الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى مهرجان الإسكندرية الدولى للمسرح المعاصر: مونودراما هندية ورقص معاصر وعرائس للكبار فقط!

فى مهرجان الإسكندرية الدولى للمسرح المعاصر: مونودراما هندية ورقص معاصر وعرائس للكبار فقط!
فى مهرجان الإسكندرية الدولى للمسرح المعاصر: مونودراما هندية ورقص معاصر وعرائس للكبار فقط!




فى خطوة جريئة، لتجاوز كل ما هو مألوف ومعتاد، كانت فلسفة مكتبة الإسكندرية، فى إقامة الدورة الثانية لمهرجان الإسكندرية الدولى للمسرح المعاصر، تحت إشراف المايسترو هشام جبر، مسئول النشاط الفنى بالمكتبة، ورئيس المهرجان، ومديره المخرج سعيد قابيل، وبدا من مستوى ونوعية العروض المشاركة، أن المهرجان يبحث فى عامه الثانى، عن أفق أوسع للإبداع، سواء من خلال العروض، أو أماكن عرضها، التى شملت مركز الجيزويت الثقافى، بجانب مسارح المكتبة.
شهدت الدورة الثانية مشاركة مصرية ملحوظة، لأكثر من عرض مسرحى، كان منها عرض الافتتاح «حلم البصاصين» لفرقة الرقص المسرحى الحديث، تصميم وإخراج مناضل عنتر، و«روح» إخراج باسم قناوى، وإنتاج مسرح الطليعة، و«نساء شكسبير» إخراج محمد الطايع، وعرض الختام «جميلة»، إخراج مروة رضوان، وإنتاج مسرح الغد، بعكس ما حدث العام الماضى، حيث اقتصرت المشاركة المصرية، على عرض «الجلسة مغلقة»، لفرقة تياترو للمسرح المستقل، مما يؤكد على حرص إدراة المهرجان، على إضافة حالة مختلفة، من الحيوية والتنوع الفنى، بمشاركة أكثر من جهة ضمن فعالياته، وهو ما جعله أشبه بالبانوراما الفنية، خاصة فى تعدد أشكال العروض المقدمة، والتى تنوعت بين، مسرح كلاسيكى، استعراضى، كوميدى، مونودراما، وعروض قاعة، كما لم ينشغل منظمو المهرجان، بتنظيم مسابقة كبرى للتنافس، بين أعماله، وكان همهم الأكبر، عمل حراك مسرحى، بهذه العروض المتميزة والمتنوعة، سواء المصرية أو الأجنبية، التى تم اختيارها بعناية شديدة.
من الأعمال المهمة، التى شاركت بدورة هذا العام، كان عرض «المغنية الصلعاء»، إخراج فاسيسلاف سامبريش فرقة مسرح يوجين يونسكو مولودفا، وتحتفل الفرقة هذا العام بمرور 25 عاما على تأسيسها، حيث قامت خلال مشوارها الفنى بتقديم عروض فى حوالى 30 دولة، حول العالم وشاركت فى العشرات، من المهرجانات الدولية، تميز هذا العمل، بأنه نجح فى كسر حاجز الغربة و اللغة، بينه وبين الجمهور، بالأداء الحركى والتمثيلى الدقيق والمدروس لأبطاله، واستطاعت الفرقة بمنتهى الحرفية، والمهارة السيطرة على الجمهور، واشراكه فى اللعبة العبثية الخالية، من النص والمنطق، فبرغم وجود ترجمة انجليزية، إلا أن الجمهور انصرف عنها، مندمجا مع أبطال العمل، ومن النادر أن يتجاهل الجمهور الترجمة، مستمتعا بالأداء التمثيلى والحركى للممثلين، فهذا العمل قدم عبث يونسكو بالعبث، مع الحاضرين بقوة وذكاء، وحضور طاغ على المسرح، لجميع المشاركين بالعرض، عن طريق خلق ايقاع فنى غير معتاد، سواء بالحركة أو
السينوغرافيا، التى تفوق فيها صناع العمل، بصنع لحظات إضاءة استثنائية تتوقف عندها الأحداث، ثم تبدأ لتعيد نفسها من جديد، بلا توقف، وخلق حوارات عشوائية، غير مترابطة، بالإضافة إلى الديكور البسيط، والملابس ومكياج الممثلين، و«تسريحات» الشعر الغريبة، وبما أن العرض، لا يحمل قضية منطقية تذكر، كان أيضا أداء الفريق، واستيعاب الجمهور له واندماجه معه، غير منطقى، وغير معقول، وهنا تحققت المعادلة الأصعب، والأهم من العرض، وهى الاستجابة اللامنطقية، من عمل غير منطقى، كما حرص فريق العمل، على إلقاء إفيهات مصرية، لانتزاع الضحك من الجمهور، وجذب انتباهه، ورغم كل هذا العبث، كان جمهور مكتبة الإسكندرية، أكثر استمتعا من أى وقت مضى.
