الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

13 مرضاً يهدد الثروة الداجنة فى مصر

13 مرضاً يهدد الثروة الداجنة فى مصر
13 مرضاً يهدد الثروة الداجنة فى مصر




تحقيق وتصوير - محمود ضاحى


مزارع خاوية على عروشها، وكانت فيما مضى مصدر رزق وفير لأصحابها، وتحولت إلى مسكن للأشباح بعد أن كانت تعج بالدواجن والكتاكيت الصغيرة، هذا هو حال مزارع الدواجن حاليا، بعد أن اجتاحتها الأمراض الفيروسية التنفسية، وفى جولتها داخل محافظتى البحيرة والقليوبية التقت «روز اليوسف» أصحاب رءوس الأموال ممن كانوا يتاجرون فى الثروة الداجنة، والذين تحولوا إلى عاطلين عن العمل بعد أن اجتاحت الأمراض التنفسية الساحة، وهددت مصدر رزقهم وقوت أولادهم.
ومن داخل قرية «أرمينيا» بإيتاى البارود يحكى الحاج أشرف محمود – مالك لإحدى مزارع الدواجن  - بنبرات يملؤها الأسى منكسًا رأسه فى الأرض .. قصته مع الفيروسات التى هددت لقمة عيشه قائلا: أنتظر قدوم أيام صعبة على أسرتى من كثرة الديون التى أثقلت عاتقى، وكثيرا ما أشرد لأفكر كيف لى أن أعوض خسارتى، ولكى نرى الأمور على طبيعتها، اصطحبنا إلى مزرعته التى تقع على مساحة 5 أفدنة، وهى مكونة من عدد من الأبنية المقسمة إلى طوابق وكل طابق به عنبر للتفريخ، كانت تمتلئ بما لا يقل عن 30 ألف طائر، هلك نصفها بسبب فيروس الـ «آى بي».
ويضيف الحاج محمود  أنه من أكثر المتضررين من خسائر مزارع الطيور، فالمزرعة التى يمتلكها هى فى الأساس شراكة مع مجموعة من الأشخاص، تسع لتربية 30 ألف كتكوت، وكان يدفع لكل عامل 85 جنيها كتأمينات، و 5 آلاف جنيها ضرائب على كل عنبر، ونقوم بشراء نحو 60 طن علف للدجاج بسعر 3670 جنيه للطن الواحد، كما تحتاج المزرعة لأنابيب الغاز للتدفئة فى فصل الشتاء بميزانية لا تقل عن 10 آلاف جنيه حتى لا تنفق الدواجن بسبب التقلبات الجوية.
ثم بدأت المشكلة فى العام الأخير بعد تفشى عدوى فيرس «آى بي» التنفسى فى المزارع، والذي قضى على الدواجن وأدى إلى خسارة ﻻ تقل عن 350 ألف جنيه لى، حيث لا يوجد علاج ناجح للتصدى له حتى الآن، إضافة إلى مرض «الجمبورا»، وأصبحت الخسائر تحاصرنا من جميع الاتجاهات إذ أننا مطالبون بسداد الضرائب والتأمينات، بالإضافة لتغطية خسائر المزرعة، وأوضح أن الخسارة أصابته بالجنون، ففى خلال الأيام المقبلة سيصدر ضده أحكام قضائية لعدم سداده الايصالات المستحقة لتجار الأعلاف والأدوية البيطرية، وواصل: تكبدت خسائر فادحة بعد أن نفقت نصف الدواجن، لذلك باع 15 ألف دجاجة للمجازر بخسارة 100 ألف جنيه، وطالب وزارة  الزراعة والمسئولين فى الدولة بنظرة عطف لأصحاب المزارع والعاملين بها بعد خراب بيوتهم، فقد قام مؤخرا بتسريح 4 من العمال توفيرا للنفقات، وكان راتب الفرد منهم  1500 جنيه شهريا.
وأوضح أن هيئة الخدمات البيطرية لا تهتم بمتابعتهم بشكل مستمر، الأمر الذى اضطره  للجوء إلى طبيب بيطرى خاص يتقاضى منه 1000 جنيه شهريا لتشخيص الحالات المرضية فور الإصابة بها.
