الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

ديمقراطى والعياذ بالله!

ديمقراطى والعياذ بالله!
ديمقراطى والعياذ بالله!




عاطف حلمى  يكتب:

هناك رواية ذات مغزى تحكى عن أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد، تعود إلى النصف الأول من القرن العشرين، أو ما نطلق عليها «الحقبة الليبرالية»، حيث كان أحمد لطفى السيد مرشحا لعضوية البرلمان وعندما وجد منافسه أنه قاب قوسين أو أدنى من الفوز بالانتخابات، استغل بساطة الناخبين وقال فى أحد لقاءاته الانتخابية إن «أحمد لطفى السيد ديمقراطى والعياذ بالله»، ما يعنى أنه كافر، ولم يعلم أحمد لطفى السيد بما حدث حتى وقف أحد الناخبين فى مؤتمر انتخابى للسيد وسأله «هل أنت ديمقراطى؟»، رد أستاذ الجيل بكل تلقائية «نعم أنا ديمقراطى»، فأنفض الحضور وفاز الخصم بمقعد البرلمان لأن أحمد لطفى السيد «ديمقراطى والعياذ بالله».
تشويه
ما أشبه الليلة بالبارحة مع اختلاف التهم والمسميات، فأصبح الشائع لدينا الآن هذا «عميل»، وذاك «خائن»، وفلان يحصل على «تمويل أجنبى»، وعلان «مرتزق»، وترتان يأخذ أوامره من هذه السفارة أو تلك، وغيرها الكثير من التهم التى بلا بينة ولا دليل فالمهم التشويه لا لشىء سوى أن هذا الشخص أو ذاك اختلف معك فى وجهة النظر، أو عارض فكرتك وانتقدها.
تخوين
الأمر جد خطير ويهدد المجتمع بأكمله بالانهيار، ما لم يكن منهارا أصلا، فلم يعد لدينا القدرة على قبول الرأى الآخر من دون تخوين أو إساءة وسباب وشتائم.
تحضر
كل شعوب العالم تسير للأمام بينما نحن نسير للخلف، فالجيل الحالى الذى يفترض أنه فى عصر الفضائيات المفتوحة وتدفق المعلومات، أصبح متخلفا عن جيل الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، عندما كانت أكشاك باعة الصحف والمكتبات تعرض كتاب «لماذا أنا ملحد؟»، وبجواره كتاب «لماذا أنا مؤمن؟»، ولم يسب أحد الآخر ولم يلق عليه قنبلة أو يتهمه بأفظع الألفاظ، ولم يؤد كتاب «لماذا أنا ملحد؟» إلى إلحاد المجتمع، ولم يعنى وجود كتاب «لماذا أنا مؤمن؟»، أننا أصبحنا شعبا معصوما من الخطأ، لكن المؤكد أننا كنا شعبا أكثر تحضرا واستنارة.
كارثة
الكارثة أن البعض يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة وحدهم، يمنحون بموجبها صكوك الوطنية، ويصدرون اتهامات التكفير والتخوين، لتسود نزعة الإقصاء والفرز، فلم تعد الأفكار والرؤى تقبل القسمة على اثنين، فضاع التعدد وساد شعار «إما معى أو لاشىء».
مصيبة
والمؤسف أن من يفترض فيهم أن يكونوا النخبة وقاطرة المجتمع هم أول من يمارس تلك التصرفات الاقصائية، ولعل ما نراه على بعض الفضائيات من صراخ وشتائم وسباب وطعن فى الأعراض أبرز دليل على حالة الانحطاط الفكرى التى نعيشها، والمصيبة أن من يعتمد على السباب والتسجيلات والتنصت والتخوين بمناسبة ودون مناسبة هم نجوم الشباك الذين يتصدرون هذا المشهد الكئيب.
إرهاب فكرى
والآن نعيش مرحلة الإرهاب الفكرى والقمع المعنوى، بل والعنف البدنى والإيذاء الجسدى، وما نراه من حالات بلطجة وغياب لسيادة القانون ليست وليدة الصدفة وليست ذرعا شيطانيا، بل هى ثمار مرة ونتائج طبيعية لثقافة مجتمعية ترفض الآخر إلى حد التكفير والتخوين، وتجاهلنا أن الحياة لن تستقيم ولن تسير ما لم يكن التواصل بين مختلف فئات المجتمع فى الاتجاهين، وأن يصبح الحوار المجتمعى وسيلة راقية لحل قضايانا، فالحياة «هات وخد»، وإلا أصيب المجتمع بالكبت والاختناق والنتيجة الحتمية هى الانفجار وساعتها لن يجدى البكاء على اللبن المسكوب.