الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التسيب المتوارث

التسيب المتوارث
التسيب المتوارث




عاطف بشاى  يكتب


الإهمال متراكم والتسيب أصبح طقساً اعتيادياً متوارثاً نعيشه كل يوم.. والاستهتار الإجرامى بثروات الوطن ظاهرة متفشية.. وازدراء الجمال وكراهية الفن أمسى مقدمة منطقية لسيطرة القبح والدمامة.. وتدمير التراث الفنى والحضارة العظيمة التى شيدها الأجداد أضحى عادة لا تثير دهشة أو إستهجاناً.. وأصبح من الطبيعى أن نستيقظ كل يوم على خبر مفزع يتصل بتشويه أثر.. أو تحطم تمثال.. أو سرقة أيقونة أو تلف لوحة.
آخر تلك الأخبار المؤسفة فوز سيدة من الدوحة بأحقية امتلاك التمثال الفرعونى «سخم كا» الذى يرجع عمره إلى أربعة آلاف عام، والذى خرج من مصر عام «1849» حيث اشتراه.. «سبينسر كومبتون» ماركيز.. نورثميتون».. ثم أهداه لمتحف «نورثمبتون» ولا تمتلك مصر أى إثباتات بملكيته.
وتفاصيل الخبر تقول إن المهلة الثالثة والأخيرة التى منحتها وزارة الثقافة البريطانية لوقف منح ترخيص التمثال ومنع تصديره خارج «بريطانيا» حتى يوم 29مارس «2016» وذلك بعد بيعه فى يوليو «2014» فى أحد المزادات «بلندن».. وأطلقت وزارة الآثار مؤخراً فى أغسطس الماضى أثناء تولى وزير السابق «ممدوح الدماطى» مسئولية الوزارة حملة تبرعات لجمع مبلغ «15.8» مليون استرلينى لشراء التمثال من أجل الإبقاء عليه داخل «بريطانيا».. ولكن لم يتم التبرع بجنيه واحد لتلك الحملة.. وأكدت خبيرة الآثار وعضو اللجنة المجتمعية للحفاظ على الآثار «مونيكا حنا» أنه لم تكن هناك أى مساع جدية من المسئولين المصريين لاستعادة التمثال.. وكل ما تم بهذا الشأن مجرد «شو إعلامى.. ومحاولة لامتصاص الغضب الشعبى وضمان كرسى الوزارة.. بينما قال مسئول آخر للآثار: إن وزارة الخارجية هى المسئولة المسئولية الكاملة عن ضياع التمثال.. حيث إنه منذ انتهاء المهلة الثانية أعلنت وزارة الآثار أنه جرى تسليم الملف إلى وزارة الخارجية للتواصل مع المسئولين فى بريطانيا.
وقد كشفت مصادر أثرية أنه جرى بيع التمثال لسيدة قطرية بـ(16) مليون جنيه استرلينى.
وهكذا تواصل مسلسل الإهمال الذى قرأت عنه تقريراً كابوسياً يكشف ما يحدث فى الكثير من المعابد والمناطق الآثرية فى الأقصر بعد صمود دام ثلاثة آلاف عام فأكوام القمامة واليوانات النافقة والكلاب الضالة التى تحيط بالمعابد والآثار فى الأقصر تفشت بالإضافة إلى تكاثر برك المياه الجوفية ومياه الصرف وسط صمت من وزارة الآثار التى تصيح دائماً بعدم وجود ميزانيات لتطوير وترميم المعابد أو وضع حراسة كافية لحمايتها.. فمعبد (كومير) بمركز (إسنا) جنوب الأقصر والذى يعتبر تحفة هندسية تمثل أهم المعابد فى «مصر» وشيد من ألفى عام تحول إلى خرابة كبيرة وأطلالاً تخفى معالمها منازل الأهالى وروث الحيوانات وتلال الأتربة.
أما أبشع ما جاء فى التقرير هو ما حدث فى مدينة (إخميم) الأثرية فى (سوهاج) حيث معبد (رمسيس) الثانى الذى تم الكشف عنه فى عام (1981) عندما كان يتم بناء معهد أزهرى بالمنطقة.. بعدها تم إيقاف أعمال الحفر ليتم الكشف عن أكبر تمثال لسيدة فى العالم وهو تمثال (ميريت آمون) ابنة (رمسيس الثانى) الذى بلغ ارتفاعه (11.5) متر ووزنه أكثر من عشرين طناً.. لكن المشكلة الكبرى تمثلت فى أن المعبد يمتد أسفل مقابر ومنازل الأهالى.. وتم وضع خطة لإخلاء المقابر وبناء مقابر بديلة لهم فى منطقة (الكوثر) على الجبل الشرقى وتكلف ذلك أكثر من (150) مليون جنيه.
وتم وضع خطة أخرى لتهجير الأهالى من المنطقة.. ولكن مع ثورة (25) يناير ذهبت كل الجهود سدى.. فبعد أن توقف دفن الموتى فى المقابر.. عاد الأهالى من جديد لدفن موتاهم فى المقابر القديمة.. والهدف من وراء ذلك استمرار أعمال السلب والنهب للآثار من داخل المقابر والمنازل والتى تتم بشكل يومى حتى إن رجال الشرطة والآثار والمباحث لا يتمكنون من ملاحقة عصابات التنقيب بسبب كثرة عملياتهم التى يقومون بها فى المنطقة واستخدامهم وسائل ومعدات متطورة فى الحفر.
«ملحوظة»:
«بعد أن انتهيت من كتابة هذا المقال ليلاً.. استيقظت لأقرأ فى صباح اليوم التالى هذا الخبر المنشور فى كل الجرائد: اختفاء تمثال «كاتمة أسرار» للنحات الشهير «محمود مختار» من منطقة الشلالات فى الحى اللاتينى بوسط الإسكندرية».