أما حسام السيد - مالك مزرعة بالقليوبية - فيقول إن فيروس «آى بي» قاتل يسبب الموت المفاجئ للدجاجة، ويعرف حال تقطيعها بعد ذبحها فيكون عبارة عن مادة مثل الجبن بيضاء اللون تلتف حول الكبد تمنع عنه التنفس، إضافة إلى انتفاش الريش والإسهال، وذلك جراء تأثير المرض على الكليتين وعدم تمكن الطائر من إتمام عملية التنفس بشكل كامل وموته نتيجة الاختناق.
 وأكد أن هناك فيروس «النيوكاسل» ومن أعراضه إلتواء فى رقبة الدجاجة إلى الخلف، ويعالج عن طريق تحصين نيوكاسل ويتم معالجته عن طريق رشاشات وحقن للدجاج فور ظهوره لكن يؤدى إلى الوفاة أيضًا، وبالإضافة لمرض «النيوكاسل» والـ آى بي» هناك الجدرى وأنفلونزا الطيور وهى من أكثر الأمراض انتشاراً فى فصل الشتاء، وأضاف أن الخسائر فى مزرعته وصلت لـ 150 ألف جنيه بسبب فيروس «آى بى» الذى ظهر لديه للمرة الأولى هذا العام، وبالرغم من حرصه الشديد على تطهير المزرعة قبل بدء أى دورة جديدة للدواجن، فقد نفق فى مزرعته 1200 كتكوت، مشيرا إلى أن المرض ليس له أى تأثير على الإنسان لكنه يصيب الطيور فقط.
وتابع: أن الأخطر من ذلك فهو مرض السلامونيلا الذى ينقل عن طريق سن السكين عند ذبح الدجاجة، وينتقل عند عمل الأكلات الأخرى مثل السلطات وغيرها.
وقال ربيع شعبان – عامل سابق بمزرعة دواجن - إنه بعد خسائر فادحة لصاحب المزرعة التى عمل فيها، فلم يجد منذ غلقها عملا بديلا حتى الآن، ولم يستطع توفير نفقات أسرته، وأن عمله فى المزرعة كان يحاسب عليه بالدورة التى تصل لـ 45 يوما، بمقابل 1500 جنيه ، و أنه غير مؤمن عليه ومجرد عامل باليومية، وأشار إلى أن أغلب العمال يلجأون للقاهرة للعمل فى أى حرفة هناك، أو اللجوء لمدينة العاشر من رمضان للعمل فى المصانع، خاصة أن لديه 4 أولاد بينهم 3 فى مراحل تعليمية مختلفة ويحتاج لمصاريف كثيرة.
بينما يقول صديق تقى الدين - 45 سنة دبلوم زراعة - العمل فى المزارع مهنة غير مستقرة خاصة العامين الماضيين، لكن الشتاء الماضى اشتدت الأزمة بسبب الأمراض ، مضيفاً أن أصحاب المزارع يخصمون من أجورهم فى حال وجود خسائر وتتسبب خسائرهم  فى إهمال حقوق العمال، وأنهم لا ذنب لهم فى هذا الأمر، وعملهم متابعة الدواجن وتعليفها فى الأوقات المناسبة و «فرش النشارة» و «وملئ السقايات»، ومبيتهم داخل المزرعة، منوهاً إلى أن هناك عبئا كبيرا على كاهل المواطن الفلاح الفقير خاصة فى القرى واعتمادهم الأساسى على المزارع.
من جانبه عقب الدكتور مصطفى عبدالعزيز -  خبير الطب البيطرى - أن فيروس الـ «آى بى» الجديد يصيب الجهاز التنفسى للدواجن ويتسبب فى نفوق الآلاف منها، موضحاً أن الاسم العلمى للمرض هو التهاب الشعب المعدى، وأوضح أن محافظات الغربية والقليوبية والبحيرة وكفرالشيخ والدقهلية هى الأعلى فى معدلات الإصابة، وأدى ذلك لتحول صناعة الدواجن بالنسبة لكثير من المربين لمهنة موسمية، والكثيرون يبتعدون عنها فى فصل الشتاء، وأزمة الدواجن وصلت إلى ذروتها بعد تجاهل الحكومة لها.
 الدكتور أحمد نبيل - مدير التتفيش البيطرى بالقاهرة - يقول إن عمل المفتش البيطرى عبارة عن استقبال الدواجن بالمجازر والكشف عليها قبل الذبح، واستبعاد ما هو مريض منها، أو مصاب بحمى، ثم تتم عملية الذبح ، وفى حالة وجود دواجن مريضة يتم إعدامها ثم إرسال تقرير من الجهة البيطرية المختصة حول سبب الإعدام، مشيرا إلى أن المضادات الحيوية يحقن بها الدجاج أثناء فترات التربية، وهناك فترة سحب الدواء بعد العلاج، ويتم مراعاتها أثناء الحقن  لإزالة أى أمراض فى الجسم بإشراف بيطرى حتى ﻻ يصاب أى متناول لها، مشيراً إلى أن ما يقرب من 80% من مزارع الدواجن فى مصر غير مرخصة.

