السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصطفى السيد سمير: تأسرنا الذاكرة إن لم تحررنا أحلامنا

مصطفى السيد سمير: تأسرنا الذاكرة إن لم تحررنا أحلامنا
مصطفى السيد سمير: تأسرنا الذاكرة إن لم تحررنا أحلامنا




حوار  - إسلام أنور

مصطفى السيد سمير شاعر وقاص مصرى شاب من مواليد 1986، صدر ديوانه الأول «صحيان بطىء من حلم جميل» عام 2008، ومجموعة قصصية بعنوان «حارس ليلى للسماء» حصلت على جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2012، ويستعد لصدور ديوانه الثالث «ملامسة السماء.. هكذا» الحاصل على جائزة جريدة أخبار الأدب عام 2015.. المتابع لأعمال مصطفى الثلاثة سيجد تطور كبير على مستوى اللغة والبناء وحرص دائما على التجريب والتفاعل مع القارئ عبر خلق حالة حوارية تتعامل مع الأدب باعتباره تجربة مشتركة يخوضها الكاتب والقارئ لاكتشاف الحياة.. جريدة روزاليوسف التقطت بمصطفى السيد سمير ودار معه هذا الحوار:
■ وسط المدينة بما تحويه من مقاهى ومراكز ثقافية حاضرة بقوة فى مجموعتك القصصية «حارس ليلى للسماء» إلى أى مدى ساهم  عالم وسط المدينة فى تشكيل وعيك ورؤيتك للعالم؟
- وسط المدينة حبى الأول، المكان الذى أعاد تشكيل ذاكرتى وشحنها بالأماكن والبشر والمشاعر والكوابيس.. هو الذى قابلت فيه ذاتى للمرة الأولى وجلسنا على مقهى ليروى كل منا ما يعرفه عن الآخر. فالنسبة لشاب جنوبى يحلم بالكتابة فقد منحنى وسط المدينة الكثير مما حلمت به.. قادنى إلى القراءة وأشعل حواس التأمل وأوقعنى فى الحب.. أدخلنى فى الغربة الداخلية وعلمنى فى الوقت ذاته فن الائتناس بالذات. ذهبت إلى المسرح للمرة الأولى فى حياتى واكتشفت المسرح الكبير الذى نتبادل نحن أدواره للمرة الأولى أيضا.
■ التقنيات السينمائية  من قطع وفلاش باك ومشهدية حاضرة بقوة أيضاً فى قصصك كيف ترى علاقة فنون السرد بالفنون البصرية؟
- الفنون كلها تلتقى فى نقاط كثيرة.. فكلها تهدف إلى شيء واحد هو إشباع الإنسان.. ولأن هذا الإنسان يحمل حواسا متعددة.. فكل فن يعتمد على إحدى الحواس يسعى إلى التأثير فى باقى حواس الإنسان بطريق مباشر أو غير مباشر. والكتابة كوسيط مقروء يبحث عن أن يقدم وجبة بصرية ووجبة سمعية ووجبة جسدية.. وهذا هو نوع الكتابة الذى أحب قراءته أو كتابته.. ذلك النوع الذى تتلاشى معه الحروف والأسطر ويتبدد الوسيط تماما.. ويجد المتلقى نفسه فى عالم من اختراعه يسمع ويرى.. هنا يمكننى أن أقول إننى قد وضعت هذا المتلقى داخل النص.. وأننى قد نجحت
■ يلعب الخيال دورًا رئيسا فى قصصك هل أصبح الخيال هو المتنفس الذى يهرب له الناس فى ظل قسوة الواقع المفرطة والمتزايدة؟
- لا أميل إلى تعريف الخيال بـكونه «متنفسا» أو «مهربا».. فالفن لا يجب أن يبتعد عن الواقع لأن الذات الإنسانية جزء من هذا الواقع.. والفن المنعزل عن الواقع هو منعزل عن الذات أيضا.. ولكن الخيال يعيد صياغة رؤيتك الواقع.. يفكك الأطر والمعايير الجاهزة التى يقدم لك بها الواقع نفسه ويمنحك حرية أوسع فى قراءته بجمال أكثر وفهم أعمق. أما من يهربون إلى الخيال فهم كمن يكتفون بالفرجة على الصور دون قراءة الكتاب.