تحققت نفس حالة المتعة والمعايشة، مع عرض العرائس «موليير» إخراج نيفيل ترانسر مسرح التحريك، فى بوزنان بولندا، وبرغم الحاجز اللغوى أيضا، وشاشة الترجمة الإنجليزية، تكرر نفس الموقف، فلم يلتفت إليها الجمهور، لمتابعة سير الأحداث، ونجح صناع العمل، فى اختطاف الحاضرين، وجذب انتباههم بعرائسهم، أثناء تحريكها بأيديهم، وأجسادهم على المسرح، ففى يد كل ممثل عروسته، التى يؤدى بصوتها ولسانها، وفجأة تدب الحياة، فى العروسة، لتصبح إنسانا ناطقا، من لحم ودم، ومن شدة اندماجك، مع روعة الأداء والتحريك، تنسى أو تتناسى من يحركونها، فالممثلون جميعا نجحوا، فى جعل أنفسهم غير مرئيين، فى حضور العروسة، برغم أنهم يحركونها أمامك!! لكن من شدة احترافهم، ودقة أدائهم الفنى، استطاعوا تقديم عرض عرائس متكامل، دون أن يختفى أحدهم لحظة من على خشبة المسرح، ودون أن تتحول عينيك لحظة عن متابعة العروسة، وكان أيضا من أهم ما ميز هذا العرض على وجه التحديد، التنويه والتشديد، على أن هذا العمل للكبار فقط! ورفض أعضاء الفريق رفضا تاما، حضور أى طفل، وذلك مراعاة لما تخلله، العرض من بعض التلميحات والإيحاءات، فاعتدنا أن تكون عروض مسرح العرائس دائما عروض أطفال، لكن هنا أنت أمام عمل مسرحى للعرائس، مكتمل العناصر الفنية، لكن المفارقة أنه للكبار فقط!!
كان من الأعمال المميزة أيضا، التى شاركت ضمن فعاليات هذه الدورة، عرض «ليس إلا» إخراج انتصار عيسوى ناجى التابع لشركة شرق للإنتاج والتوزيع تونس، تناول العرض من خلال ممثل وممثلة، قضايا انسانية واجتماعية شائكة، تعانى منها المجتمعات العربية بشكل عام، وتراوح الأداء بين حركى وتمثيلى وكوميدى ساخر، واستطاعا الممثلين، توصيل رسالتيهما ببساطة واحتراف، باستغلال عناصر بسيطة من الملابس والديكور، كذلك كان عرض المونودراما «عقد-قواعد السعادة الحزينة» إخراج إليسا مارى لوكافيك إيطاليا كولومبيا، من الأعمال الهامة والمتميزة، والتى جمعت بطلته بين العزف والغناء والتمثيل والأداء الحركى، ورغم حاجز اللغة، إلا أنها تمكنت، من السيطرة على عقل الجمهور، وانتباهه، فلم يغفل عنها لحظة واحدة، ولم ينتابه شعور بالممل ولو دقيقة، ويرجع هذا إلى قوة حضورها على المسرح، فلم يختل إيقاع العرض، رغم أنها تحملت عبء الحركة والغناء والتمثيل وحدها، طوال العرض، الذى تناول قصة سيدة إيطالية، عاشت معظم حياتها بلا مأوى، وترى نفسها فى عينى، كل من يمر بجانبها دون أن يعيرها أى اهتمام، لكن فى الوقت نفسه، جاء عرض المونودراما «أوه فريدا»، أضعف العروض السابقة، فالعرض تناول نفس قصة فيلم «فريدا» لسلمى حايك، والتى لعبت فيه قصة الرسامة المكسيكية فريدا كاهلو، التى تعرضت إلى حادث مأساوى، أثر على مسيرتها الفنية وحياتها الزوجية، «أوه فريدا» إخراج ابيشكا ديشموخ من الهند، ولم تقدم فيه الممثلة أى جديد يذكر، سوى أنها اكتفت بحكى أحداث الفيلم الأجنبى الأشهر «فريدا»، فلم يكن هناك أى داعى أو هدف لتقديم أحداث الفيلم، بهذا الاستسهال والحكى الممل، كما أن الممثلة، حرصت على أن تظهر بنسخة مشوهة من سلمى حايك، عن طريق المحافظة على نفس تسريحة شعرها وملابسها، كما أنها لم تتخل عن التصاق حاجبيها!