وأوضح أن الأمراض التى انتشرت فى الدواجن أدت إلى رفع سعرها، ﻻفتاً إلى أن هناك ما لا يقل عن 50 مفتشا فى القاهرة الكبرى فقط، ونوه إلى أن مجازر الدواجن فى القاهرة حوالى 37 مجزرا، مضيفاً أن الأعلاف تعتمد على الذرة الصفراء المستوردة مما تؤدى إلى ارتفاع أسعار الأعلاف.
أما الدكتور أحمد حمودة - أستاذ أمراض الدواجن وأمين عام نقابة البيطريين – فقال إن كل الأمراض الفيروسية ليس لها علاج والتعامل معها يكون بطريقة وقائية، فالعلاج يتم بتكوين أجسام مناعية لصد المرض والتقليل من خطورته، علما بأن الفيروسات المنتشرة لا تؤثر عليها المضادات الحيوية لكن يتجاهل معظم المربين لطرق التعامل مع الأمراض ومواجهتها، فالتعامل مع (نيوكاسل، الجودري، وآى بى والأنفلونزا ) يحتاج إلى الدقة وعدم التكاسل عن التحصينات.
ولفت إلى أن فصل الشتاء تنتشر فيه الفيروسات خاصة مع تقلبات الجو والتدفئة فى المزارع، مما يتسبب فى ظهور فيروسات متحورة من الصعب مواجهتها، ويوضح أن دور النقابة توعوى من خلال تقديم دورات تدريبية تشمل المربين، والاتصال بالجهات المسئولة من وزارة الزراعة للتنسيق معهم.
واستطرد: «طالما لا توجد تعويضات فستظل الأمراض منتشرة، لأن التخلص من القطيع ودفنه وتعويض صاحبه هو الحل الأفضل للقضاء على المرض من بدايته، لكن أصحاب المزارع يبيعون الدواجن المريضة للمجازر بسعر أقل بما تحمله من فيروسات للتخلص منها والتقليل من خسائرهم.
ونوه إلى أن هناك أمراضا تنتقل للإنسان مثل أنفلونزا الطيور والسلامونيلا وهى أمراض مشتركة بين الإنسان والطيور، مضيفا أن السلامونيلا تسبب نزلات معوية وإسهالا وقيئا وتصيب الأطفال عن الكبار بالتسمم الغذائي.
وطالب بتفعيل القانون الخاص بالإشراف على المزارع وزيادة عدد البيطريين من خلال تعيينات جديدة وذلك للرقابة على الأغذية ذات الأصل الحيواني، والتفتيش عليها فى الأسواق وتحديد صلاحيتها من عدمه، مؤكدا أن هناك أكثر من 12 ألف طبيب بيطرى عاطل، وإذا تم تعيينهم فستستفيد الدولة من عملهم  فى الرقابة الصحية والرقابة على الأغذية التى ستوفر 25% من الموازنة المخصصة للرعاية الصحية.
وتابع: هناك 7 أمراض فيروسية  تنفسية منتشرة وهى «النيوكاسل - آى بى – الأنفلونزا - أى إل تى - الجودرى - الأديتو – نيموفيروس» إضافة إلى 6 أنواع من أمراض البكتيريا وهى «أى كولاى - زكام الطيور – كوليرا – كوريزا - أور أى تى - أى تي» ولتشخيص الأمراض ووضع العلاج المناسب لكل مرض مع تعليم المزارع الفرق بين الأمراض المختلفة نحتاج إلى أطباء بيطريين ومعامل للتشخيص، خاصة أن أغلب من يتعاملون معهم أصحاب المزارع  مهندسين زراعيين أو أطباء حديثى التخرج.
