السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صناعة الأسطورة.. صناعة الوهم

صناعة الأسطورة.. صناعة الوهم
صناعة الأسطورة.. صناعة الوهم




على الشامى  يكتب:

لو أنك وقفت فى وسط ميدان وصرخت قائلا: «لابد من قتل فلان» سوف تتهم بالجنون فورا لكن لو «قلت لابد من قتل فلان لأن الرب أمرنى بذلك» ستجد من يصطف خلفك وتجد لك أتباعا ورجالا يمدونك بالمال والسلاح ويموتون من أجلك ومن أجل المهمة التى أرسلك الرب من أجلها كما تدعى.
الفارق أنك فى الأول تصير مجرما وفى الثانية تصنع وهما لكن البعض ينتظر هذا الوهم ويحوله إلى أسطورة ولو كان على غير أساس، أو أساس مختلق.
والأسطورة نوعان أسطورة ترفع المجتمع لسابع سما، وأخرى تخسف به الأرض، وكلا النوعان خطر لأنه يصيب الناس بالعمي، فلا يرى الناس أمامهم إلا ما يؤيد صحة الأسطورة.
«عبد الناصر» أحيا القومية العربية وصنع منها أسطورة طغت على كل المحاولات السابقة لإحياء القومية عبر التاريخ الحديث وانطلق ليصنع أسطورته ورغم انكسار الحلم إلا أن الناس استمرت فى التصديق، وشيعت جسده بالملايين وبقيت الأسطورة وصار له أتباع  فيما بعد.. حتى الصهاينة صنعوا أسطورة مشابهة على أساس دينى غير صحيح وبنوا عليه دولة مغتصبة وسفكوا على أساس هذه الأسطورة الدماء عبر عشرات السنين.
أيضا فقد قام البعض بتألية الإمام على بن أبى طالب وعندما أراد الحل السياسى فى قضية التحكيم انقلبوا عليه وأراقوا دمه وعرفوا فى التاريخ بالخوارج أى أنهم ملكيين أكثر من الملك، وأن هؤلاء العوام يتهمون الإمام على بن أبى طالب بجلالة قدره بالكفر! أى أنهم خانوه لأنهم تصوروا أنه يهدم أسطورته رغم أنه هو صانع الأسطورة، إلا أنهم حولوها إلى أسطورتهم أى أن الأسطورة تدريجيا تحولت إلى جزء من المعتقد ولم تعد تخص الصانع فقط. وعبر التاريخ كان هناك نماذج مختلفة خير وشر فضيلة ورذيلة الشيطان نفسه رفض السجود والانصياع ثم أصر على رأيه – صحيح أن الأمر هنا مبنى على رذيلة الكبر إلا أننى أتحدث عن التمسك بالأسطورة – هتلر تمسك بسيادة الجنس الارى وقاد العالم لمجزرة راح ضحيتها عشرات الملايين وبعد سقوط هتلر وسقوط ألمانيا مازال له أتباع ينادون بنازية جديدة!
تخيل لو أن موسى قال لليهود إنهم لن يخرجوا من أرض مصر للخلاص من بطش فرعون بهم وأنه سيتصالح مع فرعون وأنهم سيمكثون بأمان فى جوار فرعون ساعتها ستنكسر الأسطورة وربما قتلوه أو اتهموه بالضلال عن طريق الرب!
يحكى فى إحدى الروايات وفى مشهد تخيلى أن المسيح ظهر فى إحدى القرى الفقيرة بهيئته الشهيرة وقت الصلب فعرفه فقراء القرية وساروا خلفه وتجمهروا حتى وصلوا إلى الكنيسة فخرج القساوسة منزعجين فى ملابسهم الحريرية ومسوحهم الذهبية وقالوا للمسيح ارحل من هنا وإلا حبسناك باسم الرب لأنك تؤلب علينا العامة! أى أنهم سيحبسونه باسمه طبقا لعقيدة القس المتنفخ من أكل مال اليتامى وفوق كرشه الضخم يرقد صليب ذهبى!
وفى الأثر أن نبينا هو يونس «عليه السلام» غضب من وقومه لأنهم لم يؤمنوا فتركهم ورحل أى تخلى عن التكليف وأضاف اجتهادا غير مطلوب فعاقبه الله بأن يلتقمه الحوت ثم يلفظه سقيما على جزيرة تحت شجرة ليبرأ جسده ويتعلم الدرس المستفاد بأن لا تخرج عن التكليف – وهنا التكليف الدينى أى النبوة فى مقابل الأسطورة - وأن الاجتهاد فى غير محله مع البشر مكلف جدا ومع الله أكثر تكلفة ولم يفعلها نبى بعد ذلك!
عندما خرج المصريون فى 30 يونيو خرج إليهم «السيسى» فرفعوه إلى أعلى عليين وهتفوا باسمه كمخلص وكان الدور المطلوب تخليص البلاد من الإخوان وبطشهم والسلطة الدينية، كان هذا هو الاتفاق غير المعلن إلا أنه دوما هناك مسار آخر مفتوح لا ندرى عنه شيئا، خط سرى وتتوهم السلطة أنه لابد من خيوط لعبة تجمعها فى يدها وتشركها فى المشهد أحد تلك الخيوط يمثل وجود ممثل عن القوى الثيوقراطية فى المشهد وتدريجيا وعلى مهل وبحرفية عالية – يحسد عليها - يحطم النظام الحالى أسطورته تدريجيا أسطورته التى صنعتها بجملة واحدة، الخلاص الأبدى من الإخوان يحطمها أيضا بجملة واحدة التصالح مع الإخوان وأذنابهم ومن شابههم يحطمها بتفشى سيطرة قوى الظلام على الشارع، يحطمها بقوانين الحسبة والارتداد إلى عصور الظلام لكن هل مازالت ثمة فرصة هناك لدى الحوت للفظ وتوبة - لنظام لم يع الدرس جيدا - تحت شجرة اليقطين فى جزيرة منعزلة أم أن سنوات عديدة من التجريف قد اقتلعت كل أشجار اليقطين؟