■ الرحلة والطريق واحدة من التيمات الرئيسية فى مجموعتك القصصية ما سر الشغف بهذه التيمة؟
- الرحلة هى أعظم ما يمكن للإنسان فعله فى حياته.. فهى تعنى تغيير الإطار البيئى والمجتمعى الذى يتفاعل معه الإنسان طوال الوقت، حتى لو كان ذلك تغييرا مؤقتا، مما يؤدى إلى كسر حالة الاعتياد التى تنزع عن الأشياء بريقها وبهجتها وحتى وجودها. يعيد الإنسان اكتشاف كل شىء فى وسط مختلف.. يكتشف مشاعره ويتذكر أحلامه ويعيد تقييم علاقاته مع البشر ويتأمل مجرى الزمن الذى يسرى كنهر تحت شرفته. الرحلة تقليب لتربة الذات يحتاجه الإنسان بين الوقت والآخر.
■ الزمن والذاكرة حاضران بقوة فى العديد من القصص إلى أى مدى نحن أسرى لذاكرتنا؟
- تأسرنا الذاكرة إن لم تحررنا أحلامنا.. فحين يتحرك العالم الذى يعرفنا ونعرفه فى اتجاه الماضى.. ويحل محله عالم آخر غريب وعدوانى وفقير الخيال ولا يحب فعل الحلم.. هنا تصبح الذاكرة هو المكان الأخير الذى نحاول فيه استرداد عالمنا. فى الذاكرة يصبح الفقد حدثا عابرا.. والهزيمة حالة من الشجن.. والحب حديقة مفتوحة الأسوار بلا مواعيد محددة.. والتعب لقطات متتابعة على شاشة سينما. يعود الأشخاص والأماكن ولحظات الفرح.. ويتعاظم وجودنا الافتراضى على حساب انصرافنا الواقعى.
■ فى قصة «تحرر» وقصة «حارس ليلى للسماء» هناك رغبة عند الأبطال فى التحرر من القيود المجتمعية ومن السلطة بمختلف أشكالها إلى أى مدى تساهم الكتابة والإبداع فى دفع الناس للتحرر والتمرد وكسر قيود الواقع؟
- الكتابة فعل تحرر.. فإضافة نص جديد إلى صفحة العالم تعنى ضمنا أنك مؤمن بنص خاص بك لا يتضمنه أى من النصوص المكتوبة بالفعل، ومن ثم وجبت الإضافة. ينطبق ذلك الأمر على النص السياسى القائم، وعلى النص الاجتماعي، وعلى النص الثقافى. أنت تكتب، إذن فأنت تقدم صياغتك الخاصة، تطرح إجاباتك التى قد يرفضها البعض وقد يؤمن بها البعض الآخر.
■ فى قصة «ورقة مقطوعة بحب» وفى قصة أحمر طوبى يتنفس بشغف» تطرح أسئلة مهمة عن علاقتنا بأجسادنا ومدى الحواجز والقيود التى تمارس على الجسد برأيك هل ساعدت الحداثة  وتطور وسائل الاتصال والعولمة فى كسر هذه الحواجز أم ترى أنها أحدث العكس وسلعت الجسد؟
- يختلف تأثير وسائل التواصل على الشخص باختلاف الشخص نفسه.. فهناك من يسعى إلى الذات وهو سيسعى إليها من خلال رؤيته للآخرين.. مهما اتسعت دائرة هؤﻻء اﻵخرين الذين يراهم فى عالمه. المسألة أن الأغلبية دائما ما تسطح الأشياء، وتستخدمها استخدامات استهلاكية.. مما يوحى بأن هذا هو الاستخدام الوحيد - أو حتى المفترض - لهذه الأشياء. وبالتالى فمن كان يعتبر الجسد نافذة يطل منها على ذاته فقد استمر يرى الناس من خلال أجسادهم، ومن كان يعتبر جسده سلعته التى يحملها إلى العالم فقد أصبح محاطا بالسلع الرخيصة المقلدة
■ ما السبيل لحل هذه الإشكالية فى علاقتنا بأجسادنا؟
- التحرر. فالسجن ليس ضروريا أن يكون جدرانا ومتاريس.. وإنما أكثر السجون الصرامة هى سجون العقل.. ففى مجتمعاتنا المتأخرة أدى الإلحاح المتزايد على مواراة الجسد إلى اعتباره خطيئة أو ذنبا يجب الاعتذار عنه.. ومن ثم أصبح التواصل الجسدى جرما كبيرا بين اثنين من عتاة المجرمين.  يجب فتح الباب لمناقشة مجتمعية موسعة عن علاقتنا  بأجسادنا وعن اللغة التى يخاطبنا بها جسدنا وأجساد اﻵخرين.. عن الجسد كمصدر قوة وليس نقطة ضعف.. وجسر للتواصل وليس سورا حول ذات حبيسة.. مصدر للمعرفة وليس سرا.
