الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تنقصنا التربية الدستورية!

تنقصنا التربية الدستورية!
تنقصنا التربية الدستورية!




رشاد كامل  يكتب:

على مدى عدة أيام انعقد فى القاهرة «المؤتمر البرلمانى العالمي» وكان ذلك شتاء سنة 1947. وعلى هامش المؤتمر طلبت مجلة روزاليوسف من الدكتور عثمان خليل أستاذ القانون بكليتى الحقوق والصحافة أن يجيب عن السؤالين التاليين فى شكل مقال.
كان السؤال الأول: هل نجح النظام البرلمانى فى مصر إلى الحد الذى كانت تقصده لجنة الدستور (دستور 1923) ولماذا؟ والسؤال الثانى: ما هى المادة التى تقترح إضافتها إلى الدستور حتى تكمل نقصًا فيه؟
وكتب «د. عثمان خليل» يقول: أما أن النظام البرلمانى قد نجح فى مصر بصفة عامة فيمكن القول إنه نجح بدرجة «مقبول» بلغة المعاهد لأنه للأسف الشديد تكشف عند تطبيقه عن مواطن ضعف كثيرة فى مختلف نواحيه فضلًا عما لابد أنه يخلفه كشل دستور مهما كانت صياغته من نقط فراغ يترك ملؤها إلى التشريعات الدستورية اللاحقة، أو إلى ما يتكون مع الزمن من عرف وسوابق دستورية وما يصل إليه الشرّاح الدستوريون من تفسيرات للنصوص الموضوعة وأحكام للمسائل التى لم تتناولها النصوص.
وفى كل هذه النواحى لم يكن النجاح بالقدر الكافى لأن السوابق الدستورية فى مصر قد اصطبغت فى الكثير جدًا من الحالات بالصبغة الحزبية التى تحمل النصوص تارة ما لا تستطيع أن تحمله، وتفسرها تارة أخرى على غير ما قصد منها! ونظرًا لعدم وجود محكمة عليا أو هيئة خاصة دستورية للفصل فيما هو صحيح أو غير صحيح من هذه التفسيرات والسوابق، أصبح كل من هذه وتلك صحيحًا أو على الأقل مفروضًا إنه صحيح فى ظل الحزب أو العهد الذى قرر السابقة أو وضع التفسير!
كما أن المنازعات الحزبية شغلت الحكومات والهيئات البرلمانية المتعاقبة بجزيئات التشريع العادى عن محاولة ملء نقط الفراغ التى ظهرت مع الزمن فى الدستور المصري، ولعل هذا الفراغ يملأ نتيجة المحاولات التى تظهر من حين لآخر لتعديل بعض الأحكام الدستورية أو وضع أحكام جديدة فيما لم تتناوله النصوص القائمة، كما أن من مواد الدستور الموجودة ما أثبت الزمن ضرورة تعديله على النحو الذى يتفق مع تطورات الزمن تارة أخرى.
هذا عن النصوص الدستورية والسابقة التى ظهرت خلال المدة السابقة من حياتنا الدستورية، أما من حيث التربية السياسية ومجهودات الشرّاح، ففى اعتقادى أنه كان من الواجب أن تتعاون الجهات الحكومية والبرلمانية والقانونية على أن تشيع فى البلاد من أقصاها إلى أقصاها ثقافة دستورية ديمقراطية حتى يتكون رأى عام ديمقراطى بالمعنى الصحيح، وهذا الرأى العام هو أهم أركان الديمقراطية الحديثة، ونحن فى مصر أحوج إليه من الدول الأخرى العريقة فى الحكم الديمقراطى لأن النظام البرلمانى بضاعة مستوردة، وقد أتينا بها على أنقاض عهد طويل من الحكم المطلق الذى خلد فى أذهان الناس فى مصر أثارًا وترك فى قلوبهم عقائد تتفق مع الحكم المطلق وتتناقض مع مقتضيات النظام البرلماني!
ولذلك كان يجب أن تكون العناية فائقة بدراسة مادة التربية الوطنية فى المدارس الثانوية بصفة خاصة، وفى مدارس البنات أمهات المستقبل حتى يتعاون البيت والمدرسة على إنشاء جيل برلمانى مدرك لحقوقه وواجباته، كما كانت تجب العناية بالأبحاث الدستورية الخفيفة التى يقصد بها تربية الشعب عامة وتعريفه ما له وما عليه فى نظام نيابى برلمانى كالذى أخذنا به!
ولكن للأسف لم يعن بهذه الناحية فى الغالب لا الأساتذة المختصون بتدريسها فى المعاهد العالية، وهذه العناية لا شك فنية دقيقة تعلو عن مستوى المواطن العادي.
ترى من ذلك أننا لم نوفق التوفيق الكافى فى تطبيقنا للنظام البرلمانى لا من الناحية التشريعية ولا من الناحيتين العملية والفقهية.
وما من شك أن هذا الوضع الذى وصلنا إليه مهما سميناه نجاحًا فلا يمكن أن يكون غاية ما كان ينشده واضعون الدستور ويكفى الاطلاع على بحوث لجنة الثلاثين (واضعة دستور 1923) ومناقشتها لإدراك مدى ما هنالك من بون شاسع بين ما كانت تنشده اللجنة وما اسفرت عنه حياتنا الدستورية حتى اليوم.
أما المادة التى أقترح إدخالها فى الدستور المصرى فهى مادة تتضمن أساس تعديل نظامنا الانتخابى وتكون مثبتة فى الدستور حتى لا يكون - أى أساس التعديل ألعوبة فى أيدى الألبيات البرلمانية المتقلبة على أن تتضمن هذه المادة ترجيح المتعلمين على الأميين فى عدد الأصوات وجعل الانتخاب إجباريًا وبالقائمة على أساس طريقة من طرق التمثيل النسبى حتى يشيع التعاون بين الأغلبيات والأقليات وتأخذ كل منها نصيبها العادل فى التمثيل النيابى بدلًا من الغبن الذى تسفر عنه حتمًا طريقة الانتخاب الفردى الحالية، وهو غبن لا تهدأ معه الحياة السياسية، وتاريخنا الحديث مملوء بالأدلة على ذلك».
انتهى المقال المنشور عام 1947 وكان عنوانه «لا تنقصنا التربية الدستورية» وهو عنوان صحيح أمس واليوم أيضًا!