الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الصراع بين أرمينيا وأذربيجان

الصراع بين أرمينيا وأذربيجان
الصراع بين أرمينيا وأذربيجان




أحمد عبده طرابيك يكتب:

قبل أن تهدأ وتنطفئ نيران الحرب فى بقعة من العالم، إلا وتندلع نيران أشد ضراوة فى بقعة أخرى، وكأن الإنسان، خاصة شعوب العالم الثالث ولدوا ليعيشوا فى أجواء الحروب بكل ما فيها من قتل وهلع وتدمير وتهجير، لا ليعمروا الأرض ويزرعوها الخير والمحبة، وينشروا فيها السلام والوئام، والتعارف والتعاون فيما بين بعضهم البعض، ليسود الأمان والرفاهية بين الجميع.  
الأحداث العسكرية الساخنة التى اندلعت يوم الأحد 3 إبريل الماضى فى إقليم « قره باغ» المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، أعاد تسليط الأضواء مرة أخرى على ذلك الصراع، الذى كاد المجتمع الدولى أن يتناساه وسط الأحداث الملتهبة فى الشرق الأوسط وغيرها من القضايا الإقليمية والدولية، وبصرف النظر عن الطرف الذى بادر إلى اشتعال الجبهة، وانتهاك قرار وقف إطلاق النار الموقع بين الانفصاليين فى الإقليم الذين تدعمهم أرمينيا من جهة، وبين أذربيجان من جهة أخرى، فإنه يمكن التوقف عند عدد من النقاط التى تتعلق بذلك الصراع فى تلك المنطقة الحيوية من العالم.
منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار عام 1994 بين الطرفين، تعمل القوى الكبرى على المساواة بين الطرف المحتل والطرف الذى تم احتلال أراضيه ويطالب بتحريرها، وذلك من خلال مجموعة «مينسك» المنبثقة عن منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا والتى تضم كلاً من « الولايات المتحدة، فرنسا وروسيا»، حيث تعمل على إدارة الصراع، لتظل النار خامدة تحت الرماد، وليس إطفاء تلك النيران وإيجاد تسوية سلمية له، من خلال تطبيق القرارات الأربع الصادرة عن مجلس الأمن، والتى تقر بسيادة أذربيجان على الإقليم وأنه جزء لا يتجزأ من أراضيها.
مجموعة مينسك لا تريد الضغط على أرمينيا من ناحية، وفى نفس الوقت لا تريد إثارة غضب أذربيجان باعتبارها من أهم مراكز إمداد أوروبا بالنفط والغاز من منطقة بحر قزوين، سواء كانت منتجة ومصدرة بشكل مباشر، أو ناقلة للنفط والغاز من روسيا ودول المنطقة.
لا يمكن استمرار الوضع الحالى كما هو عليه إلى ما لا نهاية، شأنها فى ذلك شأن القضية الفلسطينية، فهناك حوالى مليون لاجئ أذربيجانى نزحوا عن ديارهم، وإن كانوا أفضل حالاً من الفلسطينيين لأنهم لم يعيشوا حياة الشتات كالفلسطينيين، بل يعيشون فى مناطق لجوء أخرى داخل وطنهم الأذربيجانى، لكن هذا لا يعنى أنهم لا يطالبون بالعودة إلى بيوتهم وأرضهم التى نزحوا منها، ومن ثم فهم يشكلون ضغطاً كبيراً على حكومة بلادهم.
إطالة أمد الصراع لن يكون فى صالح استقرار المنطقة، ولا فى مصلحة القوى الغربية خاصة أوروبا، لأن الصراع تتداخل فيه العديد من القوى الإقليمية المهمة كروسيا وإيران وتركيا، ولكل من هذه الأطراف مصالحه وحساباته، فهو يدعم الجانب الذى يحقق له مصالحه، والتى تتعارض بالطبع مع مصالح الآخرين، ومن ثم فإن ذلك سيظل يمثل تهديداً مستمراً لأمن واستقرار المنطقة، الأمر الذى من الممكن أن يؤثر على العديد من القضايا الأخرى خاصة أن مثل ذلك الصراع يتشابه مع كثير من الصراعات فى العديد من دول الاتحاد السوفيتى السابق.
إن استمرار الوضع كما هو عليه لن ينسى الشعوب قضيتهم، حتى وإن تم تغيير المعالم التاريخية والديموجرافية على الأرض، وإذا كان استمرار حالة اللاحرب واللاسلم يحقق بعض المصالح لبعض الأطراف، سواء من خلال تصدير السلاح، أو بعض المواقف السياسية، لكنها تظل مصالح منقوصة، قائمة على استقرار هش، وفى الصراع العربى الإسرائيلى خير مثال على ذلك، فطول أمد الصراع، وكثرة المفاوضات التى لا تفضى إلى شىء، أو التنصل من المسئولية وعدم تطبيق ما تم الاتفاق عليه بمزيد من التفاوض والحوار، أو المساواة بين المحتل ومن يطالب بتحرير أرضه، كل ذلك لم ينس الفلسطينيين أرضهم وحقوقهم وخرجت أجيال جديدة تطالب بحقوق الآباء والأجداد.  
إن التسوية السلمية العادلة لذلك الصراع، وكل الصراعات المشابهة فى العالم، وتحقيق السلام والاستقرار فى المنطقة يظل هو الهدف الأسمى لتحقيق الكثير من المصالح لجميع الأطراف، وتسخير كل الطاقات والإمكانيات والموارد للبناء والتنمية ورفاهية الشعوب، بدلاً من تبديدها فى شراء الأسلحة والدمار، والدمار المضاد والتى لا تجنى إلا العنف والإرهاب الذى يصل إلى الجميع حتى من ظن أنه بعيداً عنه.