطان الفم والمرىء، بالإضافة إلى أن طرق الرص المتداخلة على الأرصفة تفسد الأطعمة، بخلاف عرضها لفترات طويلة على الرصيف.
 ومن جانبه قال الدكتور أمجد محروس – دكتوراه فى أمراض الكبد – أن المنتجات المباعة على الأرصفة وفى أسواق الشوارع الشعبية يقبل عليها المواطنون لرخص ثمنها خاصة العمال والطلبة، ولكن هذه المنتجات بها سم قاتل فضلا عن قرب انتهاء صلاحيتها أو أنها غير مطابقة للمواصفات، فحتى لو كانت سليمة، فتعرضها لعوادم السيارات والأتربة الموجودة فى الشارع يجعلها تحوى كمًا كبيرًا من البكتيريا والفيروسات، فضلا عن الرصاص الناتج من عادم السيارات الذى يلتصق بهذه الأطعمة المكشوفة فيسبب أمراضًا تفتك بالمعدة.
وأوضح أن أول أكسيد الكربون الناتج من عادم السيارات، يتحد مع الهيموجلوبين «صورة الدم» بمعدل 200 مرة أكثر من الأكسجين، ويسبب إعاقة وظيفة الأكسجين فى الدم ويحوله لثانى أكسيد الكربون مما يسبب تسمم الدم.
 ومن جانبه قال الدكتور محمد عبد الوهاب – أخصائى أمراض الكبد – أنه لاشك أن الأطعمة المكشوفة التى تباع فى الأسواق وعلى الأرصفة عرضة لجميع الملوثات والأتربة، والضحية هو المواطن، وشدد على ضرورة التفتيش الصحى على المطاعم والأسواق، موضحًا أن هذه الأطعمة قد تسبب فيرس «السلامونيلا» الذى يسبب مرض التيفود نتيجة تلوث الطعام، مشددًا على ضرورة توفير المواصفات الغذائية الجيدة لحماية صحة المستهلكين، فبائع الشارع لا يكون له موقع ثابت مما يصعب خضوعه للتفتيش الرقابى.
ومن جانبه قال الدكتور محمد فريد - أستاذ أمراض الجهاز الهضمى والكبد بالقصر العينى - حصر المشكلة الأكبر فى فك اللحوم المجمدة ثم إعادة التجميد مرة أخرى خاصة أثناء إنقطاع التيار الكهربائي، فتفك ثم تتجمد وتتكرر هذه العملية حتى تفسد وتتعفن أجزاء منها وتجمد من جديد وتباع، وأوضح أن البكتيريا والطفيليات الناتجة عنها تتسبب فى أمراض الغرغرينا، وأمراض المعدة والتى قد إلى الإصابة بالسرطان.
 مصانع بير السلم
وقال المستشار أمير الكومى - رئيس جمعية المراقبة والجودة لحماية المستهلك - الإحصائيات تؤكد أن مصانع بير السلم تتراوح بين «670» ألف و 1.2 مليون مصنع، مؤكدًا رفضه لاتباع الحل الأمنى طوال الوقت، وتحميل جهاز الشرطة تقصير الوزارات الأخرى، ومشددا على ضرورة حصر تلك المصانع وتجهيزها بحيث تصبح مطابقة للمواصفات، مما يوفر على الدولة إيجاد فرص عمل للعاطلين، ويزيد من حجم الاقتصاد، وتوفير ميزانية وزارة الصحة التى تهدر لعلاج ما أفسدته مصانع بير السلم من صحة المصريين.
وقال محمود العسقلانى - مؤسس جمعية مواطنون ضد الغلاء - لا يوجد فى مصر رقابة سابقة أو لا جادة على الأغذية قبل أو بعد طرحها فى الأسواق، وأن المستهلك إما أن يموت جوعاً هو وأولاده أو يضطر لشراء السلع المضروبة، مشددًا على ضرورة تفعيل دور الرقابة على الأغذية، وتوفير أجور كافية للمفتشين حتى لا يقعون تحت تأثير الاحتياج المادى ومن ثم التأثير على ضمائرهم، مؤكدا أن مصر تحتاج إلى إعادة هيكلة لمنظومة سلامة الغذاء، فلابد أن تكون فى يد جهة واحدة ومدعمة بقوات أمنية خاصة بها، ويجب تعديل القوانين الحالية وتغليظ العقوبات على المخالفين.
ومن جانبه قال الدكتور يسرى حسين - وكيل وزارة الصحة لشئون صحة البيئة - أن الوزارة تشن حملات مستمرة على مصانع اللحوم المرخصة والمنتجات بالأسواق، لفحص المنتجات والتأكد من سلامتها، وفى حالة ضبط أى منتج فاسد أو غير مطابق للمواصفات يتم إعدامه على الفور، ويتم تحرير محضر للمخالف، أما مصانع بير السلم وغير المرخصة فهى مجهولة، ويتم مداهمتها وضبط المنتجات الموجودة وإعدامها بالتنسيق مع مباحث التموين.
وأوضح أن هناك تحديات تواجه الوزارة فى التفتيش الرقابى على المصانع وأهمها العجز الشديد فى عدد المفتشين، فعددهم 170 مفتشًا على مستوى الجمهورية، والذين يفتقدون للتأهيل والتدريب لوقت طويل، مشددا على دور الإعلام فى توعية الجمهور لعدم التعامل مع الباعة الجائلين، وشراء السلع مجهولة المصدر لأنه بذلك يعرض حياته للخطر.