وحرصا على المزيد من الإبهار والتنوع، لم يكتف المهرجان بعروض التمثيل والمونودراما، بل شارك أيضا عرض الرقص المعاصر «هنا وهناك»، تصميم وإخراج جوليا ماريا كوخ ألمانيا، وشهد العرض إقبالا جماهيريا كبيرا، كما كان من الأعمال الأوربية المميزة، عرض «كرنفال الحيوانات» تصميم وإخراج أنيسة عباس السويد، لكن فى الوقت الذى حرصت فيه هذه العروض الأجنبية، على اللعب على الأداء الحركى والسينوغرافيا بشكل كبير، لجذب الجمهور ولكسر حاجز اللغة، كانت العروض المصرية، أكثر حرصا، والتزما، بتقديم نصوص كلاسيكية ومسرحية كاملة، من هذه العروض كان «روح» إخراج باسم قناوى، وبرغم من أن هذا العرض من العروض المتميزة، والتى لاقت نجاحا جماهيريا كبيرا بقاعة مسرح الطليعة بالقاهرة، إلا أن التحدى الأكبر، كان فى نقل هذا العمل، على المسرح الكبير بالمكتبة، لكن استطاع صناعه، نقل نفس حالة القاعة للمسرح الكبير، حيث تمكن مصمم الديكور محمد جابر، الانتقال بديكور عرضه الحميمى والممتلئ بالتفاصيل، إلى قاعة المسرح، فلم تشعر لحظة أنك انتقلت، من قاعة الطليعة، وبالتالى ظل العمل محتفظ بخصوصيته، على خشبة المسرح، التى جلس فوقها الجمهور بين الممثلين، لمتابعة أحداث بار «روح»، وبالتالى لم يفقد العمل حساسيته، كما أضفت الممثلة سمية الإمام، حالة مختلفة من المتعة بأدائها السينمائى الناعم والبسيط للشخصية، وكذلك كان معظم المشاركين بالعرض، ولقى «روح» احتفاء جماهيرى كبير، ليلة عرضه بمكتبة الإسكندرية ولم يكن هناك موقع لقدم، وكذلك كان عرض «جميلة» إخراج مروة رضوان، لقى نفس حالة الحفاوة والترحيب، يوم ختام المهرجان، والذى انتقل أيضا بديكوره وممثليه، من قاعة مسرح الغد إلى المسرح الكبير بالمكتبة، واضطر مهندس الديكور محمود الغريب إلى الاستغناء، عن شرفة الفيلا، واكتفى ببناء ديكوره بدونهما، والبحث عن حلول جديدة، كى يخرج العرض، وكأنك داخل القاعة تماما، حتى لا يفقد حميميته أيضا، وأكدت المخرجة مروة رضوان أن استقبال الجمهور السكندرى، لـ«جميلة» كان مفاجأة لها، فلم تتوقع هذا الاندماج، والتلاحم مع العرض، وطالبها الجمهور بضرورة إعادته مرة أخرى، الفترة المقبلة.
