الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عز الدين جلاوجى: الإبداع والتجريب وجهان لعملة واحدة

عز الدين جلاوجى: الإبداع والتجريب وجهان لعملة واحدة
عز الدين جلاوجى: الإبداع والتجريب وجهان لعملة واحدة




حوار – خالد بيومى

يمتلك رصيدا إبداعيا كبيرا تجاوز الثلاثين كتابا، ينتقل بين أجناس إبداعية مختلفة، حيث كتب فى الرواية والمسرح والقصة والنقد وأدب الأطفال، يشرف فى الجزائر على قيادة جمعية وطنية هى رابطة أهل القلم، يقضى وقتا طويلا فى العمل الأكاديمى فى رحاب الجامعة، ذلك هو الأديب الدكتور عزالدين جلاوجى.. إلتقته روزاليوسف فكان هذا الحوار عن تجربته الإبداعية.
■ تخوض فى كتاباتك الروائية والمسرحية والقصصية مغامرة التجريب، أى مغزى تريده؟ وأى نتيجة تبتغيها؟
- أتصور أن الإبداع والتجريب وجهان لعملة واحدة، بل هما وجه واحد متطابق فلا إبداع دون تجريب ولا تجريب دون إبداع، بمجرد أن تخطر كلمة إبداع فى الذهن إلا وتتسارع معها كلمة تجريب، ومن هذا المنطلق تنتفى الصفتان عن كل مقلد، ولم تستطع البشرية أن تقيم للأدب خاصة وللفنون عموما صرحا شامخا إلا من خلال فعل التجريب، وهو ما يتجلى فى كل تجربتى الكتابية، رواية ومسرحا وقصة، أسعى أساسا كى أقيم لنفسى ما يمنحها التميز والتفرد عن كل التجارب الأخرى، السابقة والمعاصرة لى، وهو ما يلمسه قرائى ونقاد أدبي، وبالأساس الذين تخصصوا فى متابعة تجربتي، بل هم يتفقون أن التجريب ليس بالنسبة لغيرى فحسب، بل حتى على المستوى الداخلي، فلكل رواية وكل مسرحية وكل قصة طابعها المختلف، وعبقها المتميز، لا أريد أن يشرب قرائى من ماء آسن، طبعا وهذا لا ينفى وجود سلك رابط بين كل هذه الأعمال، يقيم بينها لحمة نسب.
■ بالمناسبة.. أنت تخوض تجريبا حتى على مستوى اللغة؟ امتد أيضا إلى النحت، ما الدافع إلى ذلك؟
- بقدر ما نحس بضعف اللغة أمام الحياة، حتى اللغة فى مفهومها العام، نحس نحن بالضعف أمام اللغة، ونقف مفتونين أمام سطوتها وعبقريتها، وقد قال أسلافنا يوما إذا اتسع المعنى ضاقت العبارة، أمنت دوما أن النص مهما أوتى من ملكة التميز لا يمكن أن يكون نابضا بالحياة ما لم تكن له لغة مدهشة، أراود دوما اللغة الشاعرة، اللغة المرفرفة مع الشذى والفراش والملائكة، دون أن تنفلت منى بقية عناصر الإبداع، كما أتمرد أحيانا لأخلق لغة اللالغة كما فى «سرادق الحلم» و«الفجيعة»، ولى مع الكلمات عشق خاص، المقدنس (مقدس+مدنس) القوزح (قوس قزح)، المسردية (مسرح+ سرد)، قرزير (قرد+خنزير)، ديناغول (ديناصور+ غول)، وهكذا، لعل السبب طلب جمال أكبر ودهشة أجمل، ومعنى أعمق.
■ بين روايتيك «العشق المقدنس» و«حائط المبكى» هوة، أو بالأحرى تمايز، كيف يمكن أن تقدم كلا منهما؟
- هما شقيقتان، من مشكاة واحدة، غير أن الأولى تنحت فى الذات الجمعية، وتخوض غمار الحفر فى أعماق التاريخ، واعتماد مرآة لتعكس ذلك فى مستقبل السنوات، إنها طرح لأسئلة عامة محيرة، أرى أننا تأخرنا كثيرا فى طرحها، نعم هى أسئلة حارقة وذابحة، ولكن لابد أن نطرحها، أما الثانية فهى غوص فى الذات الفردية، مما يجعلها أكثر انفتاحا على الإنسان فى كل عصر ومصر وكل جنس ولغة ودين، ولا تكف الرواية أيضا عن طرح الأسئلة، من خلال الحلم، اللغة، الموسيقى، الفن التشكيلي، المرأة، الجنون، طفولة البشرية.
■ دعوت إلى الانتصار للنص المسرحى على حساب خشبة المسرح.. لماذا؟