■ حضور المرأة فى قصصك مغاير للصورة النمطية التى تصدر عن المرأة المصرية المقهورة فالمرأة فى قصصك قادرة وفاعلة كيف ترى وضع المرأة فى المجتمع و إلى أى مدى ساهمت المرأة فى صياغة عالمك؟
- المرأة ما زالت تعانى فى مجتمعنا.. وأكثر معاناتها تأتى من هذه التصنيفات التى تحاول وضعها فى خانات محددة. إنها - شأن أى منا -  مقهورة وقادرة ومهزومة ومقاومة ومغلوبة على أمرها وعصية على الانقياد ويتجاهلها التاريخ وتصنع التاريخ.. لا يجب النظر إلى مشكلة المرأة بمعزل عن مشكلة الإنسان داخل المجتمع. لنجب على أسئلة من قبيل:  ماذا يمكن للأقل قدرة على العنف أن يفعله لحماية وضعه الاجتماعي. ماذا تصنع الأقلية الفكرية لمواجهة أيديولوجية الأغلبية حين تتعدى على حقوقها. ما هى معايير تهميش البشر أو تقديمهم للصدارة.. ومن وضع تلك المعايير وكيف تتم مراجعتها
■ فى قصة «الملمس البارد للنسكافيه والطعم المر لورقة بيضاء» وفى قصة «ما روته الكائنات عن العاشقين» سؤال الوحدة والغياب حاضران بقوة إلى أى مدى يمكن للكتابة أن تهب الدفء والونس وتطرد برودة الوحدة؟
الكتابة تفتح العالم كما يفتح كتاب مغلق.. وتمنح الحياة للكائنات الميتة التى تسكنه.. وتزيد اتساع الأبعاد التى تحيطه أو التى توهمك بذلك. أنت ذاتك تتجدد بمواصلة الكتابة.. تتحدث بلا انقطاع وتمنح الفرصة للأشياء كى تبادلك الحديث.. هذا يفسر حالة الخواء الرهيبة التى يحسها الكتاب عند مرورهم بما يسمى ب «قفلة الكاتب» أو «writer block» .. فوقتها يصبح عالم كتلة واحدة مصمتة.. لا يستطيع أحد النفاذ إليها أو التعامل معها. لكن  الكاتب الحقيقى لا بد أن يكون قارئا دؤوبا ومتواضعا ومحبا.. فالمتحدث الجيد لا بد أن يكون مستمعا جيدا.
■ تكتب الشعر والقصة ما الذى وجدته فى كلاً منهما ولم تجده فى الآخر وهل تفكر فيخوض تجربة  كتابة الراوية أو المسرح؟
- الشعر والقصة اللذان أكتبهما ليسا بعيدين عن بعضهما البعض.. فالنص الذى أحاول كتابته لا ينتمى إلى هذا الجانب أو إلى ذاك انتماء كاملا.. إنه نص يطمح إلى الجمع بين رقصة الشعر وخطوة القصة.. بين متعة المجاز وجاذبية التحولات النصية.. بين بهجة الفكرة وخفة الحكاية.. ربما يميل هذا النص على مستوى البنية إلى الجانب القصصى فأسميه قصة.. وربما يميل إلى الجانب اﻵخر فأسميه شعرا. أما المسرح فهو حالة شديدة الاختلاف والتفرد.. ويتطلب أدوات خاصة ورؤية مختلفة لبناء الأماكن والشخصيات. أعترف أننى حاولت أحيانا فى هذا المجال لكننى لم أعاود المحاولة. أما الرواية فأنا أتركها للكتاب المخلصين القادرين على احتمال عبء نص ممتد كهذا الاحتفاظ بمشروع أدبى واحد لفترة طويلة.. ربما يمكننى ذلك لاحقا.. لكن حاليا لا أعتقد أن لدى القدرة على ذلك.