كان «نساء شكسبير»، من بين العروض المصرية المشاركة أيضا، للمخرج محمد الطايع، والتابع لجماعة تمرد الفنون، العرض فى الأساس، إنتاج مكتبة الإسكندرية، وكان ضمن منحة شكسبير المسرحية، التى نظمتها المكتبة هذا العام، احتفالا بمرور 400 سنة على وفاته، قدم الطايع فكرته التى تلخصت، فى نقد أعمال شكسبير، فبدلا من تقديم مسرحية مكتملة له، كتب سامح عثمان، فكرة مبتكرة، وهى محاكمة المؤلف، على لسان نسائه، فاختار المخرج شخصيات نسائية، من أعمال وليم شكسبير، تمردن على مصائرهن فى هذه المسرحيات، كان من بينهن، جوليت من مسرحية «روميو وجوليت»، ليدى ماكبث من «ماكبث»، جرترود «هاملت»، كليوباترا «أنطونيو وكليوباترا»، تيتانيا «حلم ليلة صيف» ديدمونة «عطيل»، وعشيقة شكسبير «آلان»، وبرغم من أن الفكرة، تعد جديدة ومختلفة، وتنبىء بعمل مسرحى متميز ومتفرد، سواء من خلال النص المسرحى المكتوب، الذى قدم بجودة وحرفة عالية، وحكبة درامية قوية، أو حرص المخرج، على إخراجه بصورة مسرحية جيدة، عن طريق استخدام الديكورات، والفيديو بروجيكتور، لكن أزمة العرض الحقيقية، والتى كادت أن تطيح به، هم الممثلون جميعا وبلا استثناء، وبدا واضحا أن الجميع، يعمل بلا توجيه، خاصة النساء اللاتى ترك لهن العنان، فى الأداء السوقى والمتدنى، والذى لا يليق على الإطلاق، بهيبة شخصيات، هذه الأعمال الشكسبيرية، فكن يؤدين أدوراهن بروح نساء «الحاج متولي»!! وبالتالى شوهت هذه الفكرة الجيدة بأداء الممثل، الذى لعب دور المؤلف ثم نساؤه، ولولا هذه السقطة الفنية الكبرى، لكان هذا العرض من أهم الأعمال التى قدمت هذا العام، وبرغم أنه اشترك مع «روح»، و«جميلة» فى نفس الإقبال والإحتفاء الجماهيرى، لكن عفوا هؤلاء لسن «نساء شكسبير»!
بجانب كل هذه الأعمال المتميزة والبانوراما الفنية الضخمة، نظم المهرجان خلال دورته الثانية، عدد من الورش، منها ورشة فيديو، للمدرب جوليان ماير من بلجيكا، وورشة للرقص المعاصر، للمدربة جوليا ماريا كوخ من ألمانيا، وكان من ضيوف المهرجان هذا العام، والذى حرص على حضور عروضه، المخرج المسرحى عصام السيد، ويقول المايسترو هشام جبر رئيس المهرجان، ومسؤول النشاط الفنى بمكتبة الإسكندرية:
 حدثت اعتذارات مفاجئة، بسبب الظرف السياسى، وأكثر من فرقة ترددت فى الحضور، هذا العام، لكن الإقبال على المشاركة بالمهرجان، كان متزايدا بشكل ملحوظ، مقارنة بدورة العام الماضى، وقمنا بزيادة العروض المصرية، لأن هدفنا كان زيادتها منذ الدروة السابقة، فكان من المقرر مشاركة عرضين أو ثلاثة من مصر، لكن انتهى الأمر بمشاركة أربعة عروض، بعد اعتذار عرض الجزائر «عطيل» فى اللحظات الأخيرة، وتم استبداله مباشرة بعرض «جميلة»، وصناع «جميلة» تفضلوا مشكورين، بقبول دعوتهم للمشاركة.
ويضيف: هذا العام برغم أن الظروف أصعب، لكن الإقبال الجماهيرى أكبر، واتضح ذلك من خلال العروض، وفى «روح» على سبيل المثال، اضطر البعض لمغادرة القاعة، بسبب ضيق المكان، وعدم استيعابه للعدد، وكذلك كان عرض مولدوفا كامل العدد، وهذا مؤشر يجعلنا نفكر، العام المقبل، فى ضرورة إعادة العروض، بمعنى أن يتم تقديم العرض على يومين، بدلا من يوم واحد، وقد يتطلب هذا زيادة عدد أيام المهرجان، وهذا ما سوف نسعى إليه الدورة المقبلة إذا كانت الظروف تسمح ماليا وانتاجيا.