- فعلا دعوت للانتصار للنص لكن ليس على حساب الخشبة أبدا، النص إبداع مكتمل قائم بذاته، أما العرض فلا يتحقق إلا بتضافر جملة من الفنون، مما جعلنى فى إحدى كتبى  النقدية أقلب الشائع من أن المسرح أب الفنون، لأقول المسرح نجل الفنون، هو ابن مدلل يولد نتيجة تزاوج طائفة من الفنون القولية والسمعية والبصرية وغيرها، ومعلوم أن هناك حركة عملت على اغتيال النص والحط من قيمته، مما أزرى به للأسف الشديد، وضيعنا آلاف النصوص مع العروض التى ضاعت أيضا، مع أن هذه النصوص هى أيضا أدب راق، وهو ما شوه الصورة لدى المتلقين، فلا يتلقون هذه النصوص إلا مرتبطة بالخشبة، واسأل عن شكسبير وبرخت وشو والمسعدى والحكيم وونوس والمدنى برشيد وفرج غيرهم، يعرفهم الكثيرون وقراءهم نادرون، فى وقت يتهافت فيه القراء على نصوص روائية وقصصية أقل قيمة وإبداعا، ولا سبب إلا طريقة كتابة النص، مما جعلنى أعيد كتابة مسرحياتى كتابة جديدة مختلفة تشبه الرواية إلى حد ما، وأطلقت على النص اسم «مسردية»، وأكون بذلك قد وفرت للقارئ نصا يمكن أن يقرأه براحة تامة، دون أن أخدش حقه فى «التمسرح»، وللمخرج أن يأخذ بيده بيسر إلى الخشبة متى ما أراد، مع إيمانى الراسخ من أن نهاية فن المسرح قد اقتربت، مع ظهور وسائط سمعية بصرية مختلفة، لم يعد المسرح اليوم مطلبا جماهيريا، وحتى السينما أيضا، وهو ليس عيبا أبدا، الفنون كائنات حية لها أعمار محددة بعضها قد يكون قصيرا، ولنا فى فن الملحمة والمقامة والشعر التعليمى عبرة.
■ نحن فى عصر الصورة، إلى أى مدى يمكن استدعاء نصوصك للسينما؟
- تقصد إلى كل ما هو صورة، وكل ما هو مشهد، ولعل ذلك ما تتميز به نصوصى الروائية، حيث تبنى من مشاهد كأنما لبنات فى جدار متلاحم من الأحداث والشخصيات المتصارعة، ولعل السبب عائد إلى أنى خضت إلى جانب كتابة القصة والرواية كتابة المسرحية أيضا، كل رواياتى يمكن أن تتحول إلى أفلام أو مسلسلات، رواية «حوبه» مثلا يمكن أن تصير مسلسلا من مئة حلقة، وقد حولت روايتى «الرماد الذى غسل الماء» إلى سيناريو أعطيته عنوان «الجثة الهاربة»، للأسف الشديد ما يقدم على الشاشة فى الجزائر ضعيف جدا فالمنشغلون بذلك عندنا لا يقرئون الرواية إما لأنهم لا يعرفون ذلك، وإما لأنهم لا يرغبون فى أن ينافسهم آخرون فى اقتسام الكعكة كما يقال.
■ بلغ رصيدك فى أدب الطفل عشرات النصوص، مما يضعك فى الطليعة مع كتاب هذا الجنس عربيا، كيف تقيم هذه التجربة؟
- فى الوطن العربى أسماء كبيرة وعملاقة فى الكتابة للطفل، لا يمكن بأى حال من الأحوال أن أقارن نفسى بها على الإطلاق، وقد اتفق معك فى ذلك بالنسبة للجزائر، عندنا هواة، وعندنا أساتذة وأدباء كبار التفتوا باستحياء للطفل، وقدموا النص والنصين وربما النصوص القليلة، لكننا مازلنا لا نملك محترفين، ولا نملك حركة إبداعية متخصصة للطفل، بالنسبة لتجربتى رغم التفاتة النقد الأكاديمى إليها إلى أنها مازالت بعيدة عن الاهتمام الكبير، ومرد ذلك فى تصورى عدم نشرها على نطاق واسع، فى المسرح قدمت أربعين مسرحية طبعتها وزارة الثقافة  ووزعتها على المكتبات العمومية عبر الوطن، وهذا ليس كافيا، والأمر ذاته بالنسبة لقصصى الموجه للأطفال.
■ ما الذى تعد به قراءك هذه الأيام، وإلى أى جنس أدبى أنت أميل الآن بعد كل هذه التجربة التى أنتجت ثلاثين كتابا فى أجناس مختلفة (الرواية المسرح القصة النقد)؟
- أعكف هذه الأيام على كتابة الجزء الثانى من رواية حوبة ورحلة البحث عن المهدى المنتظر، ما عادت الكتابة النقدية والقصصية وحتى ماهو للطفل تغريني، أنا أميل لكتابة الرواية، وإلى استكمال تجربتى فى كتابة المسرحية، التى تحتاج إلى جهد تنظيرى إلى جانب الجهد الإبداعى.