الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ما بين النقد والازدراء ‎

ما بين النقد والازدراء ‎
ما بين النقد والازدراء ‎




هشام فتحى يكتب:

ليس النقد كالإزدراء، فالنقد للعلم، أما الازدراء للجهل، النقد منهج علمى يروم تبيان الحقيقة فى المعلوم وفرز الغث من الثمين، ولقد يثبت القاموس العربى ذلك فيقول: انتقد بمعنى تعرف الجيد من الزائف، ومنها نقح، خلص الشىء جيده من رديئه، أما ازدرى، زرى، عاب واستهزأ، والزارى على الإنسان هو الذى ينكر عليه ولا يعده شيئا وازدراه وتزدرى عليه. شتان ما بين إرادة البحث عن الحقيقة وتبيان الصالح من الطالح وما بين العيب والاستهزاء والزراية.
لا أدرى كيف يمكن للمادة (98) من قانون العقوبات المصرى وهى مادة معاقبة مزدرى الأديان، لا أدرى كيف يمكنها أن تحاكم باحثا عن الحق بدعوى ازدراء الأديان، وهى ذاتها تزدرى بالأديان غير السماوية ؟! انظر نص المادة إذن: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تتجاوز ألف جنيه، كل من استغل الدين فى الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة (لم تحدد المقصود بالتطرف) بقصد إثارة الفتنة (لم تحدد مفهوم الفتنة وكيف يمكن الولوج للقصدية؟) أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية».
إن المادة تحقر بلا مواربة بهؤلاء المنتمين إلى أديان غير سماوية كالبوذية والبهائية والأحمدية وغيرها وتزدريهم، ولو كان أتباع هذه الأديان يؤمنون بأن أديانهم سماوية، فما تراه أنت أرضيا قد يراه الآخر سماويا، والعكس صحيح.
هل تعلم أيها المتقصى الباحث عن الحق، أن القرآن الكريم وضع أصول النقد العلمى والمنهج الصحيح لمقارنات الأديان؟ انظر إلى نص النساء 82 يقول «ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا»، (معيار التناقض) الذى نفرز به الغث من الثمين، والطالح من الصالح، والأسطورة من الحق، إنها دعوة للبحث فى صحة القرآن من خلال معيار الاختلاف، وانظر إلى نص سبأ 24 «وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين»، مفهوم مذهل يؤصل لشروط المحاججة بأن يأتى طرفا الحجاج خاليين من المسلمات السابقة، ولا يمكن إذن حسب فهمكم أن يطلب الله من رسوله أن يأتى الحجاج وهو متسلح بازدراء الإسلام حاشاه، إنما هى شروط المحاججة.
وبالنمل 125 تجد (معيار المجادلة بالحكمة) بازغا: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن»، ويورد ابن كثير معنى لفظة الحكمة بأنها مخاطبة كل أحد حسب حاله وفهمه وقوله وانقياده.
فلا ازدراء إذن فى المسألة (ولا دياولو)، إنها شروط الحجاج والنقاش.
إن نصوص القرآن الكريم ذكرت مشتقات ألفاظ «العقل» و«التدبر» و«النظر» و«الرؤية» عديد المرات، للتأكيد على دور العقل ومناهجه الطبيعية فى قبول أو رفض المعروض دون الإتهام بازدراء الدين، أفنأتى نحن البشر لننكر ذلك على نصوص القرآن، ونتهم من يفعل ذلك بادعاءات ازدراء الأديان؟!
إن الاستمرار فى قبول قانون ازدراء الاديان بما يشكله من خطر داهم على العقل والبحث العلمى فى مصر والبلدان الإسلامية التى تأخذ به فى مجال العقوبات أمر من شانه إغلاق أقسام مقارنات الأديان بالجامعات العربية والإسلامية، وكذلك إغلاق كلية اللاهوت التابعة للكنيسة المصرية بدعوى دراسة الإسلام من زاوية مقارنته علميا بالأديان الأخرى خصوصا الإسلام! إنها الورطة التى يصر عليها القانون المصرى، فما مصير هذه المنتجات العلمية التى صدرت عن هذه الجامعات إلا أن تلقى فى اتون النار وما مصير أصحابها إلا أن يحاكموا بتهمة ازدراء الأديان؟!
أيها السادة، إن الثقافة الهشة هى التى تخاف النقد والمناقشة، أما الثقافة القوية فهى كالطود العظيم لا تهزه الرياح، واعلموا أن العالم قد أضحى قرية صغيرة يلفها الإنترنت فى ثوان معدودات بما يزخره من مذاهب وديانات وثقافات، ولم يعد فى إمكان سلطة على وجه الارض إخفاء تشوهات ثقافتها أو مذهبها أو دينها، فلقد رأينا الله يكفل النقد والحجاج والمجادلة، فهل أنتم إذن أرعى من الله لدينه؟ّ! مالكم كيف تحكمون ؟!