الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الدمـــــاء الملوثـــة تخترق المستشفيات وتفتك بالمصريين

الدمـــــاء الملوثـــة تخترق المستشفيات وتفتك بالمصريين
الدمـــــاء الملوثـــة تخترق المستشفيات وتفتك بالمصريين




تحقيق - محمد السيد

 

يستمر مسلسل الإهمال الطبى بمستشفيات مصر ليأخذ فى طياته العشرات من الضحايا ممن دفعهم المرض للوقوع تحت أيدى الإهمال، ولتتحول بعض المستشفيات الجامعية سبيلا لتعريض حياة مرضاهم للخطر الذى يصل فى أوقات كثيرة لحد الوفاة والسبب أكياس الدماء الملوثة والفاسدة.
رصدت «روزاليوسف» سلسلة من الأخطاء الطبية التى ارتكبت بأحد المستشفيات الجامعية فى المنصورة، والتقت ببعض الحالات المرضية التى عانت مضاعفات وخيمة وكذلك ذوى الحالات التى انتهى بها المطاف إلى الموت جراء هذا الإهمال.

الضحية الأولى كانت داخل مستشفيات جامعة المنصورة لفتاة تدعى بسيمة شحتة - 18 عاما - وقالت والدتها «فاطمة نعمان»: الإهمال والاستهانة بالمرضى خطف زهرة شباب ابنتى، فقد ظهر عليها علامات الضعف والهزلان، وبعد ذلك رفضت تناول الطعام، فذهبت بها إلى الطبيب لفحصها والاطمئنان عليها، فطلب منها إجراء بعض التحاليل الطبية، وأظهرت النتائج إصابتها بالفشل الكلوي، واحتياجها إلى غسيل كلوى 3 مرات أسبوعيا، ونظرا لضيق ذات اليد، لجأنا إلى «مستشفى الموت الجامعي» - حسب وصفها - المعروف باسم المستشفى الجامعى بالمنصورة عدة مرات، إلى أن بدأت حالة ابنتى الصحية تتحسن، وبعد فترة تدهورت حالتها مرة أخرى بشكل ملحوظ، فسألت الأطباء المعالجين عن سبب ذلك، فأقنعونى بأن هذا أمر طبيعي.

واستطردت خوفى على ابنتى دفعنى لعرضها على طبيب فى عيادة خاصة، فطلب إجراء عدة تحاليل أظهرت أن ابنتى انتقل لها «فيرس سي» أثناء الغسيل الكلوى بالمستشفى الجامعي، فلم أصدق ما قاله الطبيب، فذهبت إلى آخرين، وأعدت التحاليل فى معامل مختلفة فأكدت صحة ما قاله، وبدأت حالتها تتدهور وتنتقل من السيئ إلى الأسوأ، إلى أن أسلمت الروح لبارئها، وأنهت حديثها وهى منهمرة بالبكاء قائلة «حياة الفقراء أصبحت لعبة فى أيدى الإهمال وحسبنا الله ونعم الوكيل». 
الضحية الثانية
أما الضحية الثانية فكان بطلها شريف أمين - 15 عاما - والذى قال والده: إن ابنه كغيره من الأطفال، يتناول البطاطس المحمرة «المقرمشة» بكثرة والتى كانت سببا فى الطامة الكبرى، فعندما مرض ذهب به إلى الطبيب، وبعد إجراء التحاليل الطبية والفحوصات اللازمة اتضح أنه مصاب بالفشل الكلوي، وكان لابد من إجراء عملية جراحية «لزراعة كلي»، واستطرد: ذهبت إلى المستشفى الجامعى بالمنصورة لإجرائها، فكان من الشروط أن يكون المتبرع من الدرجة الأولى، وبالفعل تبرعت والدته بعد أن ثبت التوافق بينهما، لكن المشكلة التى ظهرت فجأة أن الولد يعانى من فقر الدم «الأنيميا» ويحتاج إلى عدد 2 كيس دم يوميا، لمدة 7 أيام قبل إجراء الجراحة، لزيادة نسبة الهيموجلوبين فى الدم، وإما أن يتبرع له أحد أفراد الأسرة يوميا بكيس دم من نفس الفصيلة، أو التبرع بالدم أيا كانت فصيلته ويتم استبداله «بكيس دم» أخر متوافق من المستشفي، ونظرا لصعوبة الخيار الأول كان الثانى وتم نقل الدم له، ولكن عند إجراء الفحوصات الأخيرة التى تسبق العملية بأيام أبلغونا بإلغائها، وحينما سئلت عن السبب علمت أنه أصيب «بفيروس سي» وعلمت بعد ذلك أنه أصيب به من نقل أكياس الدم.
وواصل: ضاعت حياة ابنى وحتى الآن هو مريض ملازم للفراش، يموت ببطء أمام عينى، وأنا أقف مكتوف الأيدى أمامه لا يسعنى سوى الدعاء له بالشفاء.
وفى سياق متصل روى حبيب السيد والد الطفلة مريم - 4 أعوام - أنه ذهب بفلذة كبده لإجراء عملية «فتاء» فى مستشفى الأطفال الجامعى بالمنصورة، وقبل دخولها غرفة العمليات طالبوه بالتبرع بكيس دم، متحججين بأن بنك الدم خال، وفى حالة ما إذا رفض التبرع لن تتمكن ابنته من دخول العمليات، فأخبرهم أنه مصاب بفيرس بي، لكن دون جدوي، فلم يبد المستشفى مانعا من تبرعه رغم إصابته، فاضطر للتبرع بالدم بعلم المسئولين لإنقاذ ابنته.
أوضح الدكتور محمد عز العرب - مسئول الملف الطبى بالمركز المصرى للحق فى الدواء - أن توفير الدم مهم، والأهم خلوة من مسببات الأمراض، فلابد من أن تكون الأكياس البلاستيكية خالية من أى فيروسات، واستطرد أن الأجهزة الحديثة الخاصة بالكشف عن الفيروسات الكبدية، غير متوفرة فى جميع بنوك تجميع الدم، والتى تصل تكلفتها لـ10 ملايين جنيه، وهى أفضل طريقة للكشف على أكياس الدم بدقة متناهية، وضمان خلوها من الفيروسات، وواصل الطريقة القديمة لنقل الدم المتبعة منذ 20 عاما، أصابت أكثر المصريين بالفيروسات الكبدية، ولابد من إلغاء سياسة إجبار المرضى المقبلين على العمليات الجراحية على التبرع بالدم، فتقديم الخدمة الطبية لا يقف على مساومة المريض بالدم، وإجبار أهله على التبرع بالدم مرفوض، ولكن يتم توعية المجتمع بأهمية التبرع بالدم لتوفيره.
زراعة الكبد والدم
 وعلق الدكتور سعيد عبد الهادى - عميد كلية الطب جامعة المنصورة - أن إجراءات نقل الدم تكون بأمر الطبيب لاحتياج المريض إليه، وفى حملات التبرع بالدم ثم يتم إجراء اختبارات على عينات الدم، للتأكد من الفصيلة وخلوه من الأمراض المعدية ، فإن كان غير ملوث يتم حفظه فى الثلاجة، ويتم فحصه للتأكيد أنه متوافق مع فصيلة المتبرع له، وأكد أن المستشفيات الجامعية تحتاج يوميا إلى دم حسب عدد العمليات بها، موضحا أن مستشفيات جامعة المنصورة العام الماضى زرعت الكبد لـ 200 مريض وكل حالة تحتاج إلى 30 كيس دم، ومع ذلك الضغط لا توجد سيارات مجهزة لتبرع المواطنين، ويعترف بأن المستشفى تطالب ذوى المرضى بالتبرع وقت الاحتياج لذلك، والتبرع عمل إنساني، وهو المصدر الوحيد الذى ليس له بديل، وعند اللزوم نقوم بإخبار أهل المريض أن العملية الخاصة به تحتاج إلى عدد أكياس الدم المطلوبة.
والدم الملوث يتم التخلص منه فورا بالإعدام، ولهذا فإننا نقوم بالتحليل قبل أخذ الدم من المتبرع، وتكلفته بسعر الجامعة 180 جنيها على كل كيس، وواصل الدم الذى خلقه الله غير فاسد، لكن غالبا ما تحدث بعض المشاكل أثناء التخزين، أولها تركه فترة كبيرة خارج الثلاجة، وأكد على أنهم يأخذون بيانات الحالة المتبرعة، فإن وجدت مشكلة فى النتيجة يبلغون بها المريض، لافتا أن أبرز الأمراض التى تظهر عند الفحص هى الفيروسات وأكثرها خطورة بي، ثم سى والإيدز.
قال الدكتور عادل عامر - أستاذ القانون العام جامعة طنطا - إنه إذا ثبت نقل الدم خارج نطاق المعايير الطبية، فهنا جريمتان، تأديبية وجنائية، فالأولى يتم فيها توقيع عقوبة إدارية على المتسبب فى عدم استخدام الإجراءات من التعقيم، والتأكد من إجراء تحليل للدم قبل نقله للمريض، والعقوبة الجنائية تعتبر جنحة، عقوبتها السجن 3 سنوات إضافة إلى التعويض المدنى التى يدعيه المدعى بالحق المدنى.