وعن تأثير تلك الأمراض على الصحة العامة يتحدث الدكتور إبراهيم حجازى - أستاذ الصحة العامة بجامعة القاهرة - أن هناك بعض الهرمونات التى يشتريها التجار من الصيدليات لحقن الدواجن، أو خلطها بالأعلاف لزيادة وزنها، وتؤثر سلبا على صحة الإنسان، لوحظ فى الفترات الأخيرة استخدام هرمون الاستروجين فى أعلاف الدواجن، وهو هرمون أنثوى يترك آثارا سلبية فى حالة استهلاكه بكميات كبيرة خاصة بين الذكور، حيث يتسبب فى كبر حجم الصدر والأرداف وعلى المدى الطويل يؤثر على خصوبتهم، وهو هرمون لمنع الحمل يتم شراؤه من بعض الصيدليات ويطحن على الأعلاف لزيادة وزن الدواجن فتتجمع المياه بالدجاجة تحت الجلد، لتحقق أرباحا وفيرة للتجار، ونوه إلى أن جرثومة «السلامونيلا» تظل موجودة فى الدجاجة لفترة كبيرة وتسبب بعد أكلها إسهالا وقيئا لمدة 4 أيام على الأقل، وتوجد أيضا فى الدواجن الأمهات والكبيرة التى تنتج البيض وتسبب تسمما غذائيا أيضاً.
وقال الدكتور عماد حامد - أستاذ الأورام بجامعة المنصورة - إن هناك علاقة قوية بين الإصابة بالسرطان وبين هرمنة العلف الذى يوضع للدواجن، وأن هناك احصائية  تؤكد أن المرأة التى تتناول حبوب منع الحمل وهرمون الاستروجين لمدة 10 سنوات أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي، وأن هرمنة الدواجن تصيب الرجال بالعقم، وتصيب السيدات بالسمنة وهو أمر ناتج عن الهرمون ولا علاقة له بالطعام والشراب، وبوضعه للدواجن يجعل دورة المزرعة تخرج خلال 3 أسابيع وليس 45 يوماً، كما أن أصحاب الدواجن يضعون الزيوت المحروقة على الأعلاف مما يزيد ترسيب الدهون فى الطائر فيزيد من حجمها.
الدكتور أحمد يوسف - خبير فى علوم الأدوية والسموم - أكد أن العديد من أصحاب المزارع يستخدمون المضادات الحيوية للهروب من مأزق التفتيش البيطري، وأن هرمون «التستيرون» رخيص جدًا ولا يتجاوز سعره الـ 5 جنيهات، ويكفى أعدادا كبيرة من الدواجن، ويسهل لأى الشخص شراؤه من الصيدليات، موضحاً أنها تزيد من بروتين الدواجن وتكثر من البيض، وقال إن أشهر أنواع الهرمونات التى تستخدم فى هذا الأمر «توسترون وبرويسترون»، وأغلب الهرمونات تظل موجودة فى جسد الطائر حتى بعد الذبح، وأشار إلى أن أغلى أنواع الهرمونات لا يتجاوز سعره الـ 8 جنيهات يوضع فى كميات كبيرة من المياه وتحقن بها الدواجن بعد تخفيفها.
وقال الدكتور محمد عطية - رئيس لجنة الطب الوقائى للدواجن بهيئة الخدمات البيطرية - إن اللجنة تفحص الأمراض الموجودة فى الدواجن بطرق متعددة لمعرفة الأمراض الأكثر انتشاراً، خاصة التى تسبب عدوى للإنسان والتى أهمها أنفلونزا الطيور، وأن الفترة الماضية شهدت أكثر الأمراض انتشاراً، موضحاً أن هناك إجراءات محددة فى أسلوب تربية الدواجن للحفاظ على المزرعة من دخول الأمراض خاصة عوامل النظافة، والتحصين المستمر للدواجن ضد الأمراض، والإشراف على الأعلاف، منتقدا منع أصحاب المزارع دخول الأطباء للكشف على الطيور، واستكمال إجراءات التحصين، خاصة أنها لا تخضع لهيئة الخدمات البيطرية، وطالبهم بتسهيل سحب عينات من الدواجن  لمعرفة أنواع الأمراض.
الدكتور صابر عبد العزيز - مدير الإدارة المركزية للأوبئة والدواجن بالهيئة العامة للخدمات البيطرية - أكد أن فيروس «آى بى» ليس بجديد لكن هناك عترة جديدة من الفيروس هذا العام.
وأضاف أن الهيئة شكلت لجنة لمتابعة المرور الدورى على مزارع الدواجن فى عدد من المحافظات لسحب عينات ومعرفة الأمراض المنتشرة وفحصها بمعرفة المعمل المركزى للرقابة على الإنتاج الداجنى التابع لمركز البحوث